موضوع المدن، نشأتها وتطورها، ليس حكرا على علم بعينه من دون العلوم، لقد جرت العادة على تناول نشأة بعض المدن المغربية بشكل ملحمي، وهنا نقصد بعض المدن التاريخية ذات الصيت الدائع، مثل فاس، وسجلماسة، مراكش، مكناس، تامدولت في جبال باني، تاگاوست ناحية واد نول، إليغ في جبال جزولة، ليكسوس، وبناصة، وغيرها من المدن التاريخية المغربية… الشكل الملحمي، في التناول غالبا ما يقترن بسؤال يجري على لسان كل باحث قارئ متمرس، وهو سؤال النشأة والتطور، الازدهار والأفول، عناصر التسمية، شخصياتها، مكوناتها، أسلوب حياة سكانها وغيرها من الاسئلة الانشطارية التي تتفرع عن بعضها البعض بسبب الاحتكاكات والبحوث والتقدم فيها.
جرت العادة على ربط الحديث عن المدن بعلوم الهندسة المدنية، والتخصصات المشابهة والمجاورة لحقل الهندسة ولتقنياتها، وفي هذا الإطار عندما يفكر الباحث للوهلة الأولى لاختيار موضوع لبحث جامعي او غيره عنوان، يتوجه تفكيره تلقائيا الى عناوين تنتمي الى معجم علوم التاريخ والانتربولوجيا، وعلم الاجتماع، الاركيولوجية، والإثنوغرافية وغيرها من التخصصات، مما يعني ان باختياره سيستبعد إمكانية اختيار عناوين أخرى تنهل من معاجم علوم الجيولوجيا والبيولوجيا، الجغرافيا، وغيرها من العلوم الانسانيه المعروفة… لا شك ان نشأة وتطور تاريخ مدن المغرب، قد استغرق وقتا وأزمنة ممتدة، وبالتالي فهي لم تنشأ في برهة وفجأة، او خلسة من فعل الزمن وتأثيره بشكل غير طبيعي واستثنائي. بمعنى ان نشأتها كانت نتيجة تراكم تاريخي طويل وممتد أدى إلى قيامها ونموها واتساع أطرافها وقيام أحوازها، وهي عمليات تحتاج إلى مقومات مالية وبشرية، وحضارية كثيرة، والى تفاعلات كثيرة، والى تيارات بشرية وتاريخية شتى، لكي تكتسب شخصيتها الفريدة بين المدن المجاورة….
نشأة المدينة في المغرب لم يعد كما كان عليه الحال في السابق، عندما برع الانسان في بناء صرح المدن بشكل بطيئ وممتد في الزمان، وتنصهر مكوناتها وتخلق انسجاما بينها وبين محيطها الحيوي والطبيعي، فما نشاهده اليوم، عبارة عن نوع من الانفجارات العمرانية الطائشة نتيجة الثروة الطارئة، فلاحية كانت او منجمية، او صناعية…. هذه الفرص أدت إلى قيام مدن إسمنتية مشوهة، متضخمة أصبحت مثل فطريات تتكاثر بسرعة فائقة، وبإيقاع سريع افقدها كل مقومات المدينة الجميلة، وأفقدها فرصة إكتساب روح المدينة المغربية المعروفة، بأحيائها وحاراتها التي تحمل أسماء لها دلالات عميقة ترتبط بالمعيش اليومي لساكنتها، حارات الخياطين، حارات الحدادين، حارات المجوهراتين…. وغيرهم من الحرفيين… وفي المقابل أصبحنا نسمع دوار أرجا في الله، دوار الشيشان، كولومبيا… وغذا سنسمع دوار الله يستر والله يتبقي الستر.
لحسين بوالزيت
اقرأ أيضا
الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية
أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …