معلمة تاريخية لعبت دورا كبيرا في المشهد السوسيو -سياسي لقبائل ايت عطا الصحراء، أصبحت اليوم وبكل أسى طي النسيان و لا تكاد تذكر في الأوساط المحلية ،بل من قاطنة “اغرام امزدار “العاصمة و المعقل التاريخي لقبائل ايت عطا ،و الموقع الذي ثم تشيدها فيها، من يجهل كل شيء عنها.
ونتيجة الإهمال الذي طالها طويلا سواء من المسؤلين و الفاعلين المحليين وكذا جهل الساكنة المحلية بأهمية ماشكلته و تشكله تلكم المعلمة ،الشاهدة على ميل الإنسان الأمازيغي و العطاوي بشكل خاص و المغربي بشكل عام إلى ترسيخ قيم العدالة و حفظ المصالح و الحقوق من اي اجتراء،بقيت حبيست الإهمال حتى افنى الزمن بابها الخشبي فتحولت إلى مرتع للفأران و كل أنواع الزواحف التى اتت على رصيد مهيم من الوثائق كان بها كما لم تسلم من الايادي العابثة من بني الإنسان إما بدافع الفضول او التخريب،قبل الإجهاز عليها بقرار غريب لم يكن أقل سوأ من الإهمال نفسه وثم تحويلها إلى مكتب للحالة المدنية في حين كان حليا بالغيورين على الإرث التاريخي للمنطقة ان يجعلوا منها متحفا مصغرا يشتمل على وثائق تعرفنا نحن الأجيال التى لم تعاصر ربيعها بأدوارها و اسهامها في استتباب الأمن و حفظ الأرض و مصالح العباد وأن يضم مآثر وكل ماله علاقة بعادات و تقاليد المكان،الأمر الذي كان من شأنه ان يحول المنطقة إلى قبلة للباحثين المتعطشين للغوص في أغوار الماضي و مسألته.
وبالعودة إلى أسباب نشأة محكمة “اغرام امزدار “يجمع جل المتخصصين في الشأن العطاوي ان الأسباب الجوهرية ترجع بالأساس إلى المشاكل المرتبطة بالماء و الأرض، وهو ما أكده “القبطان دوسفساس”العارف بشؤن وخبايا “ايت عطا”و الذي درس عن قرب النظام العقاري لقبائل ايت عطا
أما بخصوص الهياكل المسيرة للمحكمة فقد تواجد على رأسها “امغار نوفلا” اشترط للترشح لهذا المنصب كما أورد ذلك الدكتور الباحث “عبدالله استيتوا” ان يكون الشخص ثريا برر هذا الشرط بأن الشخص الثري هو الاكثر قبلية في ان ينأ بنفسه عن الطمع في حقوق الغير بكونه ذا استقرار مادي من ذي قبل وهو أمر حقيقتا فيه الكثير من الوقعية، بالإضافة إلى شروط أخرى كالسمعة الحسنة و القدرة على تحمل الامانة المهنية، أما المهام المنوطة به فقد وضعت على عاتقه مجموعة من المسؤليات العضام ، كان اجلها المتعلقة باستتباب الأمن داخل الجسد العطاوي سوأ من اي تهديد خارجي فهو امغار نلبارود في نفس الوقت ذو المهام العسكرية له كامل الصلاحية في إعلان حالتي الحرب و السلم و توقيع معاهدات الصلح ، او عبر مكافحته للجرائم الداخلية كالسرقة و القدف و مشاكل الانتجاع وحضور مجموعة من الاجتماعات و المناسبات، و يحضى بمكانة مرموقة حيث يعتبر جرما أي شيء من شأنه الاسائة إلى شخصه أكان ذلك بالقول او بالفعل،ويكون تحت مراقبة “ايت لجماعت”المفتوح الانخراط فيها لكل من اراد يكفي بالشخص ان يكون صاحب غيرة على قبيلته، يساعده في مهامه قضاة في الغالب ستة له صلاحيات تعينهم وفق شروط محددة كذلك، يسمون “بتعقدين “”أهل الحق”.
أما عن صلاحيات المحكمة ،فقد كان لها الحق في البث في كل القضايا يضيف “استيتوا ” اللهم بإستثناء تلكم المتعلقة بالقصاص (القتل العمد)، وتجدر الإشارة إلى ان أكثر الجرائم التى شدد عليها العرف العطاوي وجعل مقابلها عقوبات جزرية صارمة هي تلك المتعلقة بالشرف و هتك الأعراض نظرا لما يمثله هذا العنصر لحيوات كل إنسان.
ولا مجال لتدخل “ايت الخير فيها “(اهل الصلح”)عكس بعض القضايا التي يمكن ان تتوافق الاطراف المتنازعة بمبادرة “ادمون ن لخير، بل ان سقوط التهمة فقط ،اعني تهمة الاغتصاب او التحرش يفرض على المتهم اداء القسم 10 مرات بمعية افراد عائلته الاكثر قرابه ، لما كان للقسم من اهمية و قداسة انذاك.
ان محكمة “اغرام امزدار” كما خلص إلى ذلك الدكتور عبد الله استيتوا قد شكلت قفزة نوعية داخل الفضاء التنظيمي للقبائل المغربية بشكل عام “حيث لم تنحصر القوانين المسطرة في البعد الشفاهي فقط و إنما ثم تسطيرها ،و كان قد أطلع عليها دوسفساس اذ كانت بحوزة شرفاء” مولاي عبد الله بن حساين ” ضمت في مستهلها الصلاة و السلام على النبي ثم سرد لائحة أسماء هيئة ايمورن ثم تحديد الشروط التي ينبغي ان يتصفو بها وسرد أنواع المخالافات و مايقابلها من العقوبات .
كما ان نجاح تجربة” ايت عطا” هته يشردائما” استيتوا “دفع بجرانهم “ايت مرغاد” ان يحدو حدوهم و انشئوا محكمة عليا خاصتهم في قصر “ايملوان بإمدغاس” الواقعة بين منطقة “امسمرير” و” اغرم نايت عتو” اسهب في الحديث عنها “دافيد هارت” عند زيارته للمنطقة بعد سنوات قليلة من حصول المغرب على الاستقلال بالضبط سنة 1961 .
إن الجنوب الشرقي المغربي كغيره من كل مناطق “الايالة” الشريفة يضل غنيا بإنسانه و بما انتجهه هذا الإنسان، وكثيرة هي المواقع التاريخية و المآثر التى تنتظر من ينفظ عنها غبار الزمن ويعد لها الإعتبار لتعيد حكاية أمجاد الأجداد و تضل مفخرتا وارثا لمن أتى من بعدهم من الاحفاد.
*مهتم بتاريخ المنطقة
المرجع : كتاب “عبد الله استيتوا “”التاريخ الاجتماعي و السياسي لقبائل آيت عطا الصحراء إلى نهاية القرن التاسع عشر “