أعلن المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث في بلاغ صحافي أن النقيشة التي اكتشفت في منطقة الولجة، سيدي عابد، دكالة (نواحي الجديدة) أن “استنادا إلى فحص الصور الذي أجراه السيد عبد العزيز الخياري، أستاذ بنفس المعهد ومتخصص في الكتابات القديمة، أن “الحجرة هي شاهد قبر يحمل نقيشة جنائزية عبارة عن سطر عمودي ومكتوبة بالحروف الليبية ……. (وهي الحروف التي كتبت بها اللغة الأمازيغية قديما والتي اشتقت منها حروف “تيفيناغ”). وتنتمي النقيشة المذكورة إلى الحقبة القديمة السابقة على مجيء الإسلام، وهي مشابهة من حيث نوع ومميزات الأبجدية الليبية المستعملة فيها لنقائش أخرى عثر عليها سابقا بكل من عين الجمعة (في الجنوب الغربي من الدار البيضاء) وسيدي العربي بضواحي المحمدية والنخيلة بمنطقة سطات وسوق الجمعة بمنطقة المعازيز، إلخ.”
لي على هذا البلاغ ملاحظات، وهي:
(1) أنه يحسم بشكل نهائي في مسألة أصالة نقيشة الولجة وقدمها. لم أكن شخصيا متشككا في أصالتها لأني كنت على علم بانسجام نوعية الخط المستعمل، وبالإنسجام الدلالي للنص المكتوب، وبالترابط الفيلولوجي بين الكلمات المستخدمة في النقيشة وما نعرفه عن حالة الأمازيغية اليوم، وبانسجام المضمون مع المحيط …
(2) يرى المعهد أو من يمثله أن الأمر يتعلق بنقيشة “جنائزية” لكنه لا يقدم أي دليل فيلولوجي على ذلك. ربط النقائش في غرب منطقة شمال إفريقيا ب”الجنائزيات” مجرد إسقاط لما يعرفه العلماء عن التراث المصري القديم على تراث شمال إفريقيا .. ليست هناك أية نقيشة حللتها فيلولوجيا في هذه المنطقة تحتوي على مضامين “جنائزية”.
(3) يحمل البلاغ تناقضا بين ادعائه بأن الصخرة “شاهد قبر يحمل نقيشة جنائزية” وبأن اللغة الأمازيغية القديمة لا تزال معرفتنا بها ” جد محدودة” … فكيف أدرك المعهد بأن النقيشة “جنائزية” رغم “محدودية معرفته” بالأمازيغية القديمة … اللهم إذا اكتشف المعهد مقبرة أو آثار مقبرة في السياق الأركيولوجي للصخرة، وهذا ليس صحيحا لأن الصخرة موجودة في سياق فلاحي رعوي وليس في سياق جنائزي.
(4) الإدعاء بأن الأمازيغية القديمة “غير مفهومة” أو “غامضة” ليس صحيحا. الأمازيغية القديمة مثل الإسلندية لغة جد محافظة وقريبة جدا للأمازيغية المعاصرة. فلا نحتاج لفهم النقائش الأمازيغية القديمة سوى لفهم جيد لتوزيع متغيرات تيفيناغ القديمة الجغرافي، وتمكن جيد من التراكم الإيپيڭرافي المختص بهذه النقائش، و(وهذا هو الأهم) تمكن جيد من التحليل الفيلولوجي للنصوص الأمازيغية القديمة ــ وهذا عمل اللسانيين الذي لا علاقة له أصل بالمعاهد الأركيولوجية … دور الأركيولوجيا هو الإكتشاف (وهو ما لم يقم به المعهد الوطني أصلا لأن الإكتشاف هو لفلاح من دكالة وليس للمعهد)، والتحقيب والتصنيف والحفظ .. يكفيها ذلك شر القتال “الفيلولوجي”.
(5) النص المنقوش على صخرة الولجة واضح لا غبار عليه ومعناه هو: “يوجد (هنا) جبن دسِم” … النص يتحدث عن عالم الأحياء لا عن عالم الأموات والجنائزيات.