بقلم: محمد جلول
سنة 2969 سعيدة وكل عام وأنتم بخير
1- المسألة الأمازيغية ليست مسألة عرقية
2- الدارجة المغربية هي دارجة امازيغية
3- لا للنزعة الشوفينية في النضال عن الامازيغية
4- الاسلام لا يميز بين اللغات و الثقافات و الأعراق
5- الاسلام بريء من عقيدة الاكراه و الإقصاء
6- الدولة لازالت تتلكأ في تفعيل ترسيم الأمازيغية
إذا كان هناك من أبناء شعبنا من لا يزال يقف موقف الريبة من هويته الامازيغية ، و هذا امر طبيعي بالنظر الى حجم الاستيلاب الثقافي التاريخي الذي تعرض له تحت عوامل الهيمنة و أيديولوجيتها المغلفة بخطاب ديني ، و التي دفعته الى الانسلاخ عن هويته الاصيلة و التنكر لها ، تحت عوامل الطمس التاريخي التي مورست على ذاكرته و التي جعلته لا يعرف من يكون و يعتقد ما ليس بحقيقة ، فانه في المقابل للأسف الشديد: هناك من يعدون على صف المدافعين عن الأمازيغية بدل ان يساعدوا هؤلاء على الخروج من حالة استيلاب من أجل التصالح مع ذاتهم الامازيغية فانهم يعملون بدون وعي على تكريس هذه الريبة لديهم، و ذلك بسبب الفهم الخاطئ في تناول المسألة الأمازيغية وفي طرق الدفاع عنها .
1- المسألة الأمازيغية ليست مسألة عرقية
من بين المفاهيم الخاطئة و الخطيرة في تناول المسألة الأمازيغية هو ان يتم اعتبارها مسألة عرقية حيث على هذا الاساس الخاطئ ينشأ صراع بني على خلفيات وهمية بين ابناء شعبنا حول الانتساب الهوياتي من هو امازيغي و من هو غير امازيغي في حين ان شعبنا المراكوشي في حقيقته كله امازيغي ، لأن الأمازيغية هي الارض و ليست العرق فبلاد مراكش هي جزء لا يتجزأ من ارض تمازغا ، و كل من ينتسب الى هذه الارض فهو امازيغي بغض النظر عن اصوله العرقية و اصول اجداده ، سواء اكانت عربية او اوروبية او أسيوية او من العمق الافريقي فلا يهم الأصل بل ما يهم هو الارض التي هي وطننا و اليها ننتسب ، اما النسب الدموي فتندثر اهميته مع الزمن و هذا ما يحدث فقط عندما يغير الانسان موطنه من بلاد الى اخر ، بل حتى داخل الوطن الواحد حينما يغير المرء موطنه من منطقة الى اخرى ، حيث مع الزمن يصبح نسله من ابناء الوطن الجديد و هذه سنة الله في ارضه ، و هذا ما تأكده حتى الدراسات السيسيولوجيا ، و فضلا عن ذلك فاذا خضنا في مسألة الأصل و النسب الدموي ، اليس كلنا من صلب ادم ؟!!!!!! و هل هناك من بلد في العالم شعبه من عرق قح وواحد ؟ !!!!! لقد حدثت هجرات بشرية كبرى عبر التاريخ و لازالت مستمرة تندثر الأصول الدموية و يبقى الوطن، ففرنسا هي فرنسا ، و هويتها فرنسية و ستبقى كذلك حتى لو افترضنا امواجا من المهاجرين من اصول اجنبية يفوقون في العدد سكانها دخلوها و استقروا فيها ، لأن الارض هي التي تعطي الهوية للانسان و ليس العكس.
2- الدارجة المغربية جزء لا يتجزأ من الامازيغية
اعتقاد خاطئ و شائع بين ابناء شعبنا و حتى منهم المدافعين عن الامازيغية و هو انهم لا يدركون ان الدارجة المغربية هي دارجة امازيغية ، فرغم ان المظهر قد لا يبدو كذلك ، و لكن من ناحية الجوهر هنالك تطابق بينهما ، و هذا ما يؤكده بناؤها السيمائي و الصرفي ، فالأساس في اللغة ليس مجرد دلالات مفرداتها (دلالة الكلمات)، لأنه لو كان الامر كذلك لا استطعنا ان نجري ترجمات حرفية بين كل اللغات في العالم ، و لذلك فالأساس هو دلالة العبارات أي دلالة الجمل حيث يمكن ان تكون دلالة المفردة ( الكلمة) معزولة لا علاقة لها بدلالتها في سياق عبارة معينة ، فمثلا لنأخذ العبارة التالية بالدارجة * منير كيخدم على راسو * فدلالة الرأس في هذه العبارة لا علاقة لها بدلالة المفردة و هي مجردة خارج هذه الجملة ، و التي تعني عضو من اعضاء الجسمla tête باللاتينية ، فلا معنى ان يعمل منير فوق رأسه ، لذلك فهذه العبارة هي صيغة دلالية تؤخذ في كليتها ، و معناها باللغة العربية ان منير يعتمد على نفسه في جلب معيشته ، يكفي ان نغير حرفا واحدا في هذه العبارة لكي يتغير كل المعنى ، فمثلا اذا غيرنا حرف *على* ب *مع* و قلنا ( منير كيخدم مع راسو ) فستصبح دلالة هذه العبارة هي ان منير منشغل و مجد في عمله .
– اذا انطلقنا من هذا المبدأ ، فسنجد ان هناك تطابقا تاما بين الدارجة المغربية و الأمازيغية أو قل بين الدوارج الوطنية الجهوية و اللغات الجهوية الأمازيغية و لا يوجد هذا التطابق الا بينهما حصرا ، و هذا لا يعني سوى شيء واحد ، هو ان جوهرهما واحد فالترجمة الحرفية من الدارجة الى الامازيغية او العكس تعطينا دائما نفس المعنى : * فمنير كيخدم على راسو * يقابلها بالأمازيغية الريفية * منير اخَدًّمْ خُوزَدجِيف إِنَسْ * و لكن اذا قمنا بترجمتها حرفيا الى اللغة العربية فسنقول * منير يشتغل على رأسه * و هي جملة بلا معنى او لها معنى مغاير، ولنعطي امثلة اخرى : * منير كيخدم مع راسو * يقابلها بالريفية * منير إِخَدَمْ أَكُزَدجِيفْ إِنَسْ * *بقتي فيا * و التي تعني بالعربية * أتألم لحالك * نقول بالريفية * دَقِيمَدْ ذَاكِي * جات معاك هذيك لقميجة * و التي تعني بالعربية *هذا القميص يناسبك* نقول بالريفية * ذُسِيدْ أَكِيضَكْ ذَقْمِيجَاتْ أَنِي * * هاديك الدار عندها ما تقول * التي تعني بالعربية * هذا المنزل جميل * نقول بالريفية * تَدَارْثِينْ غَاسْ مِنْغَاذِنِي * … الخ فهذه العبارات على سبيل المثال و ليس الحصر ، تبين لنا ان هناك تطابقا بين الدارجة المغربية و الأمازيغية في صيغها الدلالية ، بينما لا نجد أي تطابق بين الدارجة و العربية فلا معنى ان نقول ان منير يعمل على رأسه او يعمل مع رأسه او انت بقيت في داخلي ، او هذا القميص اتى عليك ،أو هذا المنزل لديه ما يقول …الخ و هذا يؤكد ان شعبنا المراكوشي كله امازيغي و يتحدث بلغة ارضه حتى و لو كان العديد من ابنائه لا يدركون ذلك .
3- مطلب اعادة الاعتبار للامازيغية لا يجب ان تحكمه نزعة شوفينية
لا يجب ان يتحول مطلب اعادة الاعتبار للأمازيغية الى نزعة شوفينية ، و لا يجب ان يعني معدات العربية او الدين الاسلامي ، فأنا شخصيا ليس لدي أي مشكلة مع اللغة العربية فهي من اللغات العالمية و اعتبرها مكونا ثقافيا و رصيدا مشتركا مهما لكافة شعبنا ، و اعتبر الاسلام دينا عظيما جاء في الاصل لنصرة المظلومين و تكريس قيم الحرية و المساواة و العدل ، و ازالة كل اشكال التمييز العنصري او الحسبي أو النسبي.
