من عقدة الهيبة الأمنية إلى عقيدة البعد الاجتماعي (4)

مصطفى المنوزي

الشطر الرابع : جدوى عرضانية السياسة الشبابية بمقاربة حقوقية

كنا دائما نطالب الشابات والشبان عموما ومن التنظيمات الشبيبية الحزبية خصوصا العمل على تمثل الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، والنضال من أجل تحويلها الى خيارات حزبية و سياسة عمومية عرضانية تخترق جميع القطاعات، وتتقاطع التقائيا مع قضايا الشباب.

و هذا يقتضي رد الاعتبار للبعد الحقوقي والاجتماعي و الثقافي ضدا على نزعة الحاق الاجتماعي بالسياسي، وهيمنة اللحظة الوطنية على اللحظة الدمقراطية، لأن التخلي عن المسؤولية الاجتماعية مؤشر قوي يؤكد التنصل من الخيار الدمقراطي، والحال أن المطلوب توجيه الطلب إلى الدولة وصانعي القرار السياسي والمالي والأمني. لكن يبدو أنهم واعون بمقدرات الدولة المحدودة وفق ما توفره الخزينة وطبقا لما يشرعه البرلمان ضمن قانون المالية.

غير أنه وفي ضوء ما فرضه فيروس كوفيد من أمر واقع وظرفية واشتراطات جديدة، وهو موقف شبابي تؤطره أسئلة حارقة تتطلب بلورة مسودة لمشروع عرض يسطر بعض ملامح سياسة شبابية قائمة على حقوق الانسان.

لذلك إن مرد التركيز على قضايا الشباب، في هذا الشطر، كونها تشكل القسط الأكبر من قضايا المجتمع المغربي، لأن الشباب أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بالواقع ومتغيراته من فكر وقيم ومشاعر وسلوك، فهم في مسيس الحاجة إلى قيم تكون قواسم مشتركة بقطع النظر عن إختلاف وتعدد المرجعيات و تغيرها، وهي الحرية والعدالة والتسامح والتضامن واحترام حقوق الإنسان.

من هنا علينا بلورة تعاقدات لمجابهة تحديات الإقرار للشباب كفاعلين وشركاء في التنمية المستدامة، وهذا يقتضي تعزيز السياسات الشبابية وإدماج ثقافة وقيم حقوق الإنسان بتبني اختيارات وتصورات جديدة داعمة لمشروع إعادة النظر والتفكير في منظومة إعداد الشباب المواطن و التصدي للتحديات التي تواجهه، وبتحيين وتجويد السياسة الشبابية، وخلق مناخ مساعد لدعم الاستقرار وفق شروط تلتئم حولها كافة الأطراف المعنية و فق منهجية شاملة ومتقاطعة، و بوضع المعايير والآليات الإجرائية للازمة لتفعيل هذه السياسة تجيب على الأسئلة ذات الصلة بقضايا التنمية والحرية، من اجل بناء مواطنة جديدة توفر شروط تعزيز المستويات الأخرى الثقافية القيمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والديمقراطية.

وترقى بالشباب إلى فاعل في النموذج التنموي المنشود، وكذا وضع المسألة الشبابية في مركز الأولويات، والقدرة على الاستجابة الكاملة لنهج سياسة وطنية للشباب على أساس تشاركي ييسر التمكين من تعليم وتكوين جيدين ومن فرص الاندماج الاجتماعي والاقتصادي، متشبع محتواهما بالقيم الإنسانية الكونية ويضمن الحق في بيئة سليمة مؤطرة بالسلام و الأمن الاجتماعي، والتجاوب والتفاعل لن يتأتى إلا بتمكين الشباب من الاستقلال الذاتي بإطلاق حرية الفكر والمبادرة والإبداع والتطبيع أو التحفيز على تحمل المسؤوليات، في ظلال مواطنة كاملة. إن وضع الشباب على سلم الأولويات الوطنية، الترابية والقطاعية يتطلب تمكينه وإعداده نفسيا وعقلياً وتقويته ودعم قدراته، وذلك إيمانا بحتمية الاهتمام بالشباب كفئة متميزة لها حاجياتها وانتظاراتها الخاصة، تروم استيفاء واكتساب وتملك حقوقها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتأسيسا على مختلف المواثيق الدولية والمرجعيات الأممية حول السياسات الوطنية للشباب ومشاركته وحمايته، وخاصة التي صادق عليها المغرب، وكذا المرجعيات والتجارب الدولية في مجال تمكين الشباب من دورهم الحاسم في النهوض بالتنمية المستدامة، وفي توطيد السلم والأمن الإنساني والاجتماعي.

