هل كان لنا أن نعنون المقالة كما هو أعلاه، لولا أن فيروس كوفيد 19 أحدث زوابع كثيرة بمثابة إنقلاب سيكون له ما بعد، عالميا ووطنيا، وما علينا سوى استثمار اللحظة التاريخية فرصة للمطالبة والعمل على عودة النظام الدولي، موازاة مع إصلاح المنظومة الحقوقية الأممية، بنيات ومؤسسات ومواثيق بجيل جديد من التحيينات؛ كبدائل ونفي لكل الأعطاب التي أحدثتها العولمة ونظامها الشمولي. وقبل أن نحاول إستشراف مرحلة ما بعد فيروس كورونا بالنسبة لوطننا تحديدا لا بأس من بسط الوضع الجديد، كمحاولة تشخيصية أولية، باعتبار أن المختصين هم المؤهلون للقيام بهذا العمل العلمي، بعد احترام المسافة الزمنية الضرورية.
ونحن كفاعلين لا يسعون إلا للتفاعل مع المعطيات المتوفرة كسياق لبلورة بعض الأفكار للاستئناس وبهدف الاستشراف وفق مايلي:
1- فجأة أغلقت الحدود البرية والبحرية والجوية، ومٌنع السفر والتجمعات وعُزلت المدن. وانتقلنا بتدرج سريع إلى تعطيل أكثر من ثلثي الحركية الاجتماعية العامة، الاقتصادية والثقافية والرياضية والدينية.
في مواجهة الخطر الصحي والبيولوجي الذي يشكله فيروس كورونا، وخوفا من انهيار المنظومة الوطنية للصحة (الهشة أصلا) أمام ضغط تدفق المصابين بشكل مهول؛ اتخذت وطُبقت سلسلة من الإجراءات الاستباقية، الأمنية وشبه الأمنية، لحصر دائرة العدوى في الحدود الدنيا.
إجراءات، انطلقت بمنع التجمعات والمباريات الرياضية والصلاة في المساجد وانتهت بإصدار المرسوم رقم 2.20.293 المتعلق بإعلان الحجر الصحي ابتداء من يوم 20 مارس 2020 في الساعة السادسة مساء إلى غاية يوم 20 أبريل 2020 في الساعة السادسة مساء ، وسيتم تمديده لنفس المدة.
وبمقتضى هذا المرسوم أُقفلت الحدود أمام التنقل البشري ومٌنع التجول بدون تصريح خاص من السلطة المحلية وعٌزلت المدن. كما استدعيت القوات المسلحة للمساهمة في ضبط الأمن العمومي وفي استقبال وعلاج المرضى.
واستنادا للفصلين 21 و81 من الدستور، تم إصدار مرسوم قانون رقم 2.20.292 يعاقب بموجبه كل مخالف لأوامر وقرارات السلطة العمومية المتعلقة بالحجر، بالحبس من شهر إل ثلاثة أشهر وبغرامة بين 300 و 1300 درهم.
لقد صاحب تطبيق هده الإجراءات فتح تحقيق ومتابعة عدد من”ناشري الأخبار الزائفة على منصات التواصل الاجتماعي حول انتشار الفيروس ( أزيد من 81 شخص) وتوقيف ومتابعة عدد ممن خرقوا الحجر الصحي و توقيف ومسائلة بعض المسؤولين على الأمن العمومي بسبب تجاوزهم أو مخالفتهم للحجر الصحي. صاحبها أيضا، وإن بشكل معزول، وحسب بعض الفيديوهات المنشورة على الانترنيت، شطط وعنف في استعمال السلطة في مواجهة مخالفين لقرار الحجر.
ومن الأكيد أن مجمل هده التطورات ستؤثر لاحقا في مجموع المشهد الجيوسياسي و الأمني الدولي والمحلي. إذ من الواضح أن الصين ستلعب دورا متزايدا في الساحة الدولية. و في كل الأحوال فإن عالما أحادي القطب قد انتهى. وسيكون على السياسات التنموية المستقبلية أن تأخد؛ في بعدها؛ الدولي هذه التطورات.
2- فجأة أيضا اصبح المغربي /المواطن بغض النظر عن مكانته مهما وأصبح موته أو حياته مهمة رئيسية للدولة. وتعبأت كل الإمكانيات المدنية والعسكرية وشبه العسكرية من أجل حماية حقه في الحياة، وتقدم بشأن ذلك تقارير يومية…وأصبح المواطنون العاديون نكرة والمهمشون جزء من مواضيع لجان اليقظة..وتقرر منحهم علاوات (أموال ) وأصبحت البطالة قضية تستحق التعويض.
هكذا عاينا أن ماعجزت الهيئات، المفروض أنها المؤطرة والمدافعة عن الشعب ومطالبه، حققته الكورونا.
وبصحبة ذلك انزاح سؤال المشروعية عن الأسس التاريخية والدينية، ليستقر على أساس النجاعة والكفاءة في مواجهة وتدبير جائحة الكورونا، صحيا وأمنيا واجتماعيا.
3- الدولة استعادت بريقها كدولة حامية وقادرة وهي استعادة لدورها الأصلي. دور توفير الشروط الأساسية لحماية المواطن.
وتمكنت الدولة من إجراء وإقرار” التأميم” بالتحفظ على كل المتطلبات والمستلزمات الصحية التي من شأنها المساهمة في حفظ الحياة، ومن التحفظ على وسائل الإنتاج الضرورية لصناعة “الكمامات” ولصناعة أدوات الإنعاش، وشجعت الطاقات الهندسية وبالمناسبة، تم التحفظ أيضا على فنادق…إلخ.
مما يستدعي الاستنناج، بعد أن تبث كذلك، أن الدولة يمكنها أن تكون استباقية ليس فقط في القضايا الأمنية ولكن أيضا في القضايا الإجتماعية والصحية، ويفترض، تبعا، أنه سيكون من الصعب بعد اليوم على الدولة أن تزعم وتدعي العجز عن القيام بدورها الطبيعي، دور الحماية الاجتماعية وتوفير السلامة الصحية والذوذ عن الحقوق والحريات، بما أن ذلك تبث في الملموس أنه ممكن.
وعلى أساسه نظن أن الليبرالية المتوحشة ستعرف تراجعا. وستستعيد القضايا الاجتماعية بريقها…
وسيكون على النموذج التنموي الجديد أن يستند وجوبا ولزوما إلى هذه الوقائع المستجدة وأن يستدمجها “كمكتسبات” .
4- فجأة أيضا صار الخطاب العلمي بكل شعبه ومدارسة مهما وحاسما في اتخاذ القرار وفي فهم الظواهر وفي تقديم النصح ورسم طرق الحفاظ على الحياة، وتراجع الخطابات ذات المرجعية الخرافية والأسطورية والاسلامسياسية.
5- وبشكل سريع أمكن ربح أكثر من 15 سنة من “النمو السلحفاتي عل الطريقة المغربية” دفعة واحدة، وسيكون على لجنة السيد شكيب بنموسى أن تقيس على ذلك وهي بصدد بلورة مقترحات خطط للتقدم.
6- كما تمكن قطاع التعليم ( الرجل المريض) من أن يكسب –على الأقل مقدمات استدماج الوسائل الألكترونية في العمليات التربوية والتعلمية…( يمكننا إذن فعل أكثر من ذلك لإنشاء مدرسة وطنية تشكل أساسا ومدخلا للتحديث والمواطنة وكل شيء.
7- الاحتجاجات الاجتماعية القطاعية والجهوية ما فوق تأطير هيئات الوساطة التقليدية والشرعية (أحزاب –نقابات – جمعيات مهنية…) شكلت أهم التحديات الأمنية التي واجهتها السلطات العمومية ففي الفترة الأخيرة (الحسيمة ونواحيها -جرادة – زاكورة- التعاقد- طلبة الطب ناهيك عن عشرات الاحتجاجات المحلية في مختلف المدن بل والقرى…) . وقد نتج عن هذه الاحتجاجات عدد من المتابعات القضائية التي انتهت إلى إصدار أحكام بعضها كان قاسيا.
ويشكل استمرار تراكم الخصاص الاجتماعي وتآكل الهيئات السياسية النقابيةإحدى أوجه التعقيد المضاعف لهذه الاحتجاجات.
ومن المنتظر أن الركود الاقتصادي، الذي سيكون من أولى النتائج المباشرة للجائحة، سيفاقم من حدۜة المشاكل الاجتماعية المتراكمة ومن الاحتجاجات المرتبطة بها، وأن يزيد، بالتالي من تحديات التأطير الأمني للاحتجاجات على أساس الحكامة.
وقد بينت أيضا الوقائع المغربية لكرونا أن المواطنين يمكنهم القبول والانخراط في سياسات ذات جدية ومصداقية .