بعد الجنوب الشرقي، وسط الريف، سوس، الحوز والأطلس المتوسط، حطت “المبادرة الوطنية للتفعيل الشعبي لرسمية الأمازيغية” الرحال بالريف، وبالضبط بمدينة الناظور، التي شهدت مساء السبت 14 نوفمبر 2015، بالمركب الثقافي، تنظيم ندوة حول “المبادرة”، من طرف “جمعية أمزيان” بالتنسيق مع “التجمع العالمي الأمازيغي” وجريدة “العالم الأمازيغي”، شارك في تأطيرها كُلا من أمينة إبن الشيخ عن “الجريدة”، حسان حجيج عن جمعية سكان جبال العالم فرع المغرب، محمد ميرة عن جمعية الماس الثقافية بالناظور ورشيد الراخا رئيس منظمة التجمع العالمي الأمازيغي.
هاته المحطة، حسب المبادرين لها، تأتي كصيرورة لحملة واسعة قادها “التجمع العالمي الأمازيغي” من أجل التعريف بـ”المبادرة الوطنية من أجل التفعيل الشعبي للأمازيغية” شملت عدة محطات، ابتدأت من كلميمة، تنغير، خنيفرة، مريرت، ايساكن بكتامة، مراكش، أكادير وتزنيت، وتأتي في الوقت الذي تعنتت فيه الحكومة المغربية عن إخراج القانون التنظيمي القاضي بتفعيل الأمازيغية، بعد مرور أكثر من أربع سنوات على الإقرار بها لغة رسمية للمغرب الى جانب اللغة العربية في دستور 2011.
ابن الشيخ: الحكومة لا تملك الإرادة السياسية لتفعيل رسمية الأمازيغية
أمينة إبن الشيخ، مديرة “جريدة العالم الأمازيغي” التي قامت بتسيير أشغال الندوة، أوضحت من خلال كلمة لها، السياق الذي أتت فيه ” المبادرة الوطنية للتفعيل الشعبي لرسمية الأمازيغية”، كما تطرقت للدور الذي يمكن أن تقوم به الجمعيات الأمازيغية وعموم المواطنين في تفعيل رسمية الأمازيغية دون إنتظار تفعيلها رسميا من الحكومة التي لا تملك الإرادة السياسية الحقيقة في تفعيلها، مذكرة في هذا السياق بالرسالة التي بعث بها فرع المغرب “للتجمع العالمي الأمازيغي” الذي تترأسه للديوان الملكي من أجل تشكيل لجنة ملكية يوكل إليها مهمة صياغة القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية.
تفاعلا مع القاعة، وفي ردها عن سؤال حول موقف” التجمع العالمي الأمازيغي” من الحكم الذاتي للريف، أكدت أمينة إبن الشيخ عن تبني التنظيم الدولي الأمازيغي ،التجمع العالمي الامازيغي، للحكم الذاتي في الريف وغيره من مناطق بلدان شمال إفريقيا ( الصحراء المغربية، القبايل، أزواد، سوس…) كما ينص على ذلك ميثاق “تامازغا” الذي صادق عليه التجمع في مؤتمره السابع سنة 2013، وأشارت أيضا إلى أن فكرة الحكم الذاتي للريف تعود في الأصل للأستاذ رشيد الراخا الذي طرحها في 2001، وقوبلت بالاستنكار آنذاك من طرف المحافظين.
وفي معرض إجابتها عن سؤال يتعلق بالمعتقلين السياسيين للحركة الثقافية الأمازيغية، قالت بأن التجمع العالمي الأمازيغي يشتغل على الملف بشكل جدي، دون أن يستغل ذلك في مزايدات سياسوية، كما يشتغل على ملفات أخرى من بينها ملف الغازات السامة.
حجيج: المغاربة مسلوبين إيديولوجيا وفكريا
الحسان حجيج، رئيس فرع المغرب لجمعية سكان جبال العالم، تناول في مداخلته “موضوع الثقافة الشعبية ودورها في المحافظة على القيم”، تحدث من خلالها عن السياق الذي برزت فيه الحركة الأمازيغية رافضة لسياسة التعريب، وتحدث في هذا الصدد عن الدور الكبير الذي لعبه الاستعمار، الذي مهدت له سلطات ذلك الزمن الطريق، وبنت له ميناء الدار البيضاء بأموال الشعب، لينقل المغرب من حال إلى حال، فبعدما كان المغرب وكل بلدان شمال إفريقيا أمازيغية، وكانت علاقتها بالعربية في حدود الدين، أصبحت بعد الاستعمار دولا عربية وتحولت من أنظمة قبلية ذاتي التسييرالداتي، إلى أنظمة يعقوبية مركزية، حسب تعبيره.