– صحيح انه لطالما تم توظيف إيديولوجية قومية عربية مغلفة بخطاب ديني لاستيلاب هويتنا و ثقافاتنا الأصيلة ، و لطالما احتمت هذه الأيديولوجية بالدين الذي يعتبر مقدسا لدى الناس ، للادعاء مشروعيتها ، فينجرون وراءها مقابل احتقار و ازدراء ثقافاتهم الأصيلة خاصة عندما تدعي هذه الايديولوجية ان كل ما لم يصادق عليه الدين في ثقافات الناس فهو بدعة ، و تدعي ان النسب الشريف لا يوجد الا عند العرب و ليس حتى عند كل العرب بل المخصوص منهم القريشيون ، و ان لغتهم هي اللغة المفضلة عند الله ، و أن العقيدة الإسلامية لا يمكن ان تكون قومية الا بقيادتهم لها ، و انحصار مهمة و مسؤولية هذه القيادة في ابنائهم و شعبهم و أن الإسلام هويته عربية …. الخ و تاليا فإن هذه الايديولوجية تقوم على مركزية قومية مشرقية ، تعتبر المشرق هو المركز القومي ، و ما يطلق عليه * بالعالم العربي * هو مجموعة من الهوامش التابعة له، و لا أهمية بتاتا للمكونات الثقافية الأصيلة فهي لا تراها و تعتبرها كما لو انها غير موجودة ، او تنظر اليها باستعلاء و ازدراء و احتقار و لا تعترف بحقها في الوجود و يجب عليها ان تزول و تنصهر في وعائها او في احسن الأحول ان تبقى مجرد مكونات فلكلورية ، شرط ان تعلن ولاءها للنسب العربي و للثقافة المشرقية .
رغم ذلك فلا يجب ان يدفعنا ظلم بعض الناس لنا استغلوا العروبة و الإسلام لكي نتحول الى ظالمين مثلهم ، و نواجه هذه الشوفينية بشوفينية مقابلة ، و لا يجب ان نصدر احكاما عامة عمياء على كل ما يمت بصلة الى اصحاب هذه الايديولوجية ، فلا تزر وازرة وزر اخرى ، فنحن يجب ان نكون ضد الهيمنة و الإقصاء و الوصاية ، و ليس ضد الشعوب و ثقافاتها ، او ندعي ابدا اننا افضل على احد ، و الله يوصينا بذلك مصداقا لقوله تعالى * وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚاعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ * و قوله تعالى * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ*.
و قوله تعالى و { ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ } . ان المطلوب هو تفكيك هذه الايديولوجية و اسسها الباطلةو تبرئة الاسلام الحنيف من كل هذه الأباطيل التي توجه مصير كثير من الناس من منطلق الخضوع للعقيدة و قوانينها المطلقة المقدسة ، و هم لا يدركون تأثير البشر على الأديان و تحريف مضامينها التي حدثت على مر العصور خدمة لمصالح او رهانات زمكانية ، حتى يستطيع تخليص هذه العقيدة مما شابها من شوائب .
