الفنّان والأستاذ موحى ملال في حوار مع “العالم الأمازيغي”:
فخر لنا أن نؤسس لفن أمازيغي راقي يمزج بين الموسيقى العالمية والإيقاعات والنبرة المحلية
“فعلت كل ما بوسعي لزرع الرؤية المعاصرة في الأغنية الملتزمة بالجنوب الشرقي وجلب كل الشباب المهتمين لمحاولة إنتاج أغنية أو ألبوم تم تتبع العملية إلى حدود الإنتاج النهائي” هكذا تحدث الفنان الأمازيغي، الرسام والأستاذ محمد ملال المعروف بـ”موحى ملال” ببساطته وعفويته المعهودة في هذه النافذة مع جريدة “العالم الأمازيغي”.
وأضاف ملال:” كان فخرا لنا جميعا ان نؤسس لفن أمازيغي راقي يمزج بين الموسيقى العالمية والإيقاعات والنبرة المحلية من عمق الأطلسين الكبير والصغير والكلمة الملتزمة”. واعتبر أنه “بهذا التوجه استطاعت فرق الجنوب الشرقي الموسيقية أن تفرض نفسها في الساحة رغم كل الإكراهات والفترة الزمنية القصيرة التي ظهرت فيها”.
وقال إن “هذه الفرق بقيت في التزامها بالقضية الأمازيغية رغم التراجع الملحوظ في مناطق تمازغا الأخرى”، ويعود السب حسب ملال إلى ” كون مناطق الجنوب الشرقي أكثر تهميشا من المناطق الأخرى جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا” ومجموعة من الإكراهات الأخرى التي عددها في الحوار التالي.
حاوره/ منتصر إثـري
نبدأ معك بالسؤال الكلاسيكي، كيف تقرب القراء أكثر من الفنان والرسام والأستاذ موحى ملال؟
محمد ملال المعروف بموحى ملال، من مواليد 1965 بقرية تملالت ببومالن دادس عمالة تنغير. مجاز في تاريخ الحضارات. أستاذ الفنون التشكيلية مند 1989 بمنطقة شيشاوة تم ورزازات. مكلف مند 4 سنوات بالموارد الرقمية بمصلحة الاتصال بمديرية التعليم بورزازات. جامع لمجموعة من أشكال الفن والإبداع الأمازيغي كالرسم والصباغة و الشعر و الموسيقى و الغناء و الكتابة و النقد في المجال السنيما و التشكيل.
من الإنتاجات: 11 البوم موسيقي – ديوانين شعريين ( Anzwumو Afafa)
- كتاب تاريخي تحت عنوان: الفنون التشكيلية في المغرب، رؤية تأريخية نقدية – مجموعة من السيناريوهات (لأفلام قصيرة وطويلة و مسلسل واحد)
تحدث لنا عن البدايات، إكراهاتها وتحدياتها والدرب الشاق إلى أن أصبح ملال نبراسا وأستاذا للفرق الموسيقية بأسامر؟
بدايتي كانت بقريتي الصغيرة تملالت، قبل دخولي إلى المدرسة الابتدائية ومند الخامسة من عمري كنت ارسم ببراعة. بل انشغلت برسم البورتريهات بكل ما توفره الطبيعة من فحم وأوراق الأشجار والنباتات وأوراق مستقاة من أكياس الإسمنت و الجبص. كانت القرية معزولة تماما عن العالم الخارجي بحيث لم يمر بها أي طريق. الطريق الوحيد هو ممر شديد الوعورة للراجلين فقط، يربط القرية بالسوق الأسبوعي بمركز بومالن دادس و يبعد حوالي 15 كلم، لشدة وعورته و خطورته كان اهل القرية يسمونه ب-جوجد الكفن- أي : أوجد (هيئ )الكفن. لأن نساء القرية والعجزة ينتظرون الذاهبون إلى السوق وغالبا ما يسقط بعضهم وقد يموت ويُحمل في الكفن. هذا هو الطريق الذي سأسلكه لمتابعة دراستي في الإعدادي ببومالن دادس يوميا لمدة سنتين حيث غادر كل أولاد القرية المدرسة بعد حصولنا على الشهادة الابتدائية واضطرارنا للذهاب على ارجلنا مجتازين فج جوجد الكفن مند الخامسة صباحا والعودة بعد السادسة في الظلام خاصة في أيام الشتاء والبرد وسقوط الثلوج. كان الرسم هو من جعلني اتعلق بالمدرسة إد لن اتحمل الابتعاد عن الورقة والقلم، كثير من الأساتذة يشجعونني على الرسم، بل يأتونني من مدنهم بالصباغة والفرشاة وأوراق الرسم الحقيقية، كنت مشهورا بين التلاميذ والأساتذة بالرسم و كنت أملأ الطاولات ببورتريهات الأساتذة و التلاميذ.
