مريم اليوسفي مواليد سنة 1992، قرية أركمان، ترعرعت بمدينة الناظور، لديها عدة اهتمامات فنية أبرزها التمثيل، وسبق لها أن شاركت في بعض الأعمال التلفزيونية، وتهتم بمجال تنشيط وتقديم البرامج باللغة الأمازيغية، والبحث في التراث والثقافة الأمازيغية، خاصة الشعر الريفي الأصيل “إزران”، والذي تغنت به ميمونت نسروان مليكة ذافاخانت…
بعد حصولها على شهادة البكالوريا في تخصص العلوم الفيزيائية، اتجهت نحو تخصص الدراسات الأمازيغية، وتشتغل حاليا أستاذة التعليم الابتدائي، كما تابعت دراستها وهي الآن طالبة سنة ثانية في سلك الماستر تخصص اللغات والثقافات المغربية والإيكولوجية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سلوان -جامعة محمد الأول- وجدة.
واختيارها لتخصص الدراسات الأمازيغية نابع من حبها وارتباطها بالهوية، واشتغلت في بحث نيل شهادة الإجازة على موضوع “يهود الريف”، باعتباره موضوع منسي ويقل تداوله لعدة اعتبارات تتراوح بين التعصب وصعوبة الموضوع، واتجاه الطلبة نحو المواضيع المستهلكة…
كان بحث مريم اليوسفي ميداني بامتياز شمل مناطق متعددة من الريف الشرقي والريف الأوسط، وتحدثت فصوله حول تعايش اليهود والمسلمين، وخصت بالدراسة قبيلة أيث سيدال لما تتميز به من إرث حضاري وأركيولوجي ظل شاهدا على حضور هذه الأقلية التي طبعت الذاكرة الجماعية بهذه القبيلة.
كما تطرقت في بحثها للعادات والتقاليد اليهودية بالريف، والحياة الاقتصادية التي تشارك فيها المسلمون واليهود الذين اهتموا بمجموعة من الصناعات أهمها الصيغة…، وتوصلت في بحثها إلى التعايش الذي تحقق على عدة مستويات شملت المستوى الديني، من خلال ضريح سيدي يوسف الذي حج إليه اليهود والمسلمون، كما تعرضت لفترة الحماية وتكتل كل عناصر الريف ضد المستعمر، وحسب تعبيرها “منحني البحث في تاريخ اليهود الريفيين رغبة في التعمق، وكشف جوانب من الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وجعلني أشعر بحنين إلى تعايش كان بالأمس وأصبح مهددا اليوم أمام مظاهر التعصب الديني والاستلاب“.
كشفت الباحثة مريم اليوسفي عن أسس التواصل بين الريفيين المسلمين والريفيين اليهود، وأكدت أن تاريخ الريف وعقائده أساس البحث في ثقافته المبنية على التعايش والسلم والحب والوئام، قبل أن تغزوه سبل التفرقة وزرع الفتن، ووصل مستوى اندماج سكان الريف لدرجة علم فيها اليهود القرآن للمسلمين، نظرا لتفوقهم العلمي، وجمعهم بين اللغة العبرية والريفية والعربية.
وعزمت الأستاذة الباحثة أن تكمل مشروع بحث الماستر في نفس التوجه، أي حول يهود الريف بالتركيز على جانب التعايش، وقالت “هنا راودتني فكرة إخراج فيلم وثائقي حول الموضوع بمنطقة أيث سيدال، التي تزخر بتراث يهودي مهم، وتتمتع بجمالية خاصة، بالإضافة لحفظ أهلها من كبار السن ذاكرة تاريخية تحمل لمحات حول تراث إنساني بحاجة للتدوين، ورحب أهل القبيلة بالفكرة وساهموا في إثراء الفلم الوثائقي، الذي تضمن أول تجربة لي في ميدان الإخراج، وعادت الجهود الأخرى التي زاوجت بين التصوير والمحافظة العامة لزوجي محمد زريوح، وهو الذي دعمني كثيرا في هذا المجال، خاصة وأنه مرتبط بدراستي“.
واسترسلت “سأواصل مسيرة بحثي بالنبش الميداني في قبائل الريف الأخرى، وصولا إلى مدينة مليلية، لأن البحث الميداني له قدرة على كشف الكثير من معالم تاريخنا الثقافي“. وأضافت الباحثة في تاريخ التعايش بالريف تركيزها حول إنتاج أفلام وثائقية أخرى، تبرز من خلالها أهمية الميدان الذي تشتغل عليه، باعتبار الأشرطة السمعية البصرية موجه لفئة أعرض من المتتبعين، وكفيلة بإطلاع غير الريفيين عن هذه التجربة الفريدة التي ستمكنهم من عيش أحداث تاريخ دافئ من خلال رحلة عكسية عبر الزمن.
وختمت الباحثة معطياتها بذكر كل من ساندها في مسيرتها البحثية والعلمية، بداية بوالدتها السيدة فاطمة اليوسفي الإعلامية المتقاعدة بالإذاعة الوطنية، والتي ساعدتها في ترجمة الروايات الشفهية ليهود مليلية من اللغة الإسبانية، ثم زوجها الذي دعم فكرة الأشرطة الوثائقية بشدة، ومنسق الماستر الذي تتابع دراستها ضمنه الأستاذ شيكر مومن الذي رحب بفكرة البحث، والأستاذ عبد الله أزكاغ الذي ساندها كثيرا ووقف إلى جانبها طيلة مسيرتها العلمية وقبل الاشراف على بحثها، والباحث يزيد الدريوش الذي يشاركها هموم البحث العلمي، والأستاذ كريم حسني الذي أماط اللثام عن مجموعة من المواقع من ايث سيدال وربط التواصل بينها وبين ساكنة المنطقة الذين ساندوها وفتحوا أبوابهم واستحضروا ذاكرتهم من أجلها وبحثها.