قال المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مصطفى الكثيري، إن معركة الهري التاريخية تشكل “مدرسة للوطنية” لأجيال الحاضر والمستقبل، كما أنها تجسيد لأروع مواقف البطولة والشهامة والإيثار في مواجهة الاحتلال الفرنسي.
جاء ذلك خلال مهرجان خطابي بمناسبة تخليد الذكرى ال 106 لمعركة الهري المجيدة والتي انتصرت فيها قبائل زيان بقيادة موحا وحمو الزياني يوم الجمعة 13 نوفمبر 1914 على القوات الفرنسية الغاشمة بقيادة الضابط لَافيردور الذي قتل في المعركة.
وقال الكثيري خلال هذا المهرجان ، الذي حضره، على الخصوص، عامل إقليم خنيفرة محمد فطاح والسلطات المحلية والمنتخبين والهيئة القضائية ورؤساء المصالح الخارجية وجمعيات المجتمع المدني إن هذه المعركة جسدت أروع مواقف البطولة والشهامة والإيثار في مواجهة الاحتلال الأجنبي، مشيرا الى هذا الحدث التاريخي الذي يشكل فرصة للحفاظ على قيم المواطنة، سيظل واحدا من أهم المعالم في تاريخ المقاومة الوطنية والنضال ضد الاحتلال الأجنبي. وفق وكالة الأنباء المغربية.
وقال لقد كانت أرض الهري من أكبر المقابر العارية لقوات الاحتلال، كما وصفها المؤرخون حيث قدرت خسائر القوات الاستعمارية ب: 33 قتيلا من الضباط، و580 قتيلا من الجنود، و176 جريحا، وغنم المقاومون 3 مدافع كبيرة، و10 مدافع رشاشة، وعددا كبيرا من البنادق.
وأوضح الكثيري، أن هذه المحطة المشرقة من سجل كفاح قبائل زيان تعد فرصة لاستحضار مقاومة هذه القبائل ضد الاحتلال الأجنبي، الذين تمكنوا بفضل إصرارهم واستماتتهم وثباتهم على المبدأ من تلقين قوات الاحتلال، رغم كثرة عددها وعتادها، دروسا في الدفاع عن المقدسات الدينية وحماية الثوابت الوطنية.
وأشار الى أن التاريخ سيبقى شاهدا على بطولات وشجاعة أبناء هذه الربوع واسترخاصهم لأرواحهم في سبيل عزة الوطن وكرامته، مبرزا أن هذه الذكرى ستظل ملحمة تاريخية غنية بالعبر والدروس للناشئة والأجيال الجديدة من أجل استلهام مضامينها والتشبع بدلالاتها والتزود بقيمها ومعانيها في مسيرات الحاضر والمستقبل.
وشدد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على مواصلة الخلف لمسيرة السلف بروح وطنية عالية لإعلاء صروح المغرب الحديث وإرساء دعائم المجتمع الديمقراطي الحداثي والانخراط في الأوراش الكبرى تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي لم يكف منذ اعتلاء عرش أسلافه الميامين عن شحذ عزائم شعبه الوفي ودعوة مختلف شرائحه لمضاعفة الجهود من أجل إعطاء هذا التلاحم بين القمة والقاعدة دفعة جديدة ومتواصلة في أفق مواجهة كل التحديات وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والارتقاء بالبلاد في مدارج الرخاء والازدهار.
وبعد تأكيده أن هذه الذكرى تعتبر محطة هامة للتأكيد على مغزى هذه المعركة الخالدة والتاريخية العريقة التي شهدتها ربوع الأطلس الشامخ وشنتها القبائل الأمازيغية الزيانية المجاهدة سنة 1914، أبرز الكثيري أن الذكرى 106 لمعركة لهري الخالدة هي مناسبة لإحياء هذه المحطة التاريخية وتخليدها بما يليق بها بشتى مظاهر الاجلال والإكبار، لصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية عبر البرور والعرفان بالجميل الذي قام به الرعيل الأول من الشهداء الوطنيين والمقاومين والفدائيين والمناضلين الذين نذروا أنفسهم وحياتهم وقدموا أعز ما لديهم من أجل تحقيق حرية هذا الوطن واستقلاله وضمان عزته وكرامة شعبه.