4- الاسلام جاء لكل الناس و لا يميز بين اللغات و الثقافات و الأعراق
– الاسلام جاء في الأصل لكل الناس و رحمة للعالمين جاء في مقاصده السامية لتكريس المساواة و ازالة كل اشكال التمييز و جعل اساس التمايز عند الله و ليس عند البشر هو التقوى ، أي من يجتهد اكثر في فعل الخيرات بنية صادقة و بذل التضحيات في سبيل اسعاد الناس و دفع المظالم عنهم و رفع الأذى عن الحيوان و الطبيعة …، بغض النظر عن نسبه او عرقه او لونه و شريعته … مصداقا لقوله تعالى * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ * . و مصداقا لقوله تعالى * لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ * و مصداقا للحديث النبوي الذي مضمونه * لَّاّ فّرّقِّ بّيّنِّ عَّرًّبيٌّ وّلَّاّ اٍّعجّميّ اٍّلَّاٍّ بّْاّلتقوى * فاذا كانت هذه ارادة الله و كانت ارادته ايضا ان يسعى الناس الى التعارف بينهم و اقامة علاقات مبنية على اساس الاحترام المتبادل فكيف يسمح البعض لأنفسهم ان يكرسوا التمييز العنصري باسم الدين و يدعون انهم المفضلون عند الله و يسعون الى الهيمنة على الاخرين و احتقار ثقافاتهم.
– صحيح ان الإسلام جاء بواسطة نبي عربي قريشي هو محمد صلى الله عليه و سلم ، ولكن هذا لا يعني بتاتا ان الاسلام ذو هوية عربية ، او أن الله فضل العرب على الأقوام الأخرى او انه فضل لغتهم من اللغات الأخرى ، فلا فرق بين عربي و أعجمي الا بالتقوى ، و الله وحده الذي يحكم في مسألة التقوى فالرسول صلى الله عيله و سلم كبشري هو من ينتسب الى العروبة ، و ليس الدين الاسلامي فهو كإنسان ذو هوية عربية و ينتمي الى قبيلة قريش و من سلالة هاشمية ، ولكنه كرسول هويته انسانية و رسالته عالمية ، و ما يهم ليست اللغة التي بلغ بها الوحي ، و انما المعنى و الرسالة النبيلة التي يريد ان يبلغها و التي يمكن ان نفهمها بكل اللغات ، و حتى منها لغة الإشارة التي بها يتواصل الصم والبكم فهم ايضا معنيون بهذه الرسالة.
– – ان الرسالة الاسلامية ما جاءت بالعربية الا لكون الرسول صلى الله عليه وسلم من قوم عرب ، و ما أرسل الله من رسول الا بلغة قومه ، مصداقا لقوله تعالى * وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ . و قوله تعالى * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ * ، و الرسالة الاسلامية ليست الرسالة الإلهية الوحيدة ، فلقد سبقتها رسالات و نبوءات الاهية جاءت كل منها على حدة بلغة القوم الذي بعث فيهم الرسول او النبي الذي هو منهم ، و كلها اتت من الاه واحد هو العدل ، و الله لا يفرق بين احد من رسله ، و لا بين لغات عباده، و الله فرق ذلك هو الذي شاء ان لا يخلق الناس و الأمم على شاكلة واحدة ، و شاء ان يجعل الاختلاف في الألوان و الألسنة و الأجناس و الثقافات و الشرائع .مصدقا لقوله تعالى * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * و قوله تعالى * وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً * و قوله تعالى * لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ * فاذا كانت هذه ارادة الله فكيف يسعى البعض باسم الدين الى الغاء هذا التنوع و فرض احاديثهم الثقافية.
5- الاسلام بريء من عقيدة الاكراه و الاقصاء.
– هكذا يتبين ان هذا الخطاب الديني الذي تحتمي به هذه الايديولوجية هو خطاب سياسي بشك كامل لا علاقة له بالدين الاسلامي الحنيف و مبادئه و مقاصد الساميتين ، فالإسلام بريء منها مثلما هو بريء من الخطاب التكفيري الذي يستبح قتل الأبرياء ، و باسمه كذلك يسعى الى فرض نمطه المذهبي و العقائدي و الثقافي بالإكراه على جميع الناس و يعلن الحرب على العالم . و هذان الخطابان كلاهما يتمتحان من نفسن الفكر التطرف التعصبي ، و يقصيان كل من لا يعبر عن انتمائه لهما ، و كلاهما لا يمكن ان يشكلا اساسا لقيام المواطنة الحقيقية في اطار الوطن الذي يشاركونه مع الأخرين ، فالأول يقدم ولاءه للقومية أي الأصل و الجد المشترك، و الثاني يقدم ولاءه للأمة و الجماعة المذهبية و ذلك على حساب الولاء و الانتماء للوطن، و كلاهما يقومان على نظرة مركزية مشرقية لمفهوم الوحدة ، فالأول يعتبر المشرق هو المركز القومي و الثاني يعتبره مركز الخلافة الإسلامية ، و باقي المناطق مجرد ملحقات و توابع لهم ، و ما في ذلك من اقصاء و وصاية على الشعوب .
