قال “مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة” إن الإقرار الملكي بجعل رأس السنة الأمازيغية، عطلة مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية، في الثالث ماي لهذه السنة، شكل محطة بارزة في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وأكد فريق البحث في الثقافة واللغة والهوية بمركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، في “تقدير موقف” تحت عنوان “تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية رعاية ملكية وإقرار دستوري يسائلان الفاعل السياسي”، أن “ترسيم اللغة الأمازيغية قطع مسارا طويلا ظلت خلاله الحركة الأمازيغية تترافع من أجل إيلاء العناية اللازمة بالأمازيغية من خلال دسترتها بوصفها مكونا ثقافيا مساهما بشكل فعال في تنوع وتفرد الهوية المغربية، كما أن التراكم النضالي للحركة الأمازيغية، بمختلف مكوناتها السياسية والأكاديمية والجمعوية، وهو يلتقي مع الإرادة الملكية التي جسدها خطاب أجدير عام 2001، قد أسهم بشكل كبير في ذلك الترسيخ، لغة وثقافة، في التشريعات والمؤسسات، وذلك من خلال:
– الخطاب الملكي بأجدير في 17 أكتوبر 2001، وإصدار الظهير الشريف المحدث للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الجريدة الرسمية بتاريخ فاتح نونبر 2001؛
– التعيين الملكي لأعضاء مجلس إدارة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بتاريخ 27 يونيو 2002؛
– المصادقة الملكية على اعتماد حرف تيفيناغ لكتابة الأمازيغية بتاريخ 10 فبراير 2003؛
– دسترة اللغة الأمازيغية وترسيمها، من خلال التنصيص على ذلك في الفصل الخامس من الوثيقة الدستورية لسنة 2011؛
– إصدار القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك بتاريخ 12 شتنبر 2019.
وأكد المركز أن “الغاية من إعداد هذه الورقة العلمية تتجلى في استباق انقضاء الآجال القانونية المحددة في المادة 31 (الفقرة الأولى) من القانون التنظيمي رقم 26.16، ورصد ما تم إنجازه في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ومكامن الضعف أو التأخر في تنزيل مضامين القانون التنظيمي المذكور، وذلك قصد تنبيه الفاعل السياسي وصانع القرار قصد تدارك جوانب التأخر خلال الفترة الزمنية المتبقية”.
وتوقفت ورقة المركز “بالرصد والتحليل عند مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال المحاور التالية: أولا، كرونولوجيا مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ثانيا، المنجز الحكومي في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ثالثا، أوجه القصور في تنزيل القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مع الانتهاء إلى مجموعة من التوصيات الضرورية”.
أولا: كرونولوجيا مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
“ونحن على بُعد سنة واحدة من انتهاء المدة التي حددها القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، حيث ورد في المادة 31 (الفقرة الأولى) منه، ما يلي : “يعمل بأحكام المواد 4 (الفقرة 2) و7 و9 و10 (الفقرة الأولى) و12 و13 و14 و15 و20 و24 و27 و28 و29 من هذا القانون التنظيمي داخل أجل خمس سنوات على الأكثر ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية”، فإنه من المهم، يقول المركز “إعادة قراءة هذه المواد والوقوف على مدى التزام الحكومة بتنزيل مضامينها”.
وأضاف المصدر نفسه أن “الحكومة التي ترأسها عبد الإله ابن كيران لو تولي طيلة ولايتها العناية اللازمة بالأمازيغية، سواء بوصفها لغة أو مكونا ثقافيا مُشكّلا للهوية المغربية متعددة الروافد، وهو ما يتأكد من خلال تغاضيها عن تنفيذ مضامين الفصل الخامس من دستور المملكة الذي نصَّ على ترسيم اللغة الأمازيغية، وحَثَّ على إصدار القانون التنظيمي الذي يحدد مراحل تفعيل طابعها الرسمي وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية”.
أما الحكومة التي ترأسها سعد الدين العثماني، يقول المركز “فقد صدر بعد ثلاث سنوات من تنصيبها (12 شتنبر 2019) القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية. كما صادق مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 03 شتنبر 2020 على مشروع مرسوم رقم 2.60.600 بتحديد تأليف اللجنة الوزارية الدائمة المكلفة بتتبع وتقييم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات سيرها، والذي حدد مهام هذه اللجنة، بعد أن أسند رئاستها إلى رئيس الحكومة، في دراسة مخططات العمل والبرامج القطاعية المرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والحرص على التقائية السياسات العمومية، وكذا تتبع وتقييم تنفيذها داخل الآجال المحددة لها، ودراسة التقرير التركيبي السنوي والمصادقة عليه”.
