“مدونة الأخلاقيات القضائية: محطة هامة في تأطير السلوك القضائي” محور ندوة وطنية بالرباط

شكل موضوع “مدونة الأخلاقيات القضائية: محطة هامة في تأطير السلوك القضائي” محور ندوة وطنية نظمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، يومي 24 و25 يونيو الجاري، بالمعهد العالي للقضاء، بالرباط،.

وأوضح مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، أن “انعقاد هذه الندوة يأتي في ظرفية يحظى فيها هذا الموضوع باهتمام كبير، لاسيما بعد صدور مدونة الأخلاقيات القضائية، وإعطاء عناية كبيرة لورش التخليق ضمن الورش الكبير لإصلاح القضاء، واعتباره من ضمن أولويات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ضمن استراتيجيتهما المستقبلية في تدبير الشأن القضائي”.

وأضاف في مداخلته أن “موضوع الأخلاقيات القضائية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يختزل فيما هو مهني أو فئوي، بل هو موضوع يتقاطع مع مجموعة من السياسات العمومية والاستراتيجيات الوطنية، فهو من جهة يرتبط بحقوق المتقاضين وأمنهم القضائي وانتظاراتهم من العدالة ومن جهة ثانية يرتبط بالثقة في القانون وفي مؤسسة القضاء ومن جهة ثالثة يرتبط بالتنمية والنمو الاقتصادي ومستوى ثقة المستثمر في منظومة العدالة”. مبرزا أن “الأخلاقيات القضائية تبقى من المنطلقات الأساسية لكسب رهان القضاء المستقل، النزيه والفعال، قضاء يحظى بثقة المواطن والمستثمر ويطمئن الجميع لعدالته ولأحكامه، على نحو تسود معه سلطة القانون وتتحقق المساواة أمام أحكامه”.

وأكد رئيس النيابة العامة أن ” صدور مدونة الأخلاقيات القضائية خطوة مهمة نحو تنزيل أحكام دستور المملكة والتزاماتها الدولية وتوفير إطار مرجعي للقاضي يسترشد به في أداء مهامه وفي سلوكه اليومي وحياته الشخصية، لاسيما وأن القاضي بما يحمله من مسؤولية جسيمة، يتقيد بواجب التحفظ والسلوك المهني القويم الذي يحفظ هيبة ووقار القضاء، سواء أثناء تأدية مهامه أو خارج المحكمة في علاقته بمحيطه الأسري والاجتماعي، مما يجعله دائما أمام أسئلة وأوضاع قد لا يعرف كيف يتعامل معها في غياب إطار مرجعي لأخلاقيات القاضي”.

واسترسل الوكيل العام للملك :”إذا كانت مدونة الأخلاقيات القضائية قد تضمنت مجموعة من القيم والمبادئ التي تصون استقلال القاضي وحياده ونزاهته وشجاعته الأدبية وتقيده بواجب التحفظ، وغيرها من مقومات السلوك المهني الرصين، فإنها تضمنت أيضا إطارا مؤسساتيا من خلال إحداث لجنة الأخلاقيات ومستشاري الأخلاقيات في شخص الرؤساء الأولون والوكلاء العامين وهم من قيدومي القضاة الذين راكموا تجربة مهنية كبيرة وراكموا رصيدا أخلاقيا يجعلهم في مستوى إعطاء النصح للقضاة وتأطيرهم وخاصة القضاة الشباب منهم”.

وشدّد الداكي في معرض كلمته على أنه “مهما كانت القوانين متقدمة ومهما كانت مدونة الأخلاقيات متناغمة مع الأهداف النبيلة للعدالة، فإن الرهان الأكبر يبقى هو الضمير المسؤول للقضاة، مذكرا بالخطاب الملكي في هذا الاتجاه، ولذلك، يضيف رئيس النيابة العامة، فإن “القاضي اليوم مدعو لأن يكون قدوة في وقاره وعلمه وهندامه وعلاقته بمحيطه الأسري والمجتمعي، فالقاضي لا يوزن بنفس الميزان الذي يوزن به باقي أفراد المجتمع، بل إن المجتمع يضع تمثلات خاصة للقاضي ترتبه في مصاف الفضلاء النزهاء العدول المبتعدين عن الشبهات، ولذلك لا يقبل المجتمع من القاضي أي سلوك يمس بوقاره أو يزعزع ثقة المتقاضين في عدله وحياده”.