– انه اذا كانت من غاية نبيلة للإسلام ، فهي اقرار المساواة الكاملة بين الناس ، و الغاء كل ما يتنافى معها من تمييز على اساس اديانهم و مذاهبهم و أعراقهم و ثقافاتهم …الخ ، و كل ما يتنافى مع احترام حقوق الانسان و سيادة الشعوب و ثقافاتها و اقامة علاقات انسانية مبنية على اساس التعاون و التضامن و الاحترام المتبادل ، كما ان الاستقامة مع ارادة الله يجعلنا خلائف في الأرض لا تتحقق الا بقيام مواطن حقيقية تنطلق من الارتباط الوثيق بالوطن و بتراثه و قيمه و خصوصياته ، و مشاركة الأخرين من أبناء الوطن في صياغة و بلورة هويته و مطامحه وفق المبادئ و الأخلاق و الغايات النبيلة التي تتوحد عليها كل الديانات و الثقافات و القيم الانسانية الفضلة رغم كل اختلافاتها في مسألة الخصوصية و ذلك كأساس و لبنة أولى لبناء الانسانية المشتركة الجامعة ، حيث الأجزاء هي التي تشكل الكل ، و حيث الغاية واحدة و الطرق مختلفة
6- الدولة لازالت تتلكأ في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية
-لا بد من التذكير ان الدستور المغربي لـ 2011 رغم كونه قد اعترف بالطابع الرسمي للأمازيغية فانه جعل امر تفعيله مشروطا بإصدار قانون تنظيمي يحدد مراحل تفعيله و كيفيات ادماج الأمازيغية في التعليم و في مجال الحياة العامة ، و فضلا عن ذلك خول هذا الأمر للسلطة المركزية و في أجل غير مسمى : فهي غير ملزمة لا بجدول زمني للإصدار و تفعيل هذه القوانين في اجال محددة ، و من حقها ان تنتظر عقودا و قرونا من الزمن للشروع في ذلك ، او عدم الشروع في ذلك اطلاقا ، كما انها زيادة على ذلك فهي غير ملزمة بمعايير معينة يجب احترامها في شأن مضمون و محتوى هذه القوانين و ذات الصلة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
– رغم مرور زهاء ثمانية سنوات على هذا التنصيص الدستوري فان الدولة المغربية لازالت تتلكأ و تسوف في الشروع لتفعيل هذا الطابع الرسمي من دون اعذار يمكن تفهمها سوى ما يعبر عن غياب الارادة السياسية لديها في هذا الصدد، و استمرار التمييز العنصري وواقع الإقصاء في حق الأمازيغية خاصة ان الأمر لا يتوقف عند هذا التسويف فقط ، فلقد تم اقصاء الامازيغية من مشروع الخطة الوطنية لإصلاح التعليم الذي سيؤطر قطاع التربية و التكوين الى غاية 2030 هذا المشروع الذي قام بإعداده المجلس الأعلى لتعليم سنة 2015 . و هذا يعني ان الأمازيغية ستكون غائبة خلال كل هذه المدة في التعليم ما عدا الاحتفاظ بالصيغة القديمة غير الإلزامية و المحصورة في بعض المدارس الابتدائية و التي تعد ضحكا على الامازيغية وليس تدريسا لها ، خاصة عندما يتم اعتبارها مجرد مادة تكميلية لملأ الفراغ ، زيادة على ذلك يعهد بتدريسها لمدرسين غير متخصصين فيها و لم يتلقوا أي تكوين في شأنها .
