عائشة ألحيان
إن الدورة السابعة عشرة لتخليد ذكرى الخطاب الملكي لأجدير 17 ـ 10 ـ 2001 هي مناسبة للوقوف على المفارقة الكبيرة في وضع اللغة الامازيغية بعد خطاب أجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ووضعها الآن بعد دسترتها كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية .
فمن سنة 2001 إلى 2011 عرفت الأمازيغية انفراجا واسعا وتحققت تراكمات مهمة بناء على ثلاث مرجعيات أساسية وهي خطاب العرش 30 يوليوز 2001 وخطاب أجدير والظهير المؤسس للمعهد الملكي، فتم إدراج الأمازيغية في التعليم وبغايات ذات حمولات بيداغوجية وحقوقية جد متقدمة على ما ورد في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي بلورها المجلس الأعلى للتربية والتكوين وكذا في القانون الإطار، حيث حدد منهاج اللغة الأمازيغية الغايات من تدريسها في تعميق الشعور بالمواطنة لدى الناشئة وتنمية الاعتزاز بمكونات الهوية الحضارية والثقافية المغربية.
كما حدد الهدف من التدريس في تمكين المتعلمين من إتقان اللغة الامازيغية نطقا وقراءة وكتابة وتعميم تدريسها على جميع المتمدرسين في عموم التراب الوطني في حين أن الهندسة اللغوية التي تبنتها إستراتيجية الإصلاح تراجعت عن كل هذه الأهداف والغايات وخلقت تراتبية بين اللغتين الرسميتين حيث تم تحديد وحصر وضعية الأمازغية في التواصل وتقرير الزاميتها في التعليم الابتدائي فقط مقابل اللغة العربية كلغة أساسية إلزامية في كل مستويات التعليم بوصفها لغة مدرسة وتدريس .
ومن بين الأوراش التي فتحت كذلك قبل دستور 2011 ورش إدماج الامازيغية في الإعلام حيث رفع حصة الأمازيغية في دفتر التحملات لبعض القنوات التلفزية وإخراج قناة تمازيغت رغم كل ما صاحب ذلك من إكراهات وتعثرات فإننا اليوم وبع سبع سنوات من دسترة الامازيغية كلغة رسمية الى جانب العربية يمكن القول بأن الامازيغية قبل الدسترة كانت أفضل حالا من اليوم بدليل توقف معظم الأوراش تحت ذريعة انتظار صدور القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية الذي لم تفرج عليه الحكومة السابقة إلا في أيامها الأخيرة وهو ما زال يراوح مكانه الى اليوم رغم عرضه على مجلس النواب في سنة 2016 .
إذا فأهم مظاهر التمييز التي لحقت بالامازيغية لغة وثقافة هي المماطلة في إخراج القوانين التنظيمية المنصوص عليها في المادة 5 من الدستور رغم أنها قوانين مكمل و للدستور ومهيكلة لعمل الحكومة .
فهذا التأخير الذي لا يمكنه إلا أن يكون متعمدا مقصودا تسبب في المس بالمكتسبات وتعطيل استفادة الامازيغية من فرص حقيقية للإدماج في مختلف مناحي الحياة العامة بمناسبة تحيين مجموعة من التشريعات وسن أخرى ومرد هذا التسويف هو إن حماية والنهوض بالامازيغية لا تدخل ضمن أولويات الحكومة ضدا على الدستور ولولا أن المادة 86 من الدستور التي تحدد آجل إعداد القوانين التنظيمية لكان مصيرها نفس مصير قانون الإضراب .
ومن تداعيات تأخير إصدار القوانين التنظيمية كذلك الحد من صلاحيات مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الامازيغية حيث تم توقيف المجلس الإداري في انتظار القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية على خلاف باقي المؤسسات الوطنية التي ما زالت تشتغل وفق نظامها القديم .
ومن مظاهر التمييز والإقصاء ضد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية استمرار إصدار قوانين ترتكز على أحادية اللغة كمشروع قانون التنظيم القضائي الذي نص على أنه تظل اللغة العربية لغة التقاضي والمرجعيات وصياغة الأحكام القضائية أمام المحاكم وأضاف بصيغة الوجوب تقديم الوثائق والمستندات للمحكمة باللغة العربية أو مصحوبة بترجمتها واختزل هذا القانون اللغة الامازيغية في التواصل مع المتقاضيــن فقط خارج الجلسات لان أثناء الجلسات لا حق لهم في تعيين مترجم .