فإن الامر يقتضي التوجه نحو ترجمة كل هذه التطلعات المشروعة في إطار سياسة وطنية مندمجة تجعل من حقوق الشباب أولوية في السياسات العمومية، الشيء الذي يستدعي تكثيف الجهود لمواجهة التحديات التي لا يزال يواجهها الشباب، باعتبارهم الأكثر عرضة لآفات التعصب والإرهاب والإقصاء.

وضع يتطلب التصدي بشكل حاسم وسريع للمشكلات التي يواجهها، وفي مقدمتها البطالة والفراغ، وبتبني أساليب جاذبة ومبتكرة للتواصل معه و هو ما يدعو إلى تعزيز وتطوير الأطر المرجعية والمؤسسية لمشاركة الشباب وتكريس حقوقه وحمايته، مما يؤكد الحاجة الملحة لتوفير اتفاقية أممية لحقوق الشباب على غرار اتفاقية حقوق الطفل، وأيضا سيرا على نهج مسلسل الأمم المتحدة لتمكين حقوق النساء، ولعل ما يزكي هذه الدعوة ويجد لها مبررا نحو إعمالها المكانة الحقوقية والتنموية والديمقراطية والبيئية والأمنية التي يحتلها الشباب في أجندة الأمم المتحدة و التي يقع الشباب في قلبها، أمام تزايد أخطار التهديدات التي تواجه العالم من إرهاب وتطرف وأوبئة، وما تتركه من آثار سلبية على مناحي حياة الشباب و الحال أن الشباب يعتبر أكثر قدرة على مواجهتها والتصدي لها، بتحرير وتعبئة إمكانياته وعدم هدر طاقاته التي يحتاجها، وبتحفيزه على تمثل روح التفكير النقدي والانفتاح والاعتدال، واحترام القانون، عبر التركيز على رسالة الأهداف الإنمائية للألفية. ‏وجعل الشباب بشعرون بأنه جزء من الحلول المفترضة للمشاكل، وفاعلا نشيطا في دعم مجتمعه لتحقيقها.‏

وفي إنتظار ان يعمم التداول حول هذه الأرضية نتقاسم مقترحات أولية تحدد بعض المطالب الملحة والمستعجلة تأخذ بعين الاعتبار مايلي :

* رد الاعتبار للدولة الاجتماعية يقتضي اولا تعديل الدستور، وخاصة الفصل 31 منه لارتباطه بالحقوق الشبابية في مجال التعليم والشغل والصحة العامة والنفسية، و الثقافة والتربية الفنية، و التربية البدنية والرياضة وكل ما يتعلق بمأسسة الوقت الحر كمكون أساسي ضمن المنظومة التربوية والأنشطة التربوية والثقافية الموازية والألعاب ورد القيمة للألعاب المدرسية والجامعية كرافد داعم لروح التنافس النزيه في مجال البطولات والتباري النبيل .

* العمل على رفع الاعتمادات المخصصة للقطاعات ذات الصلة بقضايا الشباب وحقوق الإنسان العرضانية

* ضرورة دعم وتأهيل العمل الحزبي ليلعب دوره الدستوري في التأطير والوساطة السياسية والاجتماعية، و تمرين الشباب على تحمل المسؤولية والمشاركة السياسية

* ضرورة ربط التنمية بالعدالة والدمقراطية الاجتماعيتين.

* تأهيل التعبير والاحتجاج وتأطيره قانونيا و سياسيا بعيدا عن الحزبية الضيقة والتمييز بين النضال الفئوي والحالات النضالية وبين الحركة الاجتماعية، وإقرار حكامة أمنية وضمان الأمن القضائي والمحاكمة العادلة

* رفع التماهي بين النمو و بين التنمية حتى لايبدو المغرب يسير بسرعتين، سرعة الاقتصاد المتقدم على حساب التنمية الاجتماعية المتعثرة.

* التقليص من تضخم المؤسسات الاستشارية ودعم العمل الحكومي، كمجال ممكن محاسبته، لكي يستنفذ دوره الدمقراطي (التمثيلي ) في سن و تسطير السياسات العمومية.

* سن سياسات شبابية أفقية يكون فيها الشباب موضوع تنمية في افق تأهيله لكي يكون فاعلا في التنمية، وضمان الحق في الاختلاف والاختيار والفكر وحرية الاعتقاد

* تحويل كل الاعلانات الوطنية والأممية وجميع الافكار والمقترحات و التوصيات الصادرة عن المنتديات والمناظرات الوطنية، الى صكوك وقوانين واتفاقيات مؤسستية وإلى مقتضيات عملية قالبة للإنجاز.

اقرأ أيضا

قراءة وتحليل لقرار مجلس الأمن رقم 2756 حول الصحراء المغربية

قبل أن نبدأ في التفصيل وشرح مقتضيات القرار 2756، يبقى جليا بنا أن نقف على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *