في صوته يتردد صدى الأجداد، وفي عزفه يطل أفق المستقبل، وبين الاثنين، يولد مشروع فنان جديد، اسمه موحسين ازاييم، الذي يحمل في قلبه حلم جيل كامل، وفي ذاكرته إرث عائلة خالدة في سجل الأغنية الأمازيغية، فمثل هذه المواهب تولد لتؤكد أن الجذور الحقيقية للفن لا تموت، بل تتجدد مع كل جيل. الشاب موحسين ازاييم، ابن السابعة عشرة، يطل علينا عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمجموعته الشابة التي تحمل اسم ايت اوفولكي أي” اهل الجميل “، حاملاً معه مزيجاً فريداً من الحاضر والماضي، ومن الأصالة والابتكار.
موحسين ازاييم ليس شابا عاديا، فهو حفيد المرحوم الرايس أحمد أومحند ازاييم، أحد الأسماء اللامعة في ذاكرة الفن الأمازيغي، وعضو بارز في مجموعة الراحل الرايس الحاج بلعيد ، حيث رافق جدّه هذا العملاق في جولاته داخل الوطن وخارجه، وأسهم إلى جانبه في تخليد حقبة ذهبية من الأغنية الأمازيغية، هذا الإرث العائلي ليس مجرد شرف معنوي، بل هو مسؤولية كبرى ورصيد رمزي يلقي بظلاله على مسار الحفيد، ويمنحه في الآن نفسه قوة الانطلاق نحو المستقبل.
منذ سنوات الحجر الصحي التي فرضها وباء كوفيد-19، وجد موحسين نفسه بدوار باخير بايت عميرة عمالة اشتوكن ايت باها، مثل أقرانه، محاطا بعزلة غير مألوفة، لكن عوض أن يستسلم للفراغ، اختار أن يحوّله إلى لحظة اكتشاف، فبدأ بوحسين رحلة التعلم الذاتي على آلة البانجو، ومع كل تمرين جديد، وكل لحن صغير، كان يخطّ ملامح مشروعه الفني، مؤمناً أن الإرادة قادرة على صناعة المعجزات.
لم يكتفِ موحسين بالبانجو، بل راكم خبرات في العزف على آلات أخرى، جامعاً بين التقاليد الموسيقية المحلية والنفَس العصري مع صوته الجميل العذب الذي يحمل رهافة الشباب وقوة الإصرار، صار ينسج عالماً فنياً يزاوج بين الحلم والواقع، وبين ما ورثه من أجداده وما يبتكره بنفسه وما يتعلمه من أصدقاء والده ابراهيم صديق الفنانين.
لكن الأجمل في مسيرة موحسين الناشئة هو حرصه على الموازنة بين الفن والدراسة، ففي الوقت الذي ينغمس فيه في العزف والغناء، لا يتخلى عن كتبه ودفاتره، لإنه يدرك أن العلم والفن ليسا خطين متوازيين، بل جناحين يحلّق بهما نحو مستقبل متكامل، هذه المعادلة تمنحه صورة مشرقة كنموذج للشباب، إذ يثبت أن الشغف الفني لا يعني إهمال الدراسة، وأن الطموح العلمي لا يعيق الإبداع.
قصة موحسين ازاييم هي قصة الاستمرارية والتجدد في الفن الأمازيغي ، فمن الرايس أحمد أومحند، رفيق درب الحاج بلعيد وأحد حماة الأغنية الأمازيغية الأصيلة، إلى الحفيد الذي يعزف اليوم على آلات حديثة ويرفع صوته بأنغام شابة، نكتشف أن الفن الأمازيغي ليس مجرد ماضٍ نتغنى به، بل هو حاضر يتجدد ومستقبل يُكتب من جديد.
وإذا كانت البدايات دائماً تحمل شيئاً من الