من يخطط لتكميم التعبير المغربي على الفضاءات الاجتماعية (باستعمال قانون ضبطي قمعي) في وقت هذه الذروة التواصلية الشعبية تحت الحجر وتحت ضغوطاته الاجتماعية والاقتصادية؟
هل هي الحكومة؟ باعتبار انها من يضع مشاريع قوانين ويقايسها حسب سياقات سياسية عنوانها ضمان وصول سليم للحزب الاغلبي إلى الانتخابات البرلمانية بسلام…هي نفس حكومة ذات الحزب، من حاولت في أول عهدها “تلجيم” القنوات التلفزية العمومية بقصة دفاتر التحملات لكنها فشلت أمام ضغوط لوبي اعلامي “مركزي مخزني” انتفض عبر قنواته الاعلامية والسياسية والبرلمانية ليشل هذا المخطط التحكمي في مهده… لن ننس انها محاولات حكومية ضبطية جاءت في سياق الربيع المغربي وسياق انتعاش الإعلام الإلكتروني فكان من جهة تجييش لذباب إلكتروني موالي، مقابل تقزيم ممنهج للإعلام المقابل.. نفس الجهات التي انتفضت ضد مخطط دفاتر التحملات كانت تقريبا هي نفسها من مولت “ذباب” معارض وهي من خاضت حرب حماية صرح الاستثمار الاقتصادي المركزي ضد “المقاطعة الاقتصادية” التي استهدفت كبار المستثمرين الإعلاميين..
هل هي الدولة في بعدها المركزي فوق-حكومي؟ تلك الاذرع الاقتصادية للمخزن التي استولت على وسائل الإعلام فطوقت التلفزة (ومنعت استثمارات خاصة فيها) وكممت القنوات الإذاعية (واستقرت خلفها وزيفت معطى تحريرها) ومسكت الجرائد الورقية من امكنة حساسة zones érogènes وهي الاشهارات الجرائدية واخضعت استثمارات الصحافة الورقية لرهاب الشركات المستشهرة publicitaires ووحشها المركزي المسمى GAM او groupement des annonceurs du Maroc
وعندما فشلت هذه الاذرع في تطويق الإعلام الأزرق المفتوح وتطويق المدونين والقنوات الإلكترونية غير المقيدة مؤسساتيا ولا حزبيا ولا استثماريا (شبيهة بمخلوقات aliens زئبقية وغير قابلة للتقييد التقليدي).. وبعد تلك النذوب والجروح التي أصابت تلك الاذرع الاستثمارية بعد ضربات المقاطعة الموجعة…. شمرت هذه الاذرع على ساعديها واشتغلت وراء كواليس الحكومة لتحريك آليات كبح “المغرب الإلكتروني” الفوضوي، والذي تآلفت قلوب مكونات الدولة حوله: الاحزاب والنقابات متضررة منه، المجالس الوطنية لحقوق الإنسان وللصحافة تعاني من وقع انتقاده، الحكومة تنزف تحت وقع ضرباته، لوبيات الاقتصاد جربت حرب العصابات التي شنها “ذباب مجهول الهوية”..
هناك ترابطات خطيرة الآن جعلت القائمين على تكميم وتمطيط التواصل المغربي يرزحون تحت وطأة العبثية في مواجهتهم لهذا “الانحلال التواصلي الكبير” la grande dégénérescence
غير مسموح في نظر الدولة طبعا، ان نكشف “عورات” الدولة وهي تصارع جائحة كورونا بامكانيات لوجيستيكية محدودة (130 كشف في اليوم مقابل 10000 كشف في الساعة في ألمانيا).. ففي الوقت الذي ينتج الإعلام “الوطني” ايديولوجيا الدولة (الناجحة، الضرورية، القوية، الشاملة في تغلبها الوشيك على الازمة) أصبح غير مسموح ابدا ان يطرح المغاربة أسئلة نجاعة الدولة، واستقامة رجالها (القواد والمقدمين) وأسئلة حيال صرف أموال الصناديق وشفافيتها وأسئلة بخصوص من له الحصرية في صناعة الكمامات اليوم واللقاحات غذا… الدولة في الازمة تضع الإطار المرجعي للتواصل الجماهيري الذي سيمثل خطرا ان تم تحريره او عدم تكبيله وضبطه… لا حرية في التعبير الا في إطار المصلحة الفضلى للدولة. Valeur suprême de l’Etat
غير مسموح ايضا ان يخرج معارضون سابقون “غير منضبطين” إعلاميا (صحافيون سابقون) و”غير منضبطين” حزبيا ونقابيا (يساريون واسلاميون متطرفون) وغير منضبطين ايديولوجيا (مريدي جماعات خارجة كالعدل والإحسان) وان يفلتوا كلهم من عقال التحكم الاعلامي التقليدي ليصنعوا اعلامهم بانفسهم (تدوينات رأي، مدونات، مواقع، مجموعات، قنوات…) من دون أن يكون للدولة ولوجيات ضبطها accessibilité de régulation
غير مسموح ان نصور الدولة ونصنع عليها رقيبا جماهيريا وهي التي تلعب حصريا دور الرقابة
غير مسموح ان نطعن في ذمم رجالات السلطة ونتهمهم بسرقة تفاح المغاربة… وغير مسموح ان نقاوم “عجز الدولة المحتمل” بخذلان محتمل لاحترام رموزها.
اظن ان من يمنع “فيلما” يساهم بغير ارادته في الترويج له. ومن يمنع شيئا يزيد الرغبة فيه.
وهذا ما يقع اليوم مع مشروع قانون الحكومة 20 20
ناورت الحكومة باستشارات واسعة مع متخدي قرارات أعلى وخططت في إطلاق بالون اختبار بخصوص مشروع قانون 20 20 او ما يسميه معارضوه covid 20..اقول بأنه بالون اختبار يفسره “تسريب متعمد للمسودة” واشك انه تسريب بفعل فاعل… المراد منه “مقايسة” ارادة الدولة في ضبط الانترنيت وفي نفس الوقت ضربة من تحت حزام شنها من يملك (مشروع الذباب الإلكتروني) ضد مشروع مركزي مخزني ضبطي..
المستهدف اخيرا ليس نيبا، ولا سينا، ولا تحفة، ولا حتى أشباه الحمداوي ولا خالد الجامعي ولا ذلك المدون المثقف المعارض… فالدولة لا تخاف اليوم سوى من نجح في تجييش المغاربة على اتصالات المغرب وصاحبها، وأفريقيا غاز وصاحبها، وسيدي علي وصاحبتها، ومن سبق وجيش شباب الربيع المغربي على بعض رموز الدولة..
خطورة الانترنيت لا تكمن في الفعل الفردي المعزول ولو بأثر جماهيري واسع.. وصياح المعارض الاعزل ليس بتلك الخطورة المصورة. فالدولة تعرف مثلا ان buzz مثله مثل دودة قز، لا يعيش الا مدة قصيرة وضعيف جدا أمام buzz المضاد..
لكن خطورة الانترنيت تكمن في الفعل الجماعي الممنهج الخفي الذي يستهدف هياكل الدولة (الاقتصاد المخزني) وليس سلوكياتها العابرة (مول التفاح)..
مشروع قانون covid 20 توجيه مركزي تم تكليف الحكومة بدراسته ومقايسته بذكاء، وتسريب جنين نصوصه fœtus textuel من طرف مستشارين وزاريين مجهولي الهوية هدفه هو قطع طريق المشروع المخزني وإخراج Frankenstein من المختبر او تسريب غاز السارين من أنابيب مختبرية قيد الاختبار.
عانى البيجيدي من هيلمان اعلام مخزني مسيطر.. وهاهو يكشف اكبر مخططاته من خلال تسريب نصوصه التشريعية في طور الطهو ليرد الصاع صاعين.