وقال الكثيري، في نفس السياق، إن هذه الذكرى تشكل أيضا وقفة لاستحضار قليل من كثير وغيض من فيض من تاريخ هذه الربوع المجاهدة التي لعب فيها الموقع الجيوستراتيجي للأطلس المتوسط الدور الريادي في تصويب المستعمر الفرنسي أنظاره تجاهه، باعتباره ممرا استراتجيا هاما، ويكتسي أهمية جغرافية واقتصادية وازنة سواء على المستوى المائي والفلاحي والغابوي.
وبعد أن ذكر بالعمليات العسكرية الأولى لاحتلال مدينة خنيفرة وسياسة الإغراء تجاه الزعيم موحى وحمو الزياني بهدف استمالته، والمؤامرات التي حيكت من قبل المستعمر ضد الوطنيين ، أكد الكثيري أن حسابات القادة العسكريين كانت خاطئة، حيث انضمت لصفوف المجاهدين مختلف قبائل زيان التي قامت بمحاصرة العدو عند “بوزال” ومهاجمة فلوله التي استبد بها الرعب والفزع بسبب القدرة القتالية العالية للمقاومين واستماتتهم ورباطة جأشهم، مما كبد قوات الاحتلال العديد من القتلى، من بينهم الكولونيل لافيردور قائد العمليات العسكرية، وأصبحت قرية لهري مقبرة مكشوفة لقوات الاستعمار.
وأضاف أنه، بهدف الحد من الخسائر وإعادة السيطرة على الوضع، اضطرت القيادة العسكرية الفرنسية في 16 نونبر 1914 لاستقدام وحدات إضافية من تادلة بقيادة العقيد “دوكليسيس” غير أن قواتها وقعت في كمين نصبه المجاهدون ولقيت خلاله القوات الغازية هزيمة مذلة جديدة أكدت قوة شكيمة أبناء زيان وعلو كعبهم في ساحة المعارك وأظهرت للاستعمار مدى تماسك صفوف المغاربة ووحدتهم واستعدادهم لاسترخاص أرواحهم ودمائهـم في سبيل الذود عن حياض الوطن والدفاع عن مقدساته وثوابته.
واستحضر المندوب السامي، من جهة أخرى، قضية الوحدة الترابية التي تعتبر مسؤولية جميع المغاربة تماشيا مع توجهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس في العديد من المناسبات، مؤكدا أن الواجب الوطني يستدعي الوقوف الدائم والمستمر من أجل صيانة الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية.
كما عبر المندوب السامي عن الموقف الثابت لأسرة المقاومة وجيش التحرير من أجل قضية تثبيت المكاسب الوطنية وصيانة الوحدة الترابية على اعتبار أن المقاومين وأعضاء جيش التحرير كانوا هم من حملة رسالة التحرير للأقاليم الجنوبية وخاضوا غمار الكفاح الوطني من أجل تحريرها من الاحتلال الاسباني والاحتلال الفرنسي، مشيرا إلى أن استرجاع الأقاليم الجنوبية هو مكسب وطني للمغاربة جميعا ملكا وحكومة وشعبا علينا واجب صيانته وتثبيته في وجه خصوم الوحدة الترابية الذين يريدون معاكسته في وحدته وسيادته على ترابه.
وتم خلال هذا المهرجان الخطابي الذي نظم في تقيد تام بضوابط وقواعد التباعد الاجتماعي والسلامة الصحية التي توصي بها التوجيهات الحكومية للحد من آثار جائحة كورونا كوفيد 19،تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وكذا توزيع إعانات مالية ومساعدات اجتماعية وإسعافات على عدد من المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير وأرامل المتوفين منهم من ذوي الاحتياجات المستحقين للدعم المادي والاجتماعي.
كما تم بالمناسبة زيارة المعلمة التذكارية المخلدة لمعركة لهري للترحم على أرواح شهداء الاستقلال والوحدة الترابية وفي طليعتهم المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح والمنفى المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراهما، والدعاء الصالح لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وعرف الحفل أيضا عرض فقرة فنية من تقديم تلاميذ مؤسسة الإبداع الفني والأدبي بخنيفرة، وتوقيع العدد الأول من سلسلة دفاتر الوثائق التاريخية للمقاومة والتحرير المودعة بمركز الوثائق التاريخية للمقاومة والتحرير، والصادرة ضمن منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالرباط تحت عنوان: “معركة لهري“.