كنت اتمتع بالسير يوميا 30 كلم بين القرية و الإعدادية تم الثانوية رغم وجود الذئاب و الثعالب و قلق امي المتزايد، إلا أن هذه المتعة في السير كانت توفر لي جوا من التفكير و الخيال الحر و كنت املك كل الوقت لخلق عالم سريالي خاصة و أنني احب القصص المصورة التي كان ابي يٌحضرها في عمله بشركة معادن اجنبية بمنطقة بوسكور مند صغري، و قد تكون مصدر تعلقي بالرسم بطريقة جعلتني أمتلك مهارة مبكرة في الخط الفني الذي سيجعلني اعطي دروسا في الرسم في كليات الرسم التخطيطي بسويسرا خلال سنوات ابتداء من 1998، وتم اختياري لتمثيل المغرب سنة 1991-و 1992 في محترفات بمدينة كرونوبل الفرنسية. بل سأغادر الكلية للتفرغ لمادة الفنون لأتخرج كأستاذ لهذه المادة.
ــ هذا في مجال الرسم وماذا عن المجال الموسيقي؟
الموسيقى، رفيقي الثاني بعد الرسم مند صغري، حيث صنعت آلاتي الأولى وغنينا، بل حفظنا كل أغاني ناس الغيوان و المشاهب و إزنزارن. مند 1983 و أنا في الثانوي ببومالن دادس بدأت اكتب كلماتي الأولى و كنت أنا و بعض الأصدقاء في القرية نغني مند صغرنا كفرقة و نقضي ليالي العطل في كهف غير بعيد من المنزل نغني حتى الصباح, تم بدانا نسجل كلماتي و الحاني على اشرطة الكاسيط ما بين 1984 و 1990 حيث لا زلت أحتفظ بأكثر من 12 شريط كاسيط من 90 متر تحمل أكثر من 45 أغنية من كلماتي و ألحاني و عزفي مع أصدقاء مختلفون بالقرية، كما أنني احتفظ بالدفتر الذي كنت أدون فيه كل الكلمات و الرسومات مند 1985 حيث كنت طالبا في كلية اكادير و مكتشفا للحس الأمازيغي أكثر مع اكتشافي لتيفيناغ على رسائل كان بعض الأصدقاء من دولة مالي يتوصلون بها من امهاتهم. إلى جانب بعض الدروس المبرمجة في مناهج الدراسات التاريخية التي كنا نتلقاها في مدرجات الكلية و التي يٌقصد بها استفزاز و الاستهزاء بالأمازيغ كما هو الحال بنصوص مستقاة من كتاب : الاستقصاء… للناصري.
من المدرج بدأت أكتب اشعارا تحمل هم الهوية الأمازيغية، ومع بداية انجذابي لأغاني إيدير وايت منكليت بدأ مشواري الهوياتي في اللحن والكلمة إلى يمنا هذا.
ـ متى أصدرت أول ألبوماتك الغنائية أقصد الاحترافية؟
1992 ستشهد أول ألبوم لي بطريقة احترافية -اسيف ندادس 1- والذي تعرفت من خلال إنتاجه على كل المشاكل التي تصاحب العملية الإبداعية في الموسيقى وإنتاجها. هكذا وبمساعدة إخوتي خلقنا استوديو صغير بمعدات يصعب الحصول عليها آنذاك وكذلك التعرف بسهولة بخبايا تقنيات التسجيل والمونتاج والإنتاج. أنتجنا الكثير من الأغاني مع مجموعة هائلة و مبدعة في المجال الموسيقي بورزازات أمثال مبروك عبد الحق عازف الساكسوفون و الكلارينيت و مختلف أنواع الناي، محمد بولغال عازف على آلة الأورك, سعيد مراد على آلة القيثارة إلى جانب فريد أمسكان و كمال بواللوز، يونس قرشيو على آلة الباس و بعده محمد ماجود، مصطفى جبراوي في كل ما يتعلق بالإيقاعات.
شاركنا في أكبر المهرجانات بالمغرب كتيميتار وموازين و طنجاز و فيزا فور موزيك … إلى جانب مشاركات بالخارج، كفرنسا و بلجيكا و جزر الكاناري و إيطاليا وهولاندا.
