الشطر 5: توطين خطاب الرأسمال والخصاص الإجتماعي
أحقا أن تعبيرات الرأسمالية المغربية تروم تحقيق السلم الإجتماعي، كهدنة حق لا ينبغي ان يراد به امتصاص نقمة “غضب” مؤجل؟
إن التحدي الكبير الذي ينتظر نجل المقاوم الوطني احمد أولحاج أخنوش زعيم حزب التقدم الحر، ليس تبرير ممارسة السلطة إقترانا مع المقاولة، بل تحرير السلطة والمال من التبعية للخارج، لأن الوطن يحتاج إلى رأسمال وطني ومقاولة مواطنة يؤمنان معا بالمسؤولية الإجتماعية للدولة، ليكون أول القطر تطهير الحزب الذي يترأسه من فلول الإقطاع، لأن إنشقاق الحزب الوطني الدمقراطي عن حزب التجمع الوطني للمستقلين (الترجمة الصحيحة ل indépendants)، لم يعط أكله، وكان منشودا ان يكون حزب الحمامة معبرا سياسيا عن الطبقة البورجوازية ذات المرجعية اللبرالية، لكن تماهي الريع مع الربح بصمود الإقطاع في لبوس البورجوازية الزراعية والبورجوازية العقارية الذي برر واقعيا حلول منطق المضاربة محل مطلب الإنتاج، وبالتحالف مع الأوليغارشية المالية الإحتكارية (قطاع الأبناك والتأمينات) صارت الدولة ضحية للسوق، حيث توفرت الفرصة بمعناها الإنتهازي لمركزة الهيمنة ومعها السيطرة في يد تحالف الشرائح العليا لكل هذه الطبقات، والتي تجمع بين الحكم والوساطة ككمبرادور.
فهل يقبل الزعيم التحدي خارج الإستراتيجية الإنتخابية المرسومة مسبقا أو الرهان على فشل تجارب احزاب حليفة، وبعيدا عن النزعة الفردانية المنتجة لكل إقصاء إجتماعي بإسم التحديث القسري ولكل تنافسية حقيقية؟؟ وهل يتاتى هذا دون تمثل إرادة سياسية وثقافية لفك الإرتباط مع المحافظين؟ وهل من رغبة لتعزيز المقاربة الحقوقية ببعد كوني؟
هذا فحوى رسالة غير مشفرة سبق وأن وجهتها الى من يمثلهم ابن جغرافيتنا المحلية، وابن أحد أبناء تاريخنا المجالي والوطني، وكنت أرقب تفاعلا على الأقل ممن يسعون إلى مرافقة وتأطير “الصحوة” اللبرالية بمقاربة حقوقية، خاصة ذلك الوزير و الفاعل الحقوقي الذي عايش وساهم في بلورة واقعة الاعتراض التاريخي على فكرة حل الاتحادالاشتراكي، إثر غضبة ملكية حسنية.
وفي هذه الحلقة أود أن أساهم بإضافة تحيينية في ضوء مستجدات الوضع الصحي بالمغرب: فأكيد أن مصالح تحالف حزب الحمامة ومن معه، (أي التكتل المالي والطبقي) قد تضررت جراء جائحة كوفيد 19، ومن إجراءات حالة الطوارئ الصحية، بالنظر إلى تقلص وتيرة مراكمة فوائض القيمة لكن بالنظر لما تتوفرون عليه من مدخرات ناتجة عن احتياطي مواد الغاز والنفط المكرر، وبالنظر إلى سعرهما العالمي، وبالمقارنة مع حجم الأضرار التي لحقت قطاعات أخرى وفئات “أقل” موارد ودخول؛ فإنه يبدو، وبنسبية ولا يقينية، أن تأثير كورونا أقل ضعطا وإكراها من التبدير الضخم الذي يستنزف حملات الدعاية والإشهار، وعلى الخصوص في عمليات تمويل الحملات المضادة أو ” التبريرية أوالدفاعية عن الذات، فعلى الأقل تكون المساهمة في إنقاذ الوطن، فبقاءه أولى من حياة الإقتصاد، مادام المواطنون من طبقات متوسطة وصغرى، وشرائح اجتماعية دنيا هم المستهلكون رقم واحد، وبذلك يكون الإستقرار الحقيقي أفضل وأنبل كلما اقترن بالكرامة والعدالة الاجتماعية، كقيم ليبرالية، وكفلسفة يزعم حزب (هم) تمثلها خيارا مذهبيا، رغم أن صفاء خياراتهم البورجوازية و اصطفاف تحالفهم الطبقي يقتضي تميزهم، الصناعي والمالي والتجاري، عن نزعة التردد والتبعية لهيمنة حلفائهم في مربع الرأسمال العقاري والزراعي، والذي لا تهمه سوى المضاربة بدل التشغيل و التنافس والانتاج والمبادرة الحرة، ولا “تنفعه” إلا الريع بنفحة “إقطاعية” عوض الربح المعقول والمقبول إلى حد ما في قاموس اللبرالية.
وهذا مايستدعي تفكيك بعض مظاهر هجانة الروابط البنيوية الهجينة التي تؤسس لتماهي مطلب الحداثة مع تمثلات المحافظة على النمط القائم تكريسا لتقليدانية مقاومة لأي تحديث أو تقدم. أظن أن التعبير عن الإرادة السياسية لتأهيل الاصطفاف والتموقع مدخل أولي، ولكن الإعلان عن النوايا سيظل رهن التوجس والهاجس الانتخابي، لأن الفكر لا يقود ولا يؤطر السياسة، ويصعب فك الارتباط، لأنه لا يكفي الاصطفاف تحت مظلة تجمعات وتكتلات مالية، بل لابد من الإنخراط في ديناميات جديدة تعيد النظر في الفلسفة اللبرالية وتروض مقتضياتها المهيكلة لمنظومة العولمة المتوحشة، وبالتمرد على نزعتها الإلحاقية والاحتكارية، فلا بديل سوى تأهيل آلية إعادة تأسيس نظام دولي جديد ترافق عملياته وإجراءاته معركة تقويمية بتبني واعتماد جيل جديد من الإصلاحات، وكأولوية ينبغي رد الاعتبار والقيمة للجيل الثاني من الحقوق، كأبعاد إنسانية واجتماعية تحفظ الكرامة الانسانية والسيادة الوطنية، بما فيها السيادة المالية والسياسية والأمنية حتى.
البعد الإجتماعي في السياسة العمومية لن يسن ويفعل بالصراع الإنتخابي فيما بين “أقوياء” الأحزاب فقط، بل بمراجعة علاقتنا بالمؤسسات المالية العابرة للأوطان والتي فرضت على حكوماتنا /حكامنا تنفيذ مخططات إقتصادية وسياسات مالية تتناقض والديموقراطية او التنمية، وهنا أذكر بالحروب الصغيرة التي تشوش على التوافقات داخل المربعات والدواليب، كان من مظاهرها عدم الكشف عن خلفيات والمسؤوليات، وقد عشنا تأطيرا افتراضيا، من وراء الستار الأزرق لحرب اقتصادية غير معلنة، وإذا كان من حق دعاة مقاطعة البضائع التعبئة والتحسيس؛ فإنه بدون تأطير الحملة والإعلان عن الوقع والأفق سوف تنفلت الغاية وينحرف الهدف، مما يستدعي إستحضار هذه السياسات نفسها وتأثيرها على الإحتقان الإجتماعي، ولنا في حصيلة الإنتفاضات المسماة تعسفا بالعفوية، من ضحايا وإجهاز على الحقوق والمكتسبات، الدروس التاريخية والسياسية و السيكولوجية.
وحقا إن هذا جزء من الصراع الإجتماعي والإقتصادي لكنه صراع أفقي وليس عموديا، وحتى إن بدت لنا مظاهره عموديا فإن عواقبه لن تفلت من تداعيات التعبئة من أعلى، والحال أنه من شروط دمقرطة الفعل النضالي ان تتم التعبئة من أسفل. لذا ننتظر نقاشا مفتوحا رصينا ومنتجا حول ازمة بورجوازيتنا المغربية التي تتغذى (الأزمة ) من غموض علاقتها الملتبسة بالرأسمال الأجنبي وبفلول الإقطاع المحلي، مما يستدعي من “عقل” لجنة بنموسى استحضار ممكنات إصلاح ترسانة المنظومة القانونية العقارية، ان إدماج كل الأنظمة المرتبطة بالأراضي والعقارات المملوكة للدولة، عموميا وخصوصيا، في مدونة واحدة تؤطرها وتوحدها في وعاء واحد، تيسر الدفع بعجلة الانتاج المهيكل للتشغيل والمدر للثروة الوطنية، عوض المضاربة الريعية المفاقمة للبطالة والمكرسة لاقتصاد الريع واللبرالية المتوحشة.
رئيس المختبر المدني للعدالة الاجتماعية*