وكذلك مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي نص على ضرورة الاستعانة بمترجم في حالة إذا كان ضابط الشرطة القضائية لا يحسن اللغة أو اللهجة التي يتحدث بها المتهم أو الاستعانة بشخص يحسن التعاطي مع المعني بالأمر ونفس الشيء تم التنصيص عليه سواء أمام النيابة العامة أو قاضي التحقيق أو المحكمة مما يمس بحقوق الدفاع وبضمانات المحاكمة العادلة .
بالإضافة إلى مجموعة من القوانين للمهن القضائية التي ما زالت تشترط اللغة العربية في المنتسبين إليها كقانون المحاماة، ومشروع قانون إعادة تنظيم وكالة المغرب العربي للأنباء الذي لا يزال مصرا على الاحتفاظ بهذا الاسم الإقصائي اتجاه البعد الأمازيغي للهوية المغربية، وكذا المناهج الدراسية ما زالت تحتوي عل مقتضيات تمييزية اتجاه المغرب وحضارته وتاريخه ضدا عل كل مقتضيات الدستور التي تنص على حضر ومكافحة التمييز المبني على اللغة والجنس والثقافة .
أما القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية فلا يقل تمييزا عن باقي التشريعات المذكورة بل جاء منسجما معها حيث أكد على حصر الأمازيغية في التواصل فقط رغم أن القانون التنظيمي هو مكمل للدستور وفي مرتبة أعلى من القوانين العادية وكان يفترض فيه نسخ كل المقتضيات التمييزية التي تضمنتها باقي التشريعات لا أن يرصد ما أقرته.
حيث أن القانون التنظيمي لا يعكس تصور الدستور للغة الرسمية حيث عرف اللغة الأمازيغية بكونها مختلف التعبيرات اللسانية الأمازيغية المتداولة بمختلف مناطق المغرب مع ان المادة5 من الدستور ميزت بين اللغة و اللهجات و التعبيرات التي التزمت بتوفير الحماية لها القانون التنظيمي رهن إدماج الأمازيغية في كل المجالات بجدولة زمنية من 5 سنوات الى 15 وهي جدولة مكملة لإعمال الحقوق اللغوية والثقافية وتيسير استفادة المواطنات والمواطنين منها .
وبالنسبة للقانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات فهو الآخر لا يستجيب لروح الدستور يفتقد للاستقلالية الواجبة في المؤسسات الوطنية باعتبار العدد الكبير لممثلي السلطة الحكومية داخل أجهزته، واختصاصاته عامة وغير دقيقة لا تستجيب للغاية من ترسيم الامازيغية والمتمثلة في تحقيق المساواة بين كل المواطنين والمواطنات وحظر كل الأشكال التمييز المنية على اللغة ولا تستجيب كذلك للغاية من إحداث مجلس وطني للغات والمتمثلة في وضع التوجهات الكبرى لسياسات لغوية عادلة تضمن التكافؤ والمساواة بين اللغتين الرسميتين وتضمن لهما معا نفس شروط النجاح والنماء للقيان بوظائفهما كلغتين رسميتين .
مشروع القانون التنظيمي لم يخول للمجلس حق تقييم السياسات العمومية في مجال اختصاصه ولا مراقبة مدى إعمال السلطات الحكومية لمقترحاته وتوصياته، ولا صلاحية رصد الانتهاكات وكل مظاهر التمييز التي تطال اللغتين الرسميتين بحمايتهما وتنميتهما المنصوص عليها في المادة 3.
ولم يشر القانون ضمن أجهزة المجلس لهياكل جهوية لتصريف قراراته وتتبع تنفيذها والسهر على عدم تضارب الاختصاصات في المجال الثقافي بين هذا المجلس ومجالس الجهات التي خول لها القانون هي الأخرى اختصاصات على مستوى الثقافي .
المشروع لم يضبط العلاقة بين المجلس وباقي المؤسسات المنصوص عليها في الدستور وخاصة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.