وأشار إلى أن رئاسة الحكومة التي ترأسها سعد الدين العثماني عممت صيف عام 2021 على مختلف القطاعات الحكومية، المخطط الحكومي المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والذي اعتبر الوثيقة التمهيدية لتنزيل مضامين القانون التنظيمي رقم 26.16 المذكور سلفا.
من جهتها التزمت الحكومة التي يترأسها عزيز أخنوش، وفي علاقة دائما بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، في برنامجها الحكومي (2021-2026)، بإحداث صندوق لتمويل ورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية قصد تعزيز العدالة الثقافية واللغوية، باعتباره آلية مالية للدولة من أجل إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلا عن استعمالها في الإدارات، وفي مجموع المرافق العمومية.
ثانيا، المنجز الحكومي في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
ذكر المركز أن رئيس الحكومة عزيز أخنوش أكد خلال حفل الإطلاق الرسمي لإجراءات المخطط المندمج لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، المنظم بمدينة الخميسات بتاريخ 10 يناير 2023، على أن الاعتراف بالأمازيغية لا يمكن أن يقتصر على الحقوق الثقافية واللغوية فقط، بل يجب أن يمتد ليشمل كذلك تدارك تأخر التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأشار إلى أن الحكومة قدمت في مناسبات عديدة حصيلة مرحلية لمنجزها في مجال تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والتي يمكن استعراضها إجمالا في الآتي بيانه:
– تخصيص الحكومة لغلاف مالي يناهز 200 مليون درهم برسم قانون المالية للسنة المالية 2022، وبرمجة 300 مليون درهم برسم قانون المالية للسنة المالية 2023، على أن يتم رفعه تدريجيا خلال السنوات المقبلة ليبلغ مليار درهم في أفق سنة 2025؛
– توفير خدمة الاستقبال والإرشاد والتوجيه باللغة الأمازيغية لفائدة المرتفقين الناطقين باللغة الأمازيغية الوافدين على مصالح قطاعات الصحة والحماية الاجتماعية، والعدل، والثقافة، وذلك من خلال تزويدها بما مجموعه 460 عونا ناطقا باللغة الأمازيغية بتنويعاتها اللغوية الثلاثة: تريفيت وتشلحيت وتمزيغت؛
– توفير خدمة الاستقبال الهاتفي باللغة الأمازيغية من خلال وضع 60 عونا ناطقا باللغة الأمازيغية، بتنويعاتها اللغوية الثلاثة: تريفيت وتشلحيت وتمزيغت، رهن إشارة عدد من مراكز الاتصال التابعة لبعض القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية مثل: وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وزارة الفلاحة، وزارة التجهيز والماء؛
– مواكبة وزارة العدل في عملية توظيف 100 مساعدة ومساعد اجتماعي، يشترط فيهم التحدث باللغة الأمازيغية. والذين استفادوا من تكوين متخصص وتداريب ميدانية قبل الالتحاق بمقرات تعيينهم بالمحاكم؛
– استفادة سبع قطاعات عمومية من عملية ترجمة إلى الأمازيغية لمحتوى اللوحات وعلامات التشوير المتواجدة بمقراتها؛
– القيام بمراجعة شاملة للإطار القانوني المحدث لصندوق تحديث الإدارة العمومية، وتغيير تسميته إلى “صندوق تحديث الإدارة العمومية ودعم الانتقال الرقمي واستعمال الأمازيغية”. وقد تم إدراج هذه المراجعة في قانون المالية رقم 50.22 للسنة المالية 2023، ولا سيما المادة 18 منه.
ثالثا أوجه القصور في تنزيل مضامين القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
في مقابل هذا المنجز الحكومي المحقق خلال النصف الأول من الولاية الحكومية الحالية المرتبط تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، ونحن على بُعد سنة واحدة من انتهاء الآجال المحددة بموجب المادة 31 من القانون التنظيمي رقم 26.16 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، يُسجل المركز أن “الحكومة الحالية لا زالت لم تدمج تدريس اللغة الأمازيغية في مستويات التعليم الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي والتكوين المهني (كما تنص على ذلك المادة 4 (الفقرة الثانية) من القانون التنظيمي رقم 26.16)، ولا في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية (المادة 7)، ناهيك عن عدم تأكيدها على مراعاة استعمال اللغة الأمازيغية ضمن معايير توزيع الدعم العمومي الموجه للصحافة المكتوبة والرقمية (المادة 14)”.
