مسجد تينمل.. من أجل ولادة جديدة

مسجد تينمل بعد زلزال 8 شتنبر 2023

بقرية تينمل في جبال الأطلس الكبير بالمغرب، المنتشرة أطلالها على الضفة اليسرى لـواد نفيس وسط جبال الأطلس الكبير على علو يناهز 1230م، وعلى بعد 100 كلم جنوب شرق مدينة مراكش، على الطريق المؤدية إلى تارودانت عبر ممر تيزي نتاست، وعلى مساحة طولها 48,10 مترا وعرضها 43,60 مترا، شيد مسجد تينمل ويعرف أكثر باسم ” ⵜⵉⵎⵣⴳⵉⴷⴰ ⵎⵇⵇⵓⵔⵏ ⵏ ⵜⵉⵏⵎⵍ”، ووفق اليونيسكو، فإن مسجد تينمل بني وفقا للتراث الأندلسي المغاربي، والذي “يجمع بين صقل التقاليد المعمارية وتقنيات البناء المحلية”، ويتميز بصومعته الفريدة من نوعها، ويرجع تاريخه إلى حقبة حكم “الموحدين” المغرب.

وعلى إثر الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز ليلة 08 شتنبر 2023، تعرض المسجد المبني بالطوب والحجر لأضرار بالغة، إذ انهارت أجزاء من برج المئذنة وبعض الجدران الأخرى، الزلزال الذي تسبب في دمار جزئي لعدد من المباني التاريخية والأثرية، وقد سبق لوزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد أن صرح “بتواصل أشغال عمليات الترميم وإعادة تأهيل مسجد تينمل، والتي تعتمد على الجوانب الأركيولوجية، تعزيز الصناعة الثقافية، وتثمين عوائدها السياحية، من حيث جذب السياح والاستفادة من التطور الاقتصادي الذي يشهده المغرب، وأن العمل منكب، على تشييد متحف بجانب مسجد تينمل، بغرض التعريف بالدور الذي لعبته المنطقة وتسليط المزيد من الضوء عليه“.

وأشارت اليونسكو إلى أنه يمكن أن تسفر الكارثة عن آثار ملموسة على قطاع الاقتصاد الإبداعي، الذي تبدي البلاد التزاما خاصا به، وكذلك على التقاليد والمعارف التي تشكل التراث غير المادي، لأن مسجد تينمل موقع يتبوأ مكانة هامة في تاريخ المغرب ومدرج في القائمة الوطنية التمهيدية للتراث العالمي، وأنها سترسل فريقا لتقييم الأضرار.

من هنا كانت البداية..

مع بداية القرن الثاني عشر الميلادي، ظهرت في أعالي جبال الأطلس حركة دينية إصلاحية توحيدية تزعمها المهدي بن تومرت الذي نصب زعيما روحيا للموحدين سنة 1121م، وقد أمر بعد مرور أربع سنوات على حكمه ببناء مدينة تينمل وجعلها عاصمة له وقاعدة عسكرية لجيوشه، يشنون منها هجماتهم وغزواتهم على المرابطين الذين كانوا يحكمون المنطقة في ذلك الوقت.

بعد وفاته عام 1130م، قرر أتباع المهدي ابن تومرت دفنه في القرية التي قطنها كما بنوا ما يشبه الحرم الديني في موقعِ قبره.

وحوالي سنة 1153م أمر خلفه عبد المومن بن علي الكومي، الذي تولى قيادة الدولة الموحدية، ببناء مسجد تينمل في نفسِ الموقع الذي دفن فيه ابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية تخليدا لذكراه، وتحول الموقع على إثر ذلك إلى مقبرة ملكية للخلفاء الموحدين، حيث دفن عدد من حكام الموحدين اللاحقين بالقربِ منه لما مثله من رمزية للدولة، ويعتبر نموذجا هاما ومثالا بارزا على العمارة الموحدية في المغرب.