وأضاف :”إننا جميعا مدعوون للمساهمة في تكريس الأخلاقيات القضائية، فالمجلس الأعلى للسلطة القضائية يتحمل أمانة دستورية في صون الأخلاقيات القضائية وتقويم السلوك القضائي، والمسؤولون القضائيون مدعوون ليكونوا آباء مرشدين لباقي القضاة يؤطرونهم وينصحونهم وينبهونهم لما قد يقعون فيه من خلل أو زلل، والجمعيات المهنية مدعوة لنشر القيم القضائية والتحسيس بها، والإعلام مدعو لنشر الأخلاقيات والقيم القضائية النبيلة، ليس فقط من خلال تناول الممارسات المخلة بهذه الأخلاقيات، ولكن أيضا من خلال تسليط الضوء على الجوانب المشرقة من عمل القضاة وسلوكهم”.

وأكد أن رئاسة النيابة العامة وبتنسيق متكامل مع الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ستعمل على السعي إلى تحقيق الغاية من إصدار مدونة الأخلاقيات القضائية، ألا وهي تملك القضاة بمبادئها في حياتهم اليومية، وفي هذا الإطار فإن العزم الأكيد على العمل سويا من أجل تفعيل أحكامها ومرافقة كافة مكونات الجسم القضائي، من مسؤولين وقضاة، فضلا عن الحرص على تناغم مبادئ هذه المدونة مع كل ما يرمي إلى تحقيق مضامين ومبادئ الأخلاق الفضلى المنصوص عليها في العديد من المواثيق الدولية ذات الصلة بالعدالة التي تنصرف إلى مختلف مكونات منظومة العدالة من هيئة الدفاع وباقي مساعدي القضاء من خلال العمل سوياً معهم وإلى جانبهم على القيام بكل المبادرات الرامية إلى التحسيس والتأطير والمواكبة في سبيل التنزيل الأمثل لهذه المبادئ في أفق بلورتها على أرض الواقع، بما يستجيب لانتظارات المواطنين ويكون في مستوى التطلعات التي يصبو إليها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي ما فتئ جلالته يؤكد عليها من خلال توجيهاته السامية الرامية إلى تخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة”.

بدوره، أكد محمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن افتتاح هذه الندوة الأولى التي تعقدها مؤسسات السلطة القضائية بشأن مدونة الأخلاقيات القضائية بهذه الدرَر الملكية السامية، هو “تعبير منَّا عن الانخراط في مخطط إصلاح القضاء الذي يقوده جلالة الملك منذ توليه أمانة قيادة بلدنا العزيز”.

وقال عبد النباوي إن “الأخلاق” هي م”نظومة القيم الفضلى التي تمثل أسمى صور الوعي البشري، وتعبر عن تمسك الإنسان بمبادئ الخير والصلاح ونبذ نوازع الشر والأذى. وهي بذلك مرجعية ثقافية للبشرية تستهدف استنهاض السجايا الحسنة والطباع الفضلى من باطن الإنسان، وجعلها مركزاً لسلوكه الظاهر في المجتمع. لتطبيق قيم فضلى كالعدل والمساواة والسلام وكلِّ أعمال الخير.

وأكد أن مدونة الأخلاقيات القضائية مفروضة بمقتضى القانون. حيث نصت المادة 106 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن المجلس “يضع بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة مدونة للأخلاقيات القضائية، تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية …”.

وأضاف أن المادة المذكورة حددت أهداف مدونة الأخلاقيات في الحفاظ على استقلالية القضاة ونزاهتهم وتجردهم من جهة. وفي صيانة هبة القضاء، والتقيد بأخلاقه النبيلة والالتزام بحسن تطبيق قواعد سير العدالة من جهة ثانية. وحماية حقوق المتقاضين وحسن معاملتهم من جهة ثالثة. بالإضافة إلى استمرارية مرفق القضاء وضمان حسن سيره من جهة رابعة.