ثم إن الحكومة، يضيف، لم “تقم بما يلزم من أجل استفادة جميع القطاعات العمومية والمؤسسات والهيئات العمومية والمنتخبة من عملية الترجمة إلى الأمازيغية لمحتوى اللوحات وعلامات التشوير المتواجدة بمقراتها والفضاءات التابعة لها”.
إضافة إلى ذلك، “فإن الحكومة لم تعمل على التفعيل الكامل للمادة 24 من القانون التنظيمي موضوع هذه الورقة، والتي تنص على التزام الإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية وسائر المرافق العمومية بتوفير بنيات للاستقبال والإرشاد باللغة الأمازيغية، إضافة إلى استمرار غياب تعميم الخدمات الصوتية باللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية، لإرشاد وتوجيه المواطنات والمواطنين في المرافق العمومية”.
زد على ذلك، “أن الحكومة لم تعمل بَعدُ على التفعيل الكامل لمقتضيات المادة 28 من القانون التنظيمي المذكور، التي تؤكد على أنه تكتب باللغة الأمازيغية، إلى جانب اللغة العربية، العلامات الخاصة بمختلف وسائل النقل التي تقدم خدمات عمومية أو التابعة لمصالح عمومية، ولا سيما منها السيارات والناقلات التي تستعملها المصالح العمومية، وخصوصا المكلفة منها بالأمن الوطني والدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة وسيارات الإسعاف، ومختلف السيارات والناقلات المخصصة للخدمات العمومية أو المرخص لها بذلك، وأيضا الطائرات والسفن المسجلة بالمغرب، وكذا القطارات”. تورد ورقة “مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة”.
التوصيات
شدّد المركز على “ضرورة التسريع بإحداث اللجنة الاستشارية الوطنية واللجان الاستشارية الجهوية التي تعنى بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مع الحرص على أن تراعى في تشكيلتها ما تم الالتزام به في البرنامج الحكومي”، و” الدفع في اتجاه الرفع من الحصص الزمنية المخصصة للنشرات الإخبارية باللغة الأمازيغية بتنويعاتها اللغوية الثلاثة: تريفيت وتشلحيت وتمزيغت، والرفع من نسبة الاعتماد في الوصلات الإعلانية السمعية البصرية والإعلانات المطبوعة والرقمية، على الأمازيغية بتنويعاتها اللغوية الثلاثة”.
ودعا فريق البحث في الثقافة واللغة والهوية بمركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة “القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والهيئات والأحزاب السياسية والنقابات، إلى الرفع من اعتمادها على اللغة الأمازيغية في وثائقها ومختلف وسائل وقنوات تواصلها، والقطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والهيئات والأحزاب السياسية والنقابات، إلى الرفع من حجم التنسيق مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ليشمل تكوين موظفيها ومستخدميها الإداريين والإعلاميين، حتى يساهموا في الرفع من نسبة الإصدارات باللغة الأمازيغية”.
وأوصى بـ”مراعاة دمج شبكة برامج الإذاعة والقناة الأمازيغيتين في شبكة برامج القنوات والإذاعات الرسمية خلال عملية إعادة هيكلة القطاع السمعي البصري، حتى لا تظل المنصات الإعلامية الناطقة بالأمازيغية فئوية وموجهة لجزء من المجتمع، من منطلق أن الأمازيغية تمثل رصيدا وطنيا مشتركا”، و “إعادة النظر في محتوى المقررات الدراسية في مختلف المراحل التعليمية، وبرامج التعليم العالي، والتكوين المهني، بما يجعلها دامجة للثقافة الأمازيغية كمكون رئيس للهوية المغربية”.
“مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة” أوصى كذلك بـ”تعزيز التواصل مع مغاربة العالم وتنويعه، مع الحرص على أن تكون اللهجات الأمازيغية المحلية مكونا ثابتا في كل عملية تواصلية، ومراجعة التشريعات والسياسات العمومية التي تهم تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف مناحي الحياة العامة، بما يعكس كونها رافدا أصيلا من روافد الهوية المغربية المتعددة، وبما يتماشى والمكانة التي منحها إياها دستور المملكة لسنة 2011.”
منتصر إثـري