تعرضت قرية تينمل خلال الحكم المريني للهدم والتخريب، ولم يستثنى من ذلك إلا المسجد الأعظم الذي أصبح يشكل معلمة مهمة يعتبرها السكان المحليون مزارا مقدسا، بالإضافة إلى بقايا سورها الأمني في الجهة الشرقية وأطلال متناثرة لـقصبة أورير نتيضاف التي أفردت على قمة جبل، حسب ما أورده موقع المعرفة الالكتروني.

ويورد المؤرخ حميد التريكي، على أن مسجد تينمل تم بناءه في مستطيل يبلغ طوله حوالي 48 مترا في 43 مترا على حافة بستان النخيل الذي يرويه نهر نفيس. جدرانه ومئذنته الخارجية – التي تضم المحراب – مصنوعة من الطوب والملاط المصنوع من التراب والحصى والجير، مما يمنحه اللون البنفسجي الذي يدمجه في الوسط الطبيعي الذي يحيط به.

وتظهر الهندسة المعمارية لمسجد تينمل العديد من أوجه التشابه مع جامع الكتبية، المسجد أصغر حجمًا من المساجد الموحدية الكبرى الأخرى حيث صُمّمَ ليُناسب حجم تينمل، ورغم ذلك فقد حظي بشهرة كبيرة.

تينمل الأثري.. ضمن قائمة اليونسكو

تعرض المسجد للخراب مع مرور السنين، ورمم جزئيا في منتصفِ القرن العشرين، ثم جددت الدولة المغربية أعمال الترميم في تسعينيات القرن العشرين. مسجد مفتوح للزوار باعتباره موقعا تاريخيا، مما يجعله أحد المساجد القليلة في المغرب المفتوحة للزوار المسلمين وغير المسلمين على حدٍ سواء.

تمكن المغرب سنة 1995 من تسجيل العديد من المواقع في لائحة التراث العالمي، ومن بينها موقع المسجد الأعظم لتينمل الذي انضم إلى قائمة مواقع التراث العالمي في المغرب سنة 1995 ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي لليونسكو. وتسجيله ضمن قائمة التراث الإسلامي في عام 2019.

ويحتل الموقع مكانة عالية في تاريخ المغرب، وفقا للموقع الرسمي لمكتب السياحة في مراكش.

زلزال الحوز يحول تينمل إلى ركام..

قاوم المسجد عوامل الزمن وتقلبات المناخ منذ كان شاهداً على حقبة ذهبية شكلت مهد الدولة الموحدية، وقد تم ترميم المسجد خلال السنوات الأخيرة، ليصبح قبلة للمهتمين بالعمارة الإسلامية والسياح على حد سواء، إذ تشير الكتابات التاريخية إلى الدور الدعوي والتعبدي الذي كان يحتله، إلى جانب اعتباره صرحاً للتعلم، فكان العلماء يأتون إليه من سائر جهات المغرب، ومن الأندلس، لتدريس مئات الطلاب الذين يتوافدون عليه، كما كان يحتوي على خزانة كتب كبيرة.

على إثر الدمار الذي خلفه زلزال الحوز، لم تسلم المعالم التاريخية كذلك من هذه الآفة الطبيعية، خاصة وأن المنطقة تضم تراثا عمرانيا واسعا، ويعتبر مسجد تينمل أكثر المباني تضررا من الزلزال بحكم وجوده، بجماعة تلات نيعقوب الجبلية، حيث انهارت أجزاء من برج المئذنة وبعض الجدران الأخرى. هذا الصرح الأثري الذي يجمع أسلوبه المعماري بين جمال التقاليد المعمارية وتقنيات البناء المحلية، والذي كانت أشغال ترميمه جارية على قدم وساق بشكل يحفظه معلما متميزا في تاريخ عمارة ألهمت مسجد الكتبية في مراكش وبرج الخيرالدا في إشبيلية.

