يبدو أن النقاشات داخل الحركة الأمازيغية بدأت تأخذ أبعادا غير مسبوقة، البعض منها يؤكد على أنه ليس بالإمكان أحسن مما هو موجود، والبعض الآخر يحاول التأسيس لخطاب جديد ولتحول جوهري في العمل الأمازيغي، في حين تنذر اقلام بعض المثقفين الأمازيغ بأفول نجم حركتهم عما قريب.
في مقال له تحت عنوان “الحركة الأمازيغية : تحديات ما بعد الإعتراف”، أشار الأستاذ الجامعي بويعقوبي الحسين إلى أنه لا بد من التأكيد على أن اعتراف الدولة المغربية بالأمازيغية ودخول الأحزاب السياسية على الخط وتغير البنية الديمغرافية للحركة الأمازيغية سيؤثرون لا محالة في مساراتها المستقبلية؛ مضيفا بأن الحركة الأمازيغية دخلت مرحلة حاسمة من سماتها البحث عن هوية جديدة.
لا نختلف مع الكثير مما ذهب مذهبه الأستاذ بويعقوبي، غير أننا نعتبر الحديث عن الحركة الأمازيغية بشكل عام، دون تمييز بين أدوار النخبة الأمازيغية ومساهمات جماهير الحركة، انحيازا معرفيا (Biais cognitif ) من شأنه التشويش على تشريحنا وتحليلنا للحال الأمازيغي الراهن، ومن شأنه أيضا الإتجاه بالدارس إلى استنتاجات غير دقيقة. فكيف هو حال النخبة الأمازيغية؟ وهل هناك جماهير أمازيغية تستحق الذكر؟ وما هي طبيعة العلاقة بين نخبة الحركة وجماهيرها؟
حتى لا تجد النخبة الأمازيغية نفسها في مقبرة النخب
لا يمكن لأي متتبع نزيه للشأن الأمازيغي أن ينكر بأن ما تحقق لفائدة الأمازيغية من اعتراف رسمي ومأسسة يستعد قطارها للإنطلاق، كان ثمرة عمل أقلية متعلمة من الأطر والمثقفين الأمازيغ، اشتغلت وضحت من أجل ما تحقق اليوم. بل يمكن القول بأن ما تحقق تجاوز أحلام النخبة الأمازيغية، فما أنجز على المستوى اللغوي والثقافي يفوق بكثير المطالب التي سطرتها في أدبياتها.
كما لا يمكن للنخبة الأمازيغية أن تنكر بأنها غير مستعدة لمواكبة النتائج القياسية لنضالها، فخطاب المطالبة بالإعتراف الرسمي الذي أسست عليه ولأجله آليات اشتغالها أصبح جزءا من الماضي ولا يمكنه أن يساير زمنا أصبحت فيه الأمازيغية لغة الدولة والمؤسسات، الأمازيغية فيه في حاجة لديناميات جديدة وبآليات متجددة تستطيع مواكبة تحديات المأسسة وزمن أمازيغية الدولة.الإعتراف بذلك يعني الإعتراف بأن أسباب تشكل الخطاب لم تعد قائمة، وبأن آليات الإشتغال المرتبطة به متجاوزة.
كما أن تاريخ الأمم هو تاريخ نخبها فهو أيضا مقبرة نخب الأمم، فالنخب تتشكل لتناضل من أجل قضايا ومثل، يحقق بعضها أهدافه الكبرى والصغرى ثم يأتي زمن الأفول وبداية دورة أخرى مع نخب جديدة بقضايا مجددة. هذا ما يجب ان تستوعبه النخبة الأمازيغية إن هي أرادت تفادي الطريق المؤدي إلى مقبرة النخب المغربية، والبقاء من أجل تحصين نتائج نضالاتها المبهرة والمواكبة العقلانية لزمن أمازيغية الدولة ؛ عليها أن تفتح نقاشا جريئا لتشخيص واقعها من أجل التغيير تضع في صلبه مسألة تدبير علاقاتها بجماهير الحركة الأمازيغية.
جماهير أمازيغية بدون نخبة
عملت النخبة الأمازيغية المدنية ككل النخب على فرض سلطتها المعنوية على كل ما له ارتباط بالشأن المطلبي الأمازيغي، ونجحت في ذلك منذ بداية الثمانينات بعد أن استثمرت الذكاء الجماعي لفعالياتها ووفرت له إمكانيات الإشتغال والإنتاج بفضل دورات جمعية الجامعة الصيفية. وقد استطاعت بذكائها الجماعي انتزاع الملف من النخب السياسية التي كانت تقدم نفسها للملك وباقي الفرقاء السياسيين ناطقة رسمية باسم الأمازيغ والبادية، كما وضعت تعريفا شاملا ( inclusif ( لمفهوم الحركة الأمازيغية ساعدها في التغطية على غياب قاعدة شعبية تستند عليها ؛ فقد كانت نخبة بدون جماهير ساعدها قوة المطلب وليس المُطالب وقوة الحجة في مقابل حجة القوة لدى خصومها.
بعد ثلاثة عقود من تأسيسها للحركة الأمازيغية، نجحت النخبة الأمازيغية في توسيع قاعدة الحركة بالتحاق المئات من الشباب بالجمعيات الفاعلة وتأسيس جمعيات جديدة مع منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكنها في مقابل ذلك فشلت في تدبير علاقاتها مع قاعدة بدأت تتوسع ولم تعد تقتصر على القلة من الأطر والمثقفين.
وقد كان من نتائج ذلك الفشل انهيار مجلس التنسيق بين الجمعيات الأمازيغية سنة 1998 ، وتجاوز السلطة المعنوية لنخبة الجمعيات التاريخية من طرف الآلاف من الموقعين على بيان العميد محمد شفيق ( بيان من أجل الإعتراف بأمازيغية المغرب لسنة 2000 )، إضافة إلى الطلاق بين النخبة وطلبة الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة. وكلما توسعت القاعدة الجماهيرية للحركة تزداد الفجوة عمقا بين نخبة الحركة وجماهيرها التي أبانت خلال حراك عشرين فبراير لسنة 2011 على وزن محترم مقارنة مع غيرها من جماهير الحركات الإجتماعية والسياسية. في نقاش بين شباب من الحركة الأمازيغية وشباب من العدل والإحسان، أيام حراك عشرين فبراير، سأل شاب عدلي ناشطا أمازيغيا حول الفرق بين شباب العدل والإحسان وشباب الحركة الأمازيغية، أجابه الشاب الأمازيغي : أنتم تعملون كالنمل تحت قيادة توجهكم وتساندكم، ونحن نحل تائه وجماهير بدون نخبة تؤطرها وتساندها.
على سبيل الختم
حينما اشتكى الكثير من أفراد النخبة الأمازيغية مؤخرا من استثنائهم من التمثيلية في المجالس والهيئات الدستورية واتهموا أطرافا في أجهزة الدولة بإقصائهم، كانوا في حالة إنكار للواقع ( (Déni de réalité، واقع ضعفهم أمام أجهزة دولة لا تقيم وزنا للحركات الضعيفة والنخب المعزولة عن قواعدها، فالنخب المصابة بالهزال تقصي نفسها بنفسها.
على النخبة الأمازيغية أن تستعد لتهميش الدولة والأحزاب السياسية لها أكثر فأكثر، ما دامت غير قادرة على تجسير الهوة بينها وبين قواعدها، وتغيير خطابها وآليات اشتغالها مع ما يتماشى وزمن أمازيغية الدولة. عليها إن أرادت أن تستمر على قيد الحياة أن تلتئم حول دائرة مستديرة لتشخيص أوضاعها وبلورة ما يجب تغييره آنيا في أفق تغيير شامل لما يجب تغييره، كما يجب عليها أن تعلم بأن موتها لا يعني وفاة القضية وانقراضا للأمازيغية بل ظهورا لنخب جديدة بتصور جديد لموقع الأمازيغية ومستقبلها. غير ذلك فمقبرة النخب فيها متسع لها.
عبد الله حتوس
باحث