ـ جل إن لم نقول كل الفرق الغنائية “بأسامر” ساهمتم وساعدتم في بروزها وخروج ألبوماتها وأغانيها إلى الوجود ما سر هذا السخاء إن جاز التعبير؟
فعلت كل ما بوسعي لزرع الرؤية المعاصرة في الاغنية الملتزمة بالجنوب الشرقي وجلب كل الشباب المهتمين لمحاولة إنتاج أغنية أو ألبوم تم تتبع العملية إلى حدود الإنتاج النهائي بمدينة الدار البيضاء بمساعدة صديق الأغنية الأمازيغية بالجنوب الشرقي، إبن مدينة اكادير ماس صالح اكرام (إثري موزيك) الدي لولاه قد لا تولد اغنية الجنوب الشرقي الملتزمة. هكذا ظهر أسلوب Amun styl و حمل المشعل تلة من المبدعين أمثال: مبارك اولعربي, عمر ايت سعيد , مصطفى الوردي, تاكراولا, أمناي, تاواركيت، انكمار، تانالت، تيغرمت، تاسوتا نيمال، تاروا نتينيري، إيمودا…
“فعلت كل ما بوسعي لزرع الرؤية المعاصرة في الأغنية الملتزمة بالجنوب الشرقي”
كان الأستوديو بمثابة مدرسة نتعلم به اتناء التسجيل أشياء كثيرة وكنا نناقش الهم الأمازيغي والإبداع وفرض الجودة في الكلمة واللحن و الأداء و التعرف على أدبيات الإنتاج بصفة عامة.
جل الفرق التي تتلمذت على يد ملال تغني بجرأة وبشجاعة حول معاناة وهموم ومشاكل الأمازيغ وتوجه انتقادات حادة حول التهميش الذي يطال الأمازيغ لماذا؟
كان فخرا لنا جميعا ان نؤسس لفن أمازيغي راقي يمزج بين الموسيقى العالمية والإيقاعات والنبرة المحلية من عمق الأطلسين الكبير والصغير والكلمة الملتزمة.
بهذا التوجه استطاعت فرق الجنوب الشرقي الموسيقية أن تفرض نفسها في الساحة رغم كل الإكراهات والفترة الزمنية القصيرة التي ظهرت فيها. بقيت هذه الفرق في التزامها بالقضية الأمازيغية رغم التراجع الملحوظ في مناطق تمازغا الأخرى. وقد يعود السبب إلى:
- كون مناطق الجنوب الشرقي أكثر تهميشا من المناطق الأخرى جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا …
- غياب فرص العمل- غياب الكليات والجامعات – غياب المهرجانات- غياب تشجيع الإبداع- غياب المركبات الثقافية المفعلة…
- هي الفرق الأقل مشاركة بالمهرجانات
- لا تُبت أغاني الجنوب الشرقي على الإذاعات الوطنية والخاصة وكدا القنوات التلفزية. بل تم إبعادها باعتماد التقسيم الإذاعي إلى ما هو من : الأطلس المتوسط و سوس و الريف.
- الى جانب كون المبدعين الأمازيغ في الأغنية الملتزمة بالمنطقة كلهم مثقفون (طلبة وموظفون) وواعون بكل التربصات التي تعرقل تنمية الأمازيغية بمناطقها وساكنتها…
بصفة عامة كيف ترى واقع الفن الأمازيغي وما الذي ينقصه اليوم؟
اليوم تغيرت مجموعة من الأشياء تهم الفن و الإبداع الأمازيغيـ، يبدو أن ما تبقى من الفرق الموسيقية و الفنانين في مجالات أخرى كالمسرح و التشكيل و السنيما بدأت تنصهر في الصورة المسوقة لها بقوة وبدأت تفقد خصوصياتها و لمستها الخاصة التي كانت تزودها بالقوة، إد غادرت الساحة جل الفرق نظرا لظروف مختلفة منها مغادرة كل فرد نحو مقر دراسته أو عمله أو نحو الخارج مما يجعل الاستمرار في العمل الجماعي مستحيلا، مما سينتج عنه الاستمرار الأحادي في الإبداع، أي أن الفنان يفضل العمل لوحده بدل المجموعة نظرا للصعوبات في الالتقاء و التمارين و توحيد الأفكار و الولوج إلى المشاركات بأفراد كٌثر. كما أن الالتزام وقوة الكلمة والبحث المعمق في الموسيقى أصبح غائبا في جل الأعمال الجديدة. وكنتيجة لقد تراجع مستوى الأغنية الأمازيغية الثقافية بكل تمازغا في وقت نحن بحاجة إليها لإكمال المسار الكبير الذي قطعته والمكتسبات التي حققتها مند البداية.
ما هي نصيحة الأستاذ ملال للفنانين الحاملين لهموم القضية الأمازيغية؟
كنصيحة لكل فنان أمازيغي يحمل هم هويته الثقافية أقول: استمروا في الإنتاج بجودة وبمتعة، فأفضل الفنون ما أنتج في ظل التهميش.
“أفضل الفنون ما أنتج في ظل التهميش”
تبرز الأمازيغية أيضا في لوحاتك الفنية وتبدع في هذا المجال ما الفرق بينه وبين الموسيقى والغناء بالنسبة لموحى ملال وأين يجد راحته أكثر؟
إذا كانت أغانيي هي الصوت المخفي خلف فلسفتي الحزينة، فلوحاتي هي مرآة تعكس الجانب الجمالي لمخيلتي المتفائلة.
درست تاريخ الفن العالمي وفلسفة الفن ورسمت مند نعومة أضفاري تم استقرت فرشاتي على اكتشاف جمال الثقافة الأمازيغية التي لا زلت اسبح بداخلها واكتشف اغوارها العذراء بكل الأساليب والتقنيات دون أن ابالي بالمفاهيم الحدودية كالواقعية و التشخيصية و التجريدية و لا بكل أسماء المدارس الرنانة، استمتع بالتعبير عما اريده و ما أومن به بطرقي الخاصة و ابحث عن لذة اللون و اللمسة في أزياء و وجوه من ثقافتي و لغتي و هويتي لا غير.
كيف يدبر الأستاذ ملال وقته بين التدريس والموسيقى والرسم والعمل المدني والعائلة؟
فيما مضى كانت الأشياء مرتبة بطريقة طبيعية وبدون مجهود، ما أفعله هو انني كنت استمع إلى إحساسي وألبي رغبة الإبداع في وقته، فكنت ارسم واكتب الشعر وألحن الكلمات واجمع فرقتي الموسيقية قصد التمارين وأسجل للفنانين الآخرين وأعمل كأستاذ بإخلاص دون ادنى مشكل.
“أفكر في التقاعد النسبي حتى أتفرغ لكتابة سيناريوهات وأفكار جديدة”
لكن الآن يصعب التوفيق بين كل هذه الأشياء خاصة ان بعض النماذج الإبداعية قد أضيفت للأجندة التي أصبحت مليئة. انضافت الكتابة والنقد في مجال التشكيل والسنيما، والرسم باللوحة الذكية وتعليم البعد الثالث في الرسم والتحريك إلى جانب التحاقي بمديرية التعليم وتكليفي بالموارد الرقمية حيث أنتج كابسولات و ريبورتاجات كثيرة و تسيير محترفات لإنتاج الفيلم القصير و كتابة السيناريو و الستوري بورد و غيرها من المجالات المتعلقة بالصورة، و التي انوي المساهمة في النهوض بها أيضا.
لكنني أبدع دائما وأستمر في إنتاج الأغاني واللوحات بينما ابتعدت عن التسجيل للآخرين مع ظهور استوديوهات مجهزه وإمكانية خلق كل فنان لأستوديو منزلي خاص مع توفر المعلومة للتعليم أو العمل عن بٌعد.
مع انني أفكر بعد سنة في التقاعد النسبي حتى أتفرغ لكتابة سيناريوهات وأفكار جديدة وسيرة ذاتية و خلق إنتاجات فنية مختلفة بل العمل مع المهتمين بالصورة و السنيما لخلق انتاجات بجودة عالية و بتنافسية إبداعية.
ـ كلمة حول الفنان الراحل مبارك اولعربي؟
امبارك أولعربي شعلة لن تنطفئ ابدا، فنان لم تشاء الأقدار أن نستمتع أكثر بفنه الراقي. لو بقي بيننا لكان مسار الأغنية الأمازيغية في منحى تصاعدي دائم، وقد لا نشهد هذا الركود بعبقريتيه وذكائه وتواصله الدائم مع كل النشطاء والمبدعين وغيرهم. إن فقدانه لخسارة كبيرة لعائلته ولأصدقائه وللثقافة الأمازيغية بصفة عامة.