ووفق تصريحات لمديرة الثقافة والطوارئ في اليونسكو كريستا بيكات، وصفت ما حدث بالكارثة الإنسانية. في حين وصلت لجنة من اليونسكو إلى مدينة مراكش كما أعلنت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) أودري أزولاي، عن تنسيق الجهود مع السلطات المختصة من أجل وضع خطة لإعادة الأماكن الأثرية المتضررة إلى حالتها الأولى، فيما تعهدت وزارة الثقافة المغربية بالعمل على إعداد برنامج عاجل لترميم وصيانة جميع المباني والآثار التاريخية المتضررة من الزلزال، ومن بينها “الجامع الأعظم”.

وقد أظهرت صورا متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حجم الدمار الذي تعرض له مسجد تينمل وقد تداعت جدرانه وانهارت مئذنته جزئيا وقد تكومت الحجارة بقربه.

مسجد تينمل الذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن الخامس الهجري، لم يمر سوى 5 أشهر على الترميم الذي استغرق 4 سنوات، قبل أن يتحول معظمه إلى ركام من جراء الزلزال الذي ضرب المغرب.

مسجد تينمل.. يستحق ولادة جديدة

يؤكد المؤرخ حميد التريكي والمهندس سعيد مولين، في مقالتهم “مسجد تينمل الذي دمره الزلزال.. معلمة من التراث الروحي المغربي”، على أن “مسجد تينمل جزء من التراث العالمي لليونسكو. ويجب أن يستمر في الوجود ويستحق ولادة جديدة كركن من أركان التراث العالمي، راجيين أن ينجو من الكارثة الرهيبة التي أغرقت منطقة الحوز وجنوب المغرب في الحداد وأن يواصل الشهادة التي حملها منذ ثمانية قرون“.

كما أورد المهندس محمد الشيخ، في تصريح لجريدة “العالم الامازيغي”  أن “مسجد تينمل رمز للهندسة المعمارية المغربية، بني في القرن الثاني عشر الميلادي من طرف الموحدين، والذي تم ترميمه في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تأثر بشدة جراء الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز، لأنه كباقي البنايات المتواجدة بالمنطقة، لا تعتمد بناءات مضادة للزلازل، ونتمنى أن يتم إعادة ترميمه بالاعتماد على تقنيات البناء المضادة للزلازل، مع المحافظة على الجوانب المعمارية والثقافية المحلية لهذه المعلمة التاريخية، وذلك تنفيذا لتعليمات جلالة الملك بهذا الصدد“.

ومن جانبه، صرح المهندس حفيظ لعرج لجريدة “العالم الأمازيغي”، أن “زيارتنا لهذه المنطقة، تهم بالأساس جرد البنايات السكنية والأثرية المتضررة، واستثمار تجربتنا المتواضعة خلال زلزال الحسيمة في 2004، لبلورة الحلول الناجعة، لإعادة تأهيل وترميم هذه البنايات بالاعتماد على تصاميم مضادة للزلازل“.

فيما طالب الأكاديمي المغربي عبد السلام بلاجي، في تدوينة له على “الفايسبوك”، بـ “تكاثف الجهود لترميم مسجد تينمل الذي أنشأه المهدي بن تومرت، والذي انطلق منه لبناء دولة الموحدين التي وحدت بلدان شمال أفريقيا، وامتد نفوذها إلى أعماق أفريقيا“.

وفي حديثه للجزيرة.نت، يورد الباحث في التاريخ هشام لحرش، أن “ما تبقى من المسجد شاهد على عظمة المغاربة الذين صنعوا مجدا في الماضي، وسيصنعون مجد الحاضر ويعيدونه إلى حالته الأولى“.

وقد تعهدت وزارة الثقافة المغربية بالعمل على إعداد برنامج عاجل لترميم وصيانة جميع المباني والآثار التاريخية المتضررة من الزلزال، بما فيها “مسجد تينمل”.

هي دعوات باسم مسجد تينمل الأعظم، من أجل ولادة جديدة.

إعداد: خيرالدين الجامعي

اقرأ أيضا

الإحصاء العام: استمرار التلاعب بالمعطيات حول الأمازيغية

أكد التجمع العالمي الأمازيغي، أن أرقام المندوبية تفتقر إلى الأسس العلمية، ولا تعكس الخريطة اللغوية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *