بقلم: أحمد السعيدي*
في الحقيقة، إن ظاهرة العنف لا يمكن فهمها دون توظيف مختلف المعارف الإجتماعية ،النفسية ،الثقافية والسياسية …لتصبح دراسة مكتملة من حيث القيمة و المضمون.فمن المعروف أن سلوكات الإنسان البدائية كان يحكمها قانون الغاب على حساب ميثاق الحوار و احترام قيود الحرية و الواجبات المسطرة فيما بعد ،و رغم تراجع هذا المنطق الغابوي في مجتمعنا المعاصر إلا أنه من الغريب وجود استثناءات و حالات شاذة بقيت متشبثة به بل راعية له عبر تجديد الولاء في كل مناسبة و في كل ميعاد تحس فيها باقتراب تهديد على مصالحها مما يزيد من حجم الخوف و الفزع على نفسها ،فيتحول هذا الخوف إلى طاقة عدوانية تنتج عنه هذه الظاهرة المميتة (ظاهرة العنف).
التعريف :
إن كلمة عنف تدل على الإستخدام غير الشرعي للقوة ،و استعمال القوة من أجل غرض معين أو غير معين ،بشكل واعي أو غير واعي و بدون وجه حق ،إذن فالعنف ظاهرة منبوذة لأنها مبنية على الخرق و التعدي عل حرية الآخر و حقوقه ،فهي وسيلة المستضعفين لإسماع أصواتهم بعد أن فشلوا في ذلك عبر الحوار و المقارعة الفكرية ،فاختاروا اللجوء إلى حجة القوة بدل قوة الحجة ،إنها ظاهرة تقوم على الإيذاء و إنكار الآخر و العمل على استبعاده من كل أشكال الحوار الفكري و السياسي .
عمر خالق “إزم” :
إن العنف قد يفضي إلى الموت ،إلى التصفية الجسدية أو المعنوية ،قد يمارس بخلفية إيديولوجية أو بدون خلفية (العنف الممارس في الوسط الأسري مثلا ) ،و ما وقع في حق أمغناس عمر خالق “إزم” هي جريمة سياسية مع سبق الإصرار و الترصد ،فالفكر الأحادي القائم على رعاية العنف و تجسيده بعد التدبير و التخطيط له في الجحور هو الذي أصر على إغتياله فترصده إلى أن غدر به ،إن هؤلاء هم على استعداد دائما لأن يأكلوا في سائر المعالف و أن يفترشوا في كل المزارب و الإسطبلات في سبيل الإطاحة بالتيارات الديمقراطية ،إنهم يتزينون بزي الفهم العلمي و يتبرجون بالمعرفة المطلقة ،و لكن حقيقتهم الوحيدة هي أنهم بارعون في العنف ،و محرضين عليه ،و مؤيدين له ،إنهم يمتهنون العنف على سبيل الإحتراف و الإعتياد ،لما لا و هم الذين لا يجدون وسيلة أخرى لإقناع الآخرين بأفكارهم الجامدة ،التي لا تقبل النقاش لديهم و تقبله لدى “إزم” ،إذن فالقضية الجوهرية هنا هي (الضعف) ،ضعف الحجة و البرهان أو لنقل (العجز) ،عجز عن الإدراك ،فالتصور الذي لا يقبل الحوار و النقاش و الجدال هو تصور ميت .
الموقف (من قتل “إزم” ؟ ) :
إن المخزن يتعامل مع العنف الممارس في الجامعة بنوع من الإزدواجية ،فتارة يجعله عنفا مشروعا متى كانت مصالحه تقتضي ذلك و يبرر موقفه بكونه يدخل في إطار ما يسميه (صراع الجامعة) ،و تارة أخرى يعتبره عنفا مدانا متى كان هدفه إضعاف إحدى التنظيمات الديموقراطية ،إذ أنه يصطنع عنفا من أجل إضفاء الشرعية على تدخله و يتكلف أذياله و بيادقه من مهمة تجسيد الفعل ،و تنفيذ الأوامر .
على كل حال ، فإذا قلنا أن الطلبة الصحراويون (البيادق منهم طبعا ) هم القتلة الفعليون لإزم فهذا نصف الحقيقة ،و إذا ما أضفنا إليها تواطئ النهج الديموقراطي القاعدي -البرنامج المرحلي- (أذيال) فهذه أيضا مجرد صورة للحقيقة ،و إذا بحثنا جيدا في حيثيات هذ التصفية الجسدية التي استهدفت “إزم” فسنجد أن ذلك وقع بتزكية من المخزن ، و هذه هي الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل التجزيء .
بعض صفات الأذيال و من في مقامهم :
1-أزمة المشروعية : التغني بالشرعية التاريخية و محاربة الدخلاء مما يفضي إلى الإنعزالية و التقوقع و الإنغلاق على الذات.
2-وهم الكمالية و المثالية : الإحساس بمشروعية القضية يغذي الرغبة في تحطيم الأخرين ، فهذا بالنسبة إليهم يشكل أعظم الفضائل .
3-الفساد : بعد سقوط مشروعيتها بالنقاش ،لجأت إلى إستخدام العنف كآلية مرجعية مما أفضى إلى فسادها .
4-العجز الفكري : عجزت عن امتلاك قوة فكرية في مواجهة أطرافها .
5-الإسقاطية : تصنيف جامد للعالم ، تحويل فضاء الجامعة من فضاء للعلم إلى حلبة للصراع العنيف .
6-الكسل و عدم التسامح : الإعتقاد (بدون البحث) بصواب العقيدة يدفع إلى عدم التسامح .
7-النظرة التآمرية : حضورها بشكل مستمر في تفسير الأحداث و الوقائع ،و عدم الإرتكان إلى العقل و المنطق .
في مقابل ذلك نجد أن “إزم” كان عقلانيا ،متفهما لمبدأ الإختلاف ،حداثيا ،نسبيا ،ديموقراطيا ،متشبعا بالقيم الإنسانية و بثقافة الإعتراف ،بل و الأهم من ذلك كله حاملا لخطاب mca …
إذن فالعنف يبدأ حين يتوقف الكلام ،و يتوارى الحوار ،و لأن العنف يشكل لغة التخاطب الأخيرة الممكنة لهؤلاء مع الآخرين و مع الواقع فقد أقدموا على هذه الفعلة بعدما أحسوا بالعجز في إيصال أصواتهم و أفكارهم بوسائل الحوار العادية مما أدى إلى ترسيخ قاعدة الفشل لديهم .
إن العنف قوة وحشية ،تهدف إلى فرض القيود على الحريات و على الأفكار ،و “إزم” كان حاملا لفكرة و تصور ،و هؤلاء كانوا ينبذون هذه الفكرة و هذا التصور ،لكنهم لم يستطيعوا نقده نقدا علميا مؤسسا على مرجعية حقيقية و واقعية ،فلجؤوا إلى فعل التخريب و استعمال القوة و العنف ، وهو ما يطرح تساؤلا جوهريا هنا : إذا كانت وسائل الحوار لم تفلح في الكشف عن نواقص خطاب “إزم” و عدم مشروعيته ،فهل يا ترى ستفلح وسائل التدمير بالعنف و القوة معه !؟؟
*أحمد السعيدي: مناضل الحركة الثقافية الأمازيغية موقع وجدة