– لقد صرح رئيس المجلس الأعلى للتعليم آنذاك ، ان ترسيم الأمازيغية لا يعني ادماجها في التعليم ، و ذلك لتبرير اقصائه ادماج الأمازيغية في الخطة الوطنية لاصلاح التعليم . ثم بعد الردود التي اثارها هذا التصريح و التي نبهته الى انه يتناقض مع نصوص و مضامين الدستور التي من المفروض ان تؤطر توجه المجلس و مشاريعه ، فإنه راح بعد ذلك يغير موقفه ، مبررا ان الأمازيغية غير جاهزة حاليا لبرمجتها في التعليم ان هذه السمفونية التي تدعي * ان الامازيغية غير جاهزة * هي سمفونية قديمة و لطالما تم ترديدها و لازال الامر كذلك لتسويغ اقصاء الأمازيغية ، ولكن ينكشف زيفها حينما يتبين على ان هذا الحكم مبني على الفراغ في ظل اقصاء المهتمين و المدافعين عن الشأن الأمازيغي من اطارات و فعاليات و باحثين و الذين يؤكدون عكس ذلك . كما انه حتى و لو افترضنا جدلا ان الأمازيغية فعلا غير جاهزة ، فالسؤال المطروح : ما الذي قامت به الدولة من مجهودات في هذا الصدد من اجل بلوغ تأهيل الأمازيغية ؟ الجواب لا شيء يستحق الذكر . وسؤال اخر يطرح نفسه ، هل كلفت الدولة المغربية نفسها عناء استشارات المهتمين بالشأن الامازيغي و اشراكهم في رسم خطة وطنية و خارطة طريق من اجل العمل على تفعيل الطابع الرسمي لأمازيغية وفق جدول زمني محدد ؟ الجواب لا شيء غير التلكؤ و التسويف .
– هكذا يتبين ان الإقرار الدستوري لترسيم الأمازيغية لا يعني تحققها على ارض الواقع لا سيما مع وجود بنود اخرى تعطي كامل الصلاحية للسلطة المركزية لتعطيلها ، او صياغة مثل هذه القوانين التي من المفروض ان تدخل في مجال الثوابت الوطنية، فالسياسة اللغوية يجب ان تدخل في اطار العقد الاجتماعي الذي يجب ان يتوافق عليه المجتمع بمختلف مكوناته. و العقد الاجتماعي هو اسمى من الحكومة و سابق عليها ، و السياسة اللغوية يجب ان تكون من الثوابت التي لا يحق لأية حكومة التصرف فيها ، لأن الحكومة لا تمثل سوى جزء من المجتمع و ليس كل المجتمع.
7- خاتمة
-لازال هناك الكثير ما يقال عن الامازيغية لا يسع المجال لتناول مختلف جوانبها ، ولكن اود التأكيد على ان اللغة المعيارية الأمازيغية الموحدة لا يجب ان تكون بديلا او تفنينا عن اللغات الجهوية مثل الريفية و الشلحية و السوسية … الخ ، مثلما هي علاقة اللغة اللاتينية الموحدة مع باقي اللغات التي تفرعت عنها كالفرنسية و الإيطالية و البرتغالية و الكتالانية و الباسكية … الخ كما انه يجب الحديث عن التدريس بالأمازيغية و ليس الاكتفاء بتدريس الأمازيغية … و اخيرا و ليس اخرا نود ان نشير ان الأمم المتحدة اعتبرت هذه السنة 2019 سنة اللغات الأصيلة و من بينها الأمازيغية و هي مناسبة لتوحيد الجهود بين مختلف المدافعين و المهتمين بالشأن الأمازيغي من أجل اعادة الاعتبار لها بشكل حقيقي و ليس ابقائها مجرد مظاهر فلكلورية او عناوين جدارية تزيينيه لذر الرماد في العيون .
سنة 2969 سعيدة و متمنياتنا ان يدخلها الله علينا بالخيرات و البركات و بمزيد من التضامن و البذل و العطاء، في سبيل ما فيه الخير للانسانية جمعاء و كل عام و انتم بألف خير
محمد جلول بتاريخ 08/01/2019