هل من مزايا لظاهرة هروب اليسار إلى نقطة الصفر؟؟
ليس من عادتنا احتقار رقم صفر، اللهم إذا كان على يسار الأرقام الأخرى، فهو مؤشر على رغبة الزمن السياسي في إقصاء حلم التقدم من جدول الاعمال، ولكنه نقطة نظام صحية تؤشر على هشاشة بنية الاستعداد ، حتى لا نقول بلغة الثوريين عدم نضج الشرط الذاتي للأداة التنظيمية؛ والحال ان الأداة مضمون سياسي ونظري مفكر في طريقة تصريفه وتدبيره مليا وعقلانيا، ومع ذلك يمكن ان نقر بأنه على مستوى “الحالة الصحية “لأغلب الفاعلين في القواعد او في خانات العاطفين والناصرين، الأمور لا تبشر بخير ، فالصدمة قوية هذه المرة إلى درجة التيه و الإحباط، خاصة بالنسبة لمن راهنوا بالمطلق على وحدة اليسار كمعطى جديد، في حين أن عنوان المطلب او المطلوب هو محاولة إرجاع اليسار إلى ما كان عليه قبل انقساماته المتوالية، أو إعادة تأسيس الوحدة السابقة على أسس جديدة، وكيف يمكن ذلك والرهان ومعه العلة شراكة ظلا هما نفسهما: سؤال المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية! وهو بمثابة هروب إلى نقطة الصفر، في نظر البعض الذي يركز على مركزية توحيد شتات اليسار، هذا المطلب الذي تحول إلى ايديولوجيا وايتوبيا، والحال ان السؤال الحقيقي والعميق ينبغي أن يطرح استراتيجيا حول الوحدة النضالية التي تجسدها تعددية الحركة التقدمية وتنوع روافد مكوناتها وفصائلها وتياراتها، لأن مصطلح اليسار فشل عمليا في استيعاب قيمة التغيير، كوقع كيفي، و التي تتجاوز ما هو حقوقي او استحقاقي كواقع كمى، باعتبار أن هناك اختلافا بين الفعلين معا وطريقة التخطيط والإنجاز، ناهيك عن البون الشاسع في كلفة كلتا الممارستين. من هنا لا مناص من خوض تمرين إستدراكي (تقديرا للتراكم الحاصل على علاته) يرتكز على مطلب الوحدة و الديمقراطية، أي على الوحدة النضالية في أفق الوحدة التنظيمية، ثم تبني الديمقراطية وسيلة (وحدة المعارك النضالية وجودة ودمقرطة قرار تدبيرها) فالديمقراطية كغاية (دمقرطة الوعاء الموحد وبلورة أداة تنظيمية ديمقراطية، لأنه لا سياسة ديمقراطية دون فكر ديمقراطي)، ولعل اول خطوة في هذا السياق المنشود والبديل هو القطع مع ماضي الأعطاب، بعيدا عن مثالية جبر الخواطر المعنوية دون الأضرار المادية ( السياسية والتنظيمية ) التي تسببت فيها حوادث سوء الممارسة وسوء التفكير، والتي جعلت مجرد الاحتجاج والمعارضة، كحالة نضالية عابرة، محدودة في الزمن السياسي، كفرصة او حظوة للانتماء لليسار، وأي يسار، المشتغل من داخل المجال السياسي المؤسستي ام من خارجه او يعارض على هامشه؛ في حين الانتماء للحركة التقدمية شرطه تبني استراتيجيا النضال الديمقراطي المنتمية للزمن الاجتماعي نفسا وإرادة، فصحيح أننا تحررنا نسبيا من إذعان المجال السياسي المغلق، ورفعنا الخوف بتحرير الفضاء العمومي المفتوح، لكن فشلنا في التصدي للانتظارية والتردد اللذين يطوقان الارادة ويثبطا العزائم بسبب عدم تخلصنا من عقدة الطهرانية والتعالي وفوبيا انقراض أمجاد الزمن الجميل الافتراضي.