كما قررت نفس المادة (106 من القانون التنظيمي للمجلس)، وضع لجنة خاصة بالأخلاقيات بالمجلس، تتولى تتبع ومراقبة التزام القضاة بالمدونة المذكورة.

وبتاريخ 8 مارس 2021 نُشِرَتْ مدونة الأخلاقيات القضائية، بالجريدة الرسمية للمملكة. وقد نصت ديباجتها على الأسس التي استُحْضِرَت خلال وضع المدونة ويتعلق الأمر ب :

1. مساعدة القضاة على معرفةٍ أحْسَنَ للواجبات الأخلاقية لمهنتهم. وتوفير إطار مرجعي يوجه سلوكهم الأخلاقي، بما يتلاءم مع رسالة القضاء؛
2. استحضار إكراهات العولمة التي تواجه بها مهمة إنتاج العدالة. ولاسيما ما تطرحه وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجية وشبكات التواصل الاجتماعي من صعوبات؛
3. استحضار خصوصيات النظام القضائي بالمغرب، واعتماد الدستور والتوجيهات الملكية والقانون التنظيمي للمجلس والنظام الأساسي للقضاة، والالتزامات الدولية للمملكة، في إعداد المدونة؛
4. فتح الباب في مرحلة الإعداد، “للجمعيات المهنية للقضاة للإدلاء بتقارير موضوعاتية حول أخلاقيات المهنة”؛
5. دعم لجنة الأخلاقيات بمؤسسات جهوية تتمثل في المسؤولين القضائيين لمحاكم الاستئناف، الذين أَسْندت لهم المدونة مهمة مستشاري الأخلاقيات.
ومن جهة أخرى فقد عدَّدَتِ المدونة تسعة مبادئ أساسية اعتبرتها مبادئ أخلاقية تقوم عليها مهنة القضاء، ويتعين على القضاة الالتزام بها، وهي :
1. الاستقلال في ممارسة مهنة القضاء، وعدم الخضوع لأي سلطة سوى سلطة الضمير والتطبيق العادل للقانون والالتزام بقواعد العدالة والإنصاف؛
2. الحياد والتجرد في أداء الوظائف القضائية، دون تحيز
أو تحامل أو محاباة تجاه أي طرف، والتجرد من القناعات الإيديولوجية المختلفة؛
3. المساواة بين الأطراف دون تمييز كيفما كان أساسه؛
4. النزاهة، التي تقتضي الابتعاد عن كل سلوك مشين، ورفض الإغراءات؛
5. الكفاءة والاجتهاد، الأمر الذي يَقتضي مواكبة المستجدات القانونية والاجتهاد القضائي والممارسات القضائية الفضلى، والحرص على ضمان جودة الأحكام وإعطاء العناية للقضايا التي يكلف بها القاضي؛
6. الجرأة والشجاعة الأدبية، التي تتمثل في القدرة على التعبير عن القناعات القانونية والدفاع عنها بشجاعة. والقدرة على مقاومة الحرج والتردد في اتخاذ القرار الملائم المستمد من الحق والقانون؛
7. التحفظ، ويقصد به حرصُ القاضي على الاتزان والرصانة في سلوكه وتعبيره، والعزوفُ عن إبداء آراء
أو مواقف يكون من شأنها المساس بثقة المتقاضي في استقلال وحياد القضاء؛
8. اللباقة وحسن المظهر. ويراد بها – التصرف السليم للقاضي، الذي يجسد التزامَهُ بالقيم الإنسانية وآداب التعامل والتحلي بالخصال الحميدة، وإظهار الاحترام المتبادل مع محيطه والحرص على الظهور بمظهر لائق؛
9. التضامن، ويراد به وحدة الجسم القضائي وتضامن المنتمين إليه في تبادل النصح عند الإخلال بالمبادئ والقيم القضائية، والامتناع عن المساس باستمرارية المرفق القضائي.

وأخيراً، يضيف الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية “فإن المدونة قد ذكَّرت بمقتضيات المادة 52 من القانون التنظيمي للمجلس المتعلقة بلجنة الأخلاقيات ودعم استقلال القضاء، وحددت مهامها في تلقي الإحالات التي يرفعها القضاة للمجلس بشأن محاولة التأثير. وعينت الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها بمثابة مستشارين للأخلاقيات بالدوائر الاستئنافية، يناط بهم تعميم المدونة وحث القضاة على الالتزام بمقتضياتها، ومساعدتهم بالنصح والتوجيه للوفاء بالتزاماتهم الأخلاقية. بالإضافة إلى إبلاغ لجنة الأخلاقيات بالمجلس بالخروقات الأخلاقية، وتقديم المقترحات والتوصيات المتعلقة بحسن تطبيق المدونة”.

وأكد محمد عبد النباوي أن مدونة الأخلاقيات قد أصبحت أمراً ملموساً بين أيديكم، وتضمنت تطبيقات عملية واضحة من شأنها رفع اللبس عَن التصرفات الماسة بشرف المهنة ووقارها. فأرجو أن تعملوا جميعاً على الالتزام بمقتضياتها بإرادتكم وعزيمتكم، وأن تعملوا على تقديم النصح لزملائكم وتحسيسهم بأهمية الوفاء للأخلاقيات القضائية. كما أدعو السادة الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها – باعتبارهم مستشاري الأخلاقيات – إلى تنظيم حلقات للدراسة والتكوين بشأن مدونة الأخلاقيات. وإلى الاضطلاع بدورهم كمستشاري الأخلاقيات القضائية بدوائر نفوذ محاكم الاستئناف، وذلك لما سيترتب عن ذلك من أثر إيجابي على الأداء القضائي. إذ أن كل مجهود في سبيل تحقيق المبادئ الأساسية الناظمة لمهنة القضاء، مثل الاستقلال والحياد والتجرد والنزاهة والاستقامة، والعناية بالملفات، لابد أن يَترتب عنه تحسن سمعة القضاء وزيادة منسوب الثقة في أحكامه.”

من جهته، قال محمد بنعليلو وسيط المملكة، إن مؤسسة وسيط المملكة، “مقتنعة تماما بأن الثقة في القضاء ودعم مصداقيته لن يتحققا إلا عن طريق ترسيخ القيم والأخلاقيات القضائية الرفيعة، وسيادة السلوك القويم لدى مكونات الجسم القضائي برمته، مع ضرورة الالتزام والتقيد بها من طرف السادة القضاة في حياتهم المهنية وسلوكهم الشخصي بما يحفظ هيبة القضاء وحرمته، باعتبارها مؤشرات قياس مجتمعية لفهم جدلية الحق والواجب في السلوك القضائي”.

وأضاف بنعليلو :”كثيرا ما ننجر، ونحن نلامس الالتزامات المهنية للقاضي إلى زاوية القانون، وهو أمر لا خلاف في أهميته وله مبرراته القوية، لعلاقته بمنظومة الشفافية والنزاهة القضائية في كثير من الأحيان، لكننا اليوم نطرق وبشكل غير مسبوق مجالا ظل لعقود طويلة من تاريخ القضاء المغربي، إرثا شفويا، أو ممارسة سلوكية، أو تناصحا قضائيا بالاستناد إلى مواقف تتناقلها أجيال القضاة كبيرا عن كابر، وفي أفضل الأحوال أمام محاولات توثيقية جمعوية”.

وقال وسيط المملكة في معرض كلمته، إننا “مطالبون بأن ننظر اليوم لهذا اللقاء على أنه أكبر من مجرد عملية تعليمية أو تواصلية للتعريف بمدونة السلوك القضائي ومناقشة بعض مما تضمنته من زوايا مختلفة، على أنه عملية تفكير مشترك تفرض علينا جميعا، كل من جهته، كل من زاوية نظرته للأمور، إعادة قراءة واقع الممارسات والسلوكيات المهنية والشخصية على ضوء المبادئ التي تضمنتها المدونة، ومساءلة الذات حول ما ترسخ لها من تأويل أو تطبيق أو فهم على ضوء اجتهادات المجلس الأعلى للسلطة القضائية وما ترسخ دوليا في فهم هذه المبادئ بالنظر لكونيتها ، كل ذلك في ظل خصوصيات القضاء المغربي الضارب بجدوره في عمق التاريخ ، والمتطلع دوما للمنافسة في كل المنتديات”.

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *