ما دلالة تعيين رئيس حكومة جديد بفرنسا؟

أحمد بويسان

أقدم الرئيس الفرنسي ماكرون على تعيين رئيس حكومة جديد جون كاستيكس بدلا من أدوار فليب الذي يتمتع، حسب استطلاعات الرأي، بشعبية كبيرة لدى الفرنسيين تفوق بكثير شعبية الرئيس ماكرون. وربما لهذا السبب، ولأسباب أخرى سنعود اليها لاحقا، عمل على تبديله مخافة من توارى شخصيته وراء أدوار فليب.

من مفارقات و اختلالات الجمهورية الخامسة الفرنسية هي ما نلاحظه في الواقع من تداخل وتشابك اختصاصات رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء. دستوريا رئيس الوزراء هو المسؤول اليومي عن السياسية الحكومية مما يطرح معه السؤال التالي هل رئيس الحكومة فعلا مسؤول عن عمل حكومته ويمارس صلاحياته دون تدخل الرئاسة أم فقط متعاون بجانب رئيس الجمهورية الذي يعد المسؤول الفعلي عن السياسة الحكومية؟ هذا الخلل خلق توترات سياسية وشخصية منذ بداية الجمهورية الخامسة سنة 1958 بين الرئيس و رئيس حكومته.

و التاريخ الحديث السياسي الفرنسي مليء بحكايات الصراع والتوتر بين الإثنين. الرئيس جسكار دستان(74-81 ) عرفت ولايته صراعات حادة بينه وبين جاك شيراك رئيس وزرائه إلى الحد الذي اتهم هذا الأخير بمساندة غريمه فرنسوا متران خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 81. و القاصي والداني في فرنسا يعرف العداوة بين شيراك وجسكار. نفس الحكاية مع نيكولا ساركوزي و فرانسوا فليون و تكررت مع هولاند وفالس. الأمر الذي جعل بعض الأصوات ترتفع منادية لتعديل دستوري للانتقال إلى جمهورية سادسة (ملنشون والحزب الشيوعي)/برلمانية.

او حسب نموذج ألمانيا حيث منصب الرئيس صوري أو في شكل نظام دستوري يختفي فيه منصب رئيس الوزراء نهائيا لفائدة جمهورية رئاسية صرفة لتفادي تضارب الصلاحيات بين رأسة الدولة ورأسة الوزراء، و ماكرون يميل إلى النموذج الأخير/جمهورية برأس واحد. هل سيقترح تعديلا دستوريا في هذا الإتجاه كما نصحه الرئيس السابق ساركوزي؟ الأيام المقبلة ستكشف ذلك.

بتعيينه لرئيس حكومة شبه مجهول و لا يتوفر على كاريزم في شخص جون كستيكس ذي الأصل الكتلاني/الفرنسي -رئيس الحكومة الجديد يتكلم لغته الأم الكتلانية وفرنسيته بلكنة جهوية غير باريسية- ماكرون بهذه الخطوة يؤكد أنه الماسك الوحيد بزمام الأمور وبكل دهاليز هرم السلطة بهاجس الاستعداد لولاية رئاسية ثانية سنة 2022 مع الاحتفاظ بنفس التوجه وأهم الاختيارات الاقتصادية و السياسية الليبرالية لهذا أختار شخصية لرئاسة حكومته قادمة من اليمين التقليدي القروي الذي عرف انتعاشة ابان الانتخابات الجماعية الأخيرة مع إضافة صباغة خضراء بيئية عن وعوده لمرحلة مابعد كورونا. كل ذلك بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد.

أولا، لإبتلاع أصوات الكتلة الناخبة اليمينية التي تعاني من انعدام شخصية يمينية كاريزمية كبيرة تمثلها للانتخابات الرئاسية المقبلة،

و ثانيا لإحتواء الموجة الخضراء الصاعدة وبالتالي إضعاف وتحييد أي خطر انتخابي قد يشكله مرشح محتمل من حزب الخضر.

في غياب شخصية وحدوية لليسار فكل التوقعات تفيد ان ماكرون سيتمكن من الفوز بولاية ثانية سنة 2022.

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *