أوعندما يكون عقل الدولة منسجما مع الطموح
إسمحوا لنا أن نصدر إليكم قلقنا الفكري دون غضبنا، فلسنا ممن يستعمل هموم المناضلين ودموع الضحايا حطبا لمعاركه ولا جسرا لمآربه، ولا من يستغل قنوات وتنسيقيات و جمعيات الغير لتمرير مواقفه، ولا يحرجنا أبدا أن نتوسط لحلفائنا لنزع فتيل التوتر في البيئة الحقوقية، ومنذ أول مسيرة قدناها في أول ولاية، يوم انتخبنا رئيسا للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، قلنا بأن أعضاء الحكومات مجرد مُؤْتَمَرين، والتعاقد حول مسار معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أبرمناه مع الملك وارث سر تركة السلف الراحل، عنوانه طي صفحة الماضي بالحقيقة وسن تدابير عدم تكرار الانتهاكات، فبغض النظر عن مسؤوليتنا السياسية والمدنية والجنائية حتى، فالتاريخ الوطني يطوقنا والجغرافيا التعاقدية الواقعية تنير مسارنا الحقوقي كسقف إصلاحي.
وحول ذلك فليتنافس المتنافسون، مادام الملك هو الضامن للحقوق والالتزامات المتعاقد حولها، وبذلك لا تهمنا التغيرات الحاصلة في المشهد الحكومي ولا حتى في المربع الملكي، السيادي أو الأمني، ومن يراهن على غير المخاطب الحقيقي، في ملف الحقيقة وطي صفحة الماضي، له السراب ولن يجني سوى الوعود، فمتى سنعي جيدا بأن الدمقراطية هي الحل، ونتمثل أنه لا دمقراطية مع روح المحافظة وجوهر التقليدانية، وقد يقول قائل إن اليساريين والدمقراطيين في خبر كان، نرد بأنه من شأن جبر الضرر الثقافي أن يساعد الدولة على تحديث نفسها ودمقرطة العلاقات التعاقدية مع المجتمع. بعد هذه الصرخة الهادئة والحكيمة، قيل لنا لماذا انتم غاضبون، نقول اننا قلقون فعلا ولكن بالمعنى الفكري، ومن حقنا ان نفضح كل هذا الإصرار وهذه الإرادة «السياسوية» لفسخ التعاقدات ونسخ الالتزامات المتبادلة بين الدولة والمجتمع، التي بلورتها التسوية المكللة بالتقرير النهائي وتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة؟.
وبعيدا عن تراهات «معارضة الملك و أغلبية الملك»، نتساءل لماذا يرغم دائنو الدولة من ضحايا سنوات الرصاص أن يجبروا خواطر المحافظين و تؤجل مطالبهم الحياتية الحقوقية والمعيشية هنا وهناك، هؤلاء الذين لم يتمثلوا بعد جدوى الاحتكام للمعايير الدولية في التشريع والمعاملات سوى في جانبها السلبي الكامن في تحرير السوق والمبادلات وكذا عولمة الثقافة النيوليبرالية، وانتهاك السيادة الوطنية ماليا واقتصاديا، ندعو إلى دمقرطة تفعيل مقتضيات الدستور وفقا لمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، بما يعنيه إعمال مبدأ سمو القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني على التشريع الوطني، فالأمر يتجاوز صلاحيات الحكومة المختلطة وغير المتجانسة، مادامت العلاقة مع مطلب القطيعة مع الماضي الأسود ومع مطلب التحرر والديمقراطية متوترة، ومادام السياق الانتخابي الضيق هو «المؤطر» لكل هذا الحماس المتردد لدى صانعي التشريع والقرار الأمني والسياسي.
صحيح أننا متفقون على بعض القطائع الصغرى التي يمكن أن تحدثها تداعيات زمن الحجري الصحي؛ لكن لا مناص من التوافق على بلورة مدخلات من قبيل حيل جيل من الإصلاحات، لتجاوز أزمة التواصل التاريخي بين الطبقات وداخل الفئات، وكذا حل معضلة قانون المجايلة الإيجابية المتعثر؛ فلا يعقل أن يحل الإرهاب الفكري والوصم الأخلاقي؛ وما ينتج عنهما من عنف مادي أورمزي؛ محل الصراع الفكري والسياسي السلمي والحضاري، لأنه مهما كانت حدة التناقضات يفترض في جميع المغاربة انهم وطنيون دون حاجة إلى إتباث غيرتهم خلال ساعة ونصف من اللعب حسب توقيت “الطوارئ”، وإن المطلوب من الإختبارات هو تحصيل حاصل بمزيد من العزم و التضحية والتفاني والمثابرة ونكران الذات والتحصن بالكرامة والصمود، فلا تماثل بين البشر و لا بين السياقات ولا بين المقامات والمقالات، و قد تتشابه الغايات ولكن ليست كل الوسائل تؤدي إلى الحرية والكرامة والعدالة.
فشكرا لكل من إلتزم وأوفى، ولأننا نعيش لحظة وطنية بامتياز، فيفترض، في الزمن الإنساني، أنه رهن إشارة من يستثمره إيجابيا، وبالتالي فكل مضيعة للوقت في الأمور الشخصية والمنافع الضيقة والذاتية، يخدم الزمن السياسي و يضر بالتراكم الجمعي للمصلحة العامة، لذا ينبغي ألا يحكمنا منطق رد الفعل او الإحباط ولا منطق الغبن السياسي، فالرهانات يفترض إستشرافها؛ وسؤال ملح يطرح نفسه ويقتضي الأمر التفكير جديا بصدده ، فمشاريع الأجوبة عنه محدِّدة و حاسمة؛ السؤال: هل استغنت الدولة (وهي مترددة) عن المجتمع وعن تعبيراته المدنية /الوسيطة؟ .