صدر قرار المحكمة الابتدائية لتيزنيت بحجب تسعة (09) مواقع إلكترونية لعدم ملائمة وضعيتها القانونية مع القانون رقم 13.88 (تيزنيت نيوز – أخبار الجنوب – تافروات 24 – ماروك دايلي – تربويات – تيزبريس و إفني نيوز ) .. كما حجزت للتأمل ملفي موقع ” تيزنيت 37 ” وصفحة “سطاسيون 23” الالكترونية.
فمن المؤسف، بل من المؤلم أن نسمع في غمار ظروف جائحة كورونا كوفيد 19، التي تعبئ الجميع لمواجهتها في ظل ظروف حالة الطوارئ الصحية، التي تحصر نشاط كافة السلطات، بما فيها السلطة القضائية، في كل ما يتعلق بهذه الجائحة، وفي تدبير الطوارئ.
فتصدر في هذه الأجواء، أحكام بتجميد وتعليق 9 مؤسسات إعلامية الكترونية دفعة واحدة. فتقطع بذلك الصلة بين المواطنين ومصدر المعلومة و بين ممارسة حقهم في الإخبار، وتتبع أحوالهم الاستئنائية، وذلك، بناء على طلب النيابة العامة، تحت مطية عدم احترامها لمقتضيات القانون رقم 88.13 في الباب المتعلق بالملائمة.
لكن تعميق النظر في تدبير معنى الملائمة يقصد منه الحرص على تطابق الأوضاع وتلائمها، حتى تكون منسجمة ومتناسقة مع الأهداف المتوخاة من التشريع.
وكنت دائما أظن أن هناك علاقة جدلية بين القاضي والمجتمع، تخضع لمبدإ نسبية القوانين، وتأثر باستمرار على ذهنية القاضي، التي هي ذهنية خاصة، في علاقتها مع العقلية العامة للمجتمع.
فإذا تغيرت هذه الأخيرة بحكم تطور التاريخ يحصل تغيير مماثل في عقلية القاضي. ولا يشك أحد في أن الدستور الحالي أحدث تغييرا عميقا وجوهريا في ذهنية وعقلية المجتمع، وبالخصوص في مجال الحريات. فكان من المفروض أن نتلمس ذلك في عقلية القاضي، حتى لا يبقى الدستور مجرد سحابة صيف عابرة، تتبخر تحت تأثير القوى المضادة.
في هذا الإطار، لا بد من استحضار أن الأمر يتعلق بحقوق قائمة ومتقاسمة مع الجمهور والرأي العام الذي يطمح إلى الحصول على المعلومة المتعددة المصادر، ويتعطش إلى الإخبار والحق في التواصل.
فمن جهة، فقانون رقم 88.13 لا يمكن تطبيقه بأثر رجعي. وكل ما يحمله من مقتضيات تلزم الفاعلين في مجال الصحافة الالكترونية أو الرقمية اتخاذ تدابير لإعادة هيكلة مؤسساتهم شكلا ومضمونا، حتى تتلائم مع المقتضيات الجديدة الواردة في القانون.
ومن جهة ثانية، فإن الملاءمة تعني المواكبة والمصاحبة والمؤازرة إلى حين إقرار الأوضاع القائمة على الشكل الملائم كلية للإطار القانوني الجديد.
فإذا كان الهدف الأساسي من مدونة الصحافة والنشر الجديدة، وخصوصا ما ارتبط بقانونها رقم 88.13 المتعلق بالصحافة الإلكترونية، هو ربط نشر المعلومة الرقمية بالمحاسبة القانونية والضبط الأمني للمشهد الإعلامي الرقمي، فقد كان أولى وأجدر التفكير في إقرار آليات قانونية منصفة لهذه المواقع الإلكترونية الرائدة محليا وجهويا وتمكين هذه المؤسسات الإعلامية من مداخل متاحة وميسرة للاستمرار في مسار النشر الإلكتروني، اعتمادا على شرعية أقدمية المواقع التاريخية، وأيضا اعتمادا على التزام إدارة هذه المؤسسات بأخلاقيات وقواعد النشر والصحافة.
ولا يمكن أن يتخذ مفهوم “الملائمة” كمطية لهضم الحقوق أو تصفية مؤسسات إعلامية بكاملها، فيما يشبه تشييعا جنائزيا لتجارب محلية، كان لها باع طويل في مأسسة الإعلام البديل بالمنطقة.
ومن جهة ثالثة، فإن الأمر يتعلق بمؤسسات إعلامية قائمة منذ أزيد من عشر سنوات، فنسجت حولها عدة شبكات وقنوات لتلقي وتصريف المعلومة والتحقق منها والتأكد من صحتها وتناولها تجاه الجمهور.
ومن تم، فهي مؤسسات تلعب دورا في النسيج الاجتماعي والاعلامي للمنطقة، ويصعب اختزال حقها في الوجود في عدم استكمال شروط الملائمة.
ومن جهة رابعة، فإن تعليق أو تجميد هذه المؤسسات فيه مساس بحقوق المواطن في الإعلام، الذي تعتبر هذه المؤسسات جزءا منه ومصدرا له.
إضافة إلى أن تجميد نشاطها قد يؤدي إلى إلغائها، وحرمانها من مكا سب ومن رصيد تحقق على مر سنين، وما ترتب عن تفاعله من تراكمات في مجال اكتساب المواطنة وتثمين التراث والتفاعل مع نبض المجتمع.
وأخيرا، فإن عدم استكمال شروط الملائمة، لا يعني إنزال السيف على أعناق المؤسسات الإعلامية التي تأخرت، وخنقها حتى تلفظ أنفاسها، بقدر ما يتطلب الأمر ما تقتضيه ضرورة المواكبة والليونة والتبسيط بغاية تحقيق الملائمة بجميع مراحلها، باعتبارها مسارا ينطلق من وجود حقوق قائمة ومؤسسة في ظل المشروعية، وبحسن نية.
ويتطلب الأمر تطوير هذه الحقوق وتطويعها لتكون ملائمة مع الأهداف التي يتوخاها المشروع الجديد.
فمن تم، لا يستساغ إلغاء المؤسسات واعتبارها كأنها لم تكن. مما يفقد الإجراءات القضائية المتخذة أوجه حكامتها، وحتى انحرافها عن المسار السليم الذي يحفظ للمكتسبات كيانها ووجودها، خصوصا لما يكون هناك ارتباط بحقوق المواطنين في علاقتهم مع وسائل التواصل وتداول المعلومة وتأمين وسائل التعبير الحر وممارسة الصحافة.