أعلن الممثل الشاب هاشم بسطاوي اعتزال التمثيل والعمل الفني بشكل عام، معللا اعتزاله بما يسميه “التوبة الى الله” بعدما صارت له قناعات جديدة تجعل الفن من المحرمات التي يؤثم صاحبها… وطبعا اعتزال الفن قرار شخصي وحرية فردية ولا حق لأحد بالتدخل فيه، ولكن المزعج في الموضوع، كما وقع سابقا في مصر ولبنان مع عدد من الفنانات والفنانين، هو ربط الموضوع ب” التوبة إلى الله”، و البراءة من كل الأعمال السابقة، هذا الربط الفاسد يزرع في وعي الناس أن الفن رذيلة وخطيئة، وأن الفنان كان يرتكب عملا محرما، وبالتالي ننقل الفن من رسالة نبيلة وشريفة، ومن أداة مهمة لتأطير المجتمع وتوجيه سلوكياته وإثارة قضاياه والتحسيس بها، إلى كونه ذنبا وخطيئة لا تغتفر..
ما لا يعرفه الكثيرون أن دفع الفنانين الى اعتزال الفن هي خطة قديمة أعلنتها التيارات التكفيرية ضد الفنانين في مختلف المهن الفنية، لأن التيارات المذكورة تراهن كثيرا على استقطاب الفنانين، لاعتناق توجهاتها المتطرفة لأن الفنان شخص غير عادي وذو مكانة مميزة في المجتمع، بحكم أنه قدوة يقتدى ونموذج يحتدى به من طرف جمهور عريض من الرأي العام.. وبالتالي ظل الفنان على رأس قائمة المستهدفين بالاستقطاب من طرف التيارات الأصولية، التي وجدت في منطقة سوس المحافظة، تربة خصبة لنشر ايديولوجيتها المسمومة حتى في الوسط الفني، خصوصا أن معظم المنتسبين الى الجيل الأول من الفنانين السوسيين بدون مستوى تعليمي وذو أفق محدود، عكس نظرائهم القبايليين بالجزائر الذين حصل بعضهم على درجات عالية من التحصيل التعليمي (مثلا الفنان ايدير حاصل على شهادة الدكتوراه في الجيولوجيا)..
ويعد المغني مولي محمد بلفقيه أول فنان سوسي يقع في شراك التيارات التكفيرية منذ مطلع الألفية الثالثة، حيث أصدر آخر ألبوم له بعنوان “اداغ يعفو ربي” واختار له صورة أسدل فيها لحية كثة رافعا يديه الى السماء للدعاء كناية على إنهاء مساره في المجال الفني، الذي امتد على مدى عقدين من الزمن وراكم فيه تجربة غنية، خصوصا في الثمنانينات عندما شكل ثنائيا شهيرا مع فاطمة تبعمرانت.. وخلال تجربته الفنية أصدر العديد من الأغاني حول تيمات مختلفة منها أغاني في مدح الملك الراحل الحسن الثاني في العام 1990 بالتزامن مع احتضان اكادير للاحتفالات الرسمية لعيد العرش..
كما ألف أغاني عبارة عن محاورة مع الفنانة فاطمة تبعمرانت، التي شكلت معه تنائيا فنيا ناجحا الى أن انفصلت عنه وشكلت فرقة موسيقية مستقلة، وتركت بلفقيه وحيدا قبل أن يتحول الى لقمة سائغة للتيارات الدينية المتطرفة التي أخضعته لعملية غسيل دماغ، انتهت باعتزال الغناء والفن عموما بدعوى أنه “إثم وحرام” وتحول الى مؤذن في أحد مساجد أزرو قرب آيت ملول.. على غرار الفنان عبد الهادي بلخياط، الذي تحول بدوره الى مؤذن ومنشد في الحضرات الصوفية بعد اعتزاله الفن إثر استقطابه من طرف جماعة دينية تدعى الدعوة والتبليغ، قبل عقد من الزمن..
ورغم اعتزاله المجال الفني لم تتوقف محاولات مولي احمد بلفقيه لجر زملائه السابقين الى مستنقع الاعتزال، إذ لا يمل من دعوتهم الى ترك الغناء والابتعاد عن الفن، لكن محاولاته باءت بالفشل لأنها اصطدمت بصخرة صلبة هي زميلته السابقة فاطمة تبعمرانت، وهي امرأة قوية وصلبة صلابة جبال إفران الأطلس الصغير، لكونها فنانة واعية بذاتها وبرسالتها الفنية ومقتنعة بالقضية التي تعتنقها وتدافع عنها، وهو ما سبق أن عبرت عنه في حوار صحفي بعد اعتزال زميلها مولي محمد بلفقيه: “أنا لا أستطيع تعييب الغناء لأنه وسيلة لإيصال الوعي الى الإنسان والفنان وجد لأداء رسالته السامية وإيصالها الى المتلقي..” (انظر “أخبار الجنوب”، عدد21-22 ص: 5)
إن هذا الربط بين الفن والرذيلة كما يسعى الى ذلك التيار التكفيري نرسل به رسالة أن المشتغلين بالفن ليسو بشرفاء ويقومون بعمل مشين في انتظار ذهابهم إلى الحج للتكفير والاستغفار. الفن فضيلة وليس بخطيئة، الفن نبل وليس بعار، واعتباره رذيلة هو مما زرعه المال الوهابي السعودي، الذي كان يغري الفنانين مقابل إعلان اعتزالهم..
الصحفي ابراهيم أوزيد