في كلمة بمناسبة مشاركته في الندوة المنظمة على هامش مهرجان تيفاوين لمقاربة موضوع “ورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بين الواقع والمأمول”، ،يوم الجمعة 16 غشت 2024، استحضر محمد المعين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ما جاء في مقال السيدة آمنة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول مسار مأسسة اللغة الأمازيغية والمعنون “خمس محطات رئيسية تبلورت خلالها قرارات سيادية لمأسسة لغتنا الأمازيغية الرسمية وثقافتها”، المقال الذي أكدت فيه “لم يكن تملك ثقافتنا ولغتنا الأمازيغية والاعتزاز بهما وبمكانتهما لم يكن بعيدا أو منعزلا عن مسار طوعي لترسيخ حقوق الإنسان، في مجتمع يعتز بتنوع ثقافته وغنى روافد هويته، يتملك ماضيه ويتسلح به وبتعدده لاستشراف مستقبله، بل كان واحدا من أبرز محطاته. مبرزة أن استعمال اللغة الأمازيغية في كل مناطق المغرب ضارب في القدم، شأنه في ذلك شأن الاحتفاء بثقافتها وطنيا وإقليميا”.
ومؤكدا على أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان قد أشاد في تقريره السنوي برسم سنة 2023 بعدد من الإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها منذ صدور القانون التنظيمي 26.16، مثل المخطط الحكومي المندمج وتخصيص مليار درهم لتعزيز استخدام الأمازيغية بحلول سنة 2025، وتوقيع عدة اتفاقيات تهدف إلى النهوض بهذه اللغة. ومع ذلك، يشدد المجلس على ضرورة تسريع وتيرة التفعيل وضمان فعالية التنفيذ لتحقيق الطموحات المرجوة.
وأنه “على الرغم من المجهودات المبذولة في مجال إعمال الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، أكدت السيدة آمنة بوعياش أن ذلك لا يعني أننا رفعنا جميع الرهانات، كما أن كافة الفاعلين المعنيين على وعي تام بالتحديات التي لا تزال قائمة، حيث أشارت إلى أن هناك تفاوتا في وتيرة تنفيذ السياسات المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بين القطاعات المختلفة، مبرزة أن التحدي الأكبر يتمثل في ضمان التنفيذ الفعلي للسياسات والمبادرات، خصوصا في ما يتعلق بتوفير الموارد البشرية والمالية اللازمة لتدريس الأمازيغية واستخدامها في مختلف مجالات الحياة العامة. مضيفة أن من شأن استخدام اللغة الأمازيغية في مجالات الاستعمال اليومي ذات أولوية سيمكن لا محالة من تسريع وتيرة التفعيل الرسمي والفعلي وضمان فعلية تمتع المغاربة بحقوقهم اللغوية والثقافية كاملة” يورد محمد المعين.
في مجال التعليم، ووفق محمد المعين، سجل المجلس في تقريره لسنة 2023 أن تدريس اللغة الأمازيغية ما زالت تواجهه بعض التحديات، حيث لا تتجاوز نسبة المؤسسات التعليمية التي تدرس بها اللغة الأمازيغية في التعليم الابتدائي 17% بسبب قلة الموارد البشرية، مع تفاوت كبير بين المؤسسات المستقلة والفرعية، حيث بلغ عدد مدرسي اللغة الأمازيغية 1712 فقط على الصعيد الوطني.
ومعرجا على المجال الإعلامي، يشير المجلس في تقريره، حسب المعين، إلى أهمية احترام المقتضيات الدستورية والقانونية ذات الصلة، بتخصيص 30 بالمئة للبث لبرامج تذاع باللغة الأمازيغية، ويثير في هذا الصدد إلى أن وجود قناة وإذاعة ناطقة بالأمازيغية لا يعني تجاهل المقتضيات المنظمة للمجال الإعلامي الوطني. كما يدعو إلى ضرورة تكثيف الجهود لتوفير الموارد البشرية والمالية اللازمة لتسريع وتيرة التفعيل الرسمي للغة الأمازيغية وضمان تمتع جميع المواطنين المغاربة بحقوقهم اللغوية والثقافية.
أما على المستوى الثقافي، يورد المعين أن المجلس يرى، أن إدراج اللغة الأمازيغية في المسابقات الوطنية والجهوية والإقليمية، والمشاركة في الحلقات الإذاعية والبرامج التلفزية الناطقة بالأمازيغية، وتنظيم معارض حول التراث الثقافي الأمازيغي، وتشجيع التلاميذ على إعداد كبسولات تثقيفية وفيديوهات فنية وثقافية باللغة الأمازيغية مازال “محتشما” وتغلب عليه النزعة الفلكلورية.
“وفي إطار اشتغاله على تنزيل ورش تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، عزز المجلس تواصله باللغتين الرسميتين، بعد أن تم توظيف إطار يعمل على التحرير والترجمة باللغة الأمازيغية، تجسد ذلك في مختلف الدعامات التواصلية للمجلس، وإطلاق موقع المجلس وموقع العدالة الانتقالية وموقع ملاحظة الانتخابات وموقع المنتدى العالمي لحقوق الإنسان وصفحات المجلس على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الأمازيغية” يضيف محمد المعين.
خاتما لمداخلنه وترصيدا للمكتسبات المحققة في مجال تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ذكر بأهم التوصيات التي جاءت في التقارير السنوية للمجلس منذ سنة 2019 والتي تهم أساسا:
- تنزيل توصيات التقرير الخاص بالنموذج التنموي الجديد الذي بين أهمية الثقافة في التنمية الشاملة؛
- أجرأة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؛ مواصلة تعزيز الجهود الرامية إلى ترسيم اللغة الأمازيغية في المدارس والجامعات، وفي المحاكم، وباقي الإدارات العمومية؛ إلخ.
- تعزيز المهارات اللغوية في صفوف الموظفين الحكوميين والإداريين الـذين يقدمون خدمات عامة في المناطق الناطقة بالأمازيغيـة، وفي صـفوف القـضاة والمحامين، وتوفير مترجمين لدى المحاكم، وضمان تدريبهم؛
- إعطاء الأولوية القصوى لإدماج الأمازيغية في أسلاك التعليم الأساسي وفي المجالات ذات الأولوية في الحياة العامة من إدارات ومرافق عامة؛
- تعزيز حضور اللغة الأمازيغية في المؤسسات الإعلامية العمومية والخاصة؛
- الحفاظ على التراث الأمازيغي المادي واللامادي في المغرب بشكل شامل، في إطار مقاربة تشاركية تنخرط فيها القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني والأفراد؛
- أجرأة المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وتمكينه من الموارد المالية والبشرية بما يضمن اضطلاعه بمهامه في أحسن الظروف؛
- تنفيذ توصيات اللجنة الأممية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة على إثر فحص التقرير الدوري الرابع للمملكة سنة 2015 والمتعلقة بتسهيل الولوج إلى الثقافة والعلوم للجميع، بما في ذلك الولوج إلى الإنترنيت، والحق في المشاركة الثقافية.
دون إغفاله على أن مسار مأسسة الأمازيغية لم يكن مجرد خطوات معزولة، بل هو تطور متكامل ينسجم مع رؤية وطنية شاملة لتعزيز الهوية المغربية المتعددة المكونات والروافد، وتأكيد مكانة الأمازيغية، لغة وثقافة، في قلب الحياة العامة، مما يعكس التزام المغرب الراسخ بتكريس التنوع الثقافي واللغوي كجزء لا يتجزأ من نسيجه المجتمعي.