وإلى حدود الاستقلال، يضيف أستاذ اللسانيات الأمازيغية بفاس، لم يكن للأمازيغ أي مشكل مع العربية، إلا أنه مع ظهور القومية العربية التي كانت تحلم ببناء وطن عربي يمتد من المحيط إلى الخليج، وكان لهذه القومية أنصار في المغرب حاولوا أن يفرضوا على الأمازيغ اللغة العربية كلغة رسمية، خاصة بعد بناء المدارس وإنشاء المؤسسات وإطلاق القنوات والإذاعات، وبدأ التعريب يأتي على الأخضر واليابس، وفي هذا السياق يضيف حجيج في معرض مداخلته، بدأت الحركة الأمازيغية في الظهور كإطارات رافضة لهذه السياسات العروبية، على اعتبار أن الإنسان الأمازيغي يرفض كل ما يفرض عليه، فازدهرت هذه الحركة مع بروز النظام العالمي الجديد الذي دعى إلى احترام حقوق الإنسان وجاء بنظام جديد للقيم والعيش الكريم.
وعرج المتحدث عن ما سماه بأزمة الهوية المغربية، وأوضح في هذا السياق أنه “يجب إعلان دولة مغربية أمازيغية الهوية قبل فوات الأوان”، وذلك عن طريق تدريس الأمازيغية في جميع أسلاك التعليم، وكتابتها في لوحات التشوير وواجهات المؤسسات، وكل المحلات التجارية، مضيفا “هذه فرصتنا يجب أن نحقق فيها رسمية الأمازيغية، وإلا فإنها ستضيع منا إلى الأبد”.
وخلال النقاش تحدث حجيج عن المجهود الكبير الذي يبذله الأساتذة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذا في شعب الدراسات الأمازيغية بالجامعة، ودعى إلى الإشادة بإنجازاتهم التي يحققونها رغم المقاومة الشديدة من قبل ذوي العقليات القومية.
الراخا: “تفيناغ” ولدت في قلب الصحراء ووحدت شمال إفريقيا
بدوره، وردا على سؤال لماذا الحرف الأمازيغي “تيفيناغ”، تحدث رشيد الراخا، رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، عن الدور التاريخي لهذا الحرف الذي ظهر حسب دراسات حديثة في قلب الصحراء الكبرى، وكان له تأثير في الحرف الإغريقي وليس العكس، وكان له الفضل في توحيد أمازيغ شمال إفريقيا السبب الذي دفع المحتلين عبر التاريخ إلى محاولة التخلص منها، بدأ مع الرومان الذين أقصوا الأمازيغية وحرفها تيفيناغ، وبدؤوا بتعليم اللاتينية لأبناء الأمازيغ، وكذلك فعل العرب عندما ربطوا لغتهم بالدين ربطا وثيقا، وبدؤوا بنشرها باسمه. وفي هذا السياق استعان الأستاذ الراخا ببعض الأدلة التاريخية والأركيولوجية، التي تدل على قدم الإنسان الأمازيغي وحضارته، كما تحدث عن العناية والأهمية الكبيرة التي يوليها أمازيغ جزر الكناري لمآثرهم، في الوقت الذي يتم فيه تهميش منقوشات “تيفيناغ” في المغرب.
كما أشار رئيس التجمع العالمي الأمازيغي إلى الأهمية الكبيرة للحرف في تحديد هوية البلد، وتحدث في هذا السياق عن دور لغة الوثائق الرسمية كالبطاقة الوطنية وجواز السفر في عكس هوية البلد مشيرا إلى البطاقة الوطنية في بلجيكا التي تضم اللغة التي ينتمي إليها صاحبها، ولا تقل عنها أهمية لغة علامات التشوير في تحديد هوية البلد (الصينية في الصين، والعربية في بلاد العرب). وقدم مثل بمدينة مراكش الأمازيغية عاصمة الإمبراطوريتين، الكبيرتين في تاريخ الإنسانية، المرابطية والموحدية، التي لا تعكس كتابات شوارعها هويتها الأمازيغية، وكذلك مدينة غرناطة الإسبانية التي تستقبل سنويا مليوني سائح لزيارة مآثر من إبداع الأمازيغ (المورسكيين) خلال 800 سنة من البناء والتعمير، إلا أنها محسوبة على العرب بسبب الكتابات العربية الموجودة على جدرانها. “لو أن كل الأمازيغ يكتبون بالأمازيغية في واجهة محلاتهم التجارية بالدار البيضاء وحدها، لما استطاع الحليمي أن يقول أن نسبة الأمازيغ بالمغرب لا تتجاوز 27 في المائة” يضيف رشيد الراخا، موضحا الأهمية الكبيرة للكرافيتيا في إبراز أهمية الهوية الأمازيغية للمغرب، داعيا في معرض مداخلته كل الأمازيغ إلى استعمال كل ما توفر لهم من أدوات الكتابة (لافتات، صباغة، حاسوب) في تمزيغ المجال الذي من شأنه يحرك فكرة الهوية لدى المعربين من المغاربة.
رشيد الراخا لم يفوت الفرصة دون أن يعبر عن أسفه من الأحداث الإرهابية التي عرفتها فرنسا ويعرفها العالم بسبب الجماعات الإرهابية، وقال بأن غالبية من ينخرطون في هذه الأعمال من المهاجرين هم من شمال إفريقيا، وذلك راجع للاستقطاب وغسل الدماغ الذي تستعمله الجماعات الإرهابية، ويرجع ذلك أساسا إلى عدم وعي الأمازيغ بهويتهم وقيمهم الأصلية التي تنبذ العنف والقتل.
ميرة: يجب أن نعود بالنقاش إلى البداية، من أجل إعادة بناء الحركة الأمازيغية
ومن جانب أخر، و في مداخلة له بعنوان “الأمازيغية مسار نضال” تحدث رئيس جمعية إلماس، وأحد مؤسسي جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور، محمد ميرة عن صعوبة المرحلة التي تأسست فيها الجمعية في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان الحضر مفروضا على كل ما له علاقة بالأمازيغية، في مرحلة عرفت بسنوات الجمر والرصاص.
قيدوم المناضلين الأمازيغ بالريف زاد في معرض حديثه،عن أهمية التنوع الثقافي الذي يعرفه المغرب، وعن قيمته الفنية والإبداعية، كما تحدث عن المكانة الكبيرة التي تحتلها اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة ثقافة ولغة تداول يومية، كما اعتبر أن الدارجة المغربية جزء لا يتجزأ من الأمازيغية، من حيث تركيب الجملة في الدارجة، وأيضا من حيث المعجم، ودعا إلى حفظ وصيانة كل مكونات الثقافة الأمازيغية، دون تغليب فئة عن أخرى.
وتحدث ميرة عن ميزة الحوار والديمقراطية التي كانت تعقد في ظلها المؤتمرات الأمازيغية، وعن قوة الوحدة التي شكلها المناضلون الأمازيغ في مرحلة ما قبل إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما وجه انتقادات للمسار الذي انتهجه ليركام في معيرة الأمازيغية، وقال بأن قرار اختيار “تيفيناغ” كحرف للتدريس كان متسرعا، واعتبره عبئا يزيد من ثقل كاهل الأمازيغية بدل تطويرها، وفضل في ذلك الحرف اللاتيني باعتباره حرفا عالميا.
وخلص الأستاذ ميرة إلى ضرورة العودة بالنقاش إلى نقطة البداية من أجل إعادة بناء تصور ديمقراطي رصين، ينبني على أسس علمية ويكون فيه القرار للمواطنين حسب تعبيره.
حري بالذكر أن هاته “المبادرة” تأتي للمساهمة الفاعلة في إقرار كامل للحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية وتفعيلها من لدن المجتمع المدني لتحميل المسؤولية للدولة كما تصرح به دون القيام به، كما تسعى حسب “التجمع العالمي الأمازيغي” لإشراك المواطنين وإطارات المجتمع المدني والسياسي وأفراد القبائل المعتزون بهويتهم في تفعيل الأمازيغية لغة وثقافة بمعزل عن الدولة التي ترفض أن تنهض بأدوارها، وكذا التحسيس بأهمية تنمية الوعي القومي الأمازيغي تكريسا للاعتزاز بالذات الأمازيغية مع توعية المواطنين بدورهم الجوهري في حماية مقوماتهم اللغوية والثقافية التي تماثل حماية وجودهم.
كما تسعى للضغط شعبيا حسب “التجمع العالمي الأمازيغي” دائما، من أجل “إقرار كامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأمازيغ بتطبيق حقيقي وكامل للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والشعوب، وكذا خلق آليات ذاتية ووضع حد لكافة أشكال العنصرية والتمييز بسبب العرق، وإقرار المساواة الكاملة بين المواطنين أمام الدولة. والعمل على إبراز الهوية الحقيقية للشعب المغربي كشعب أمازيغي تعرض عبر عقود للتعريب والفرنسة مما ينتج عنه عواقب الإبادة اللغوية والثقافية.
منتصر إثري/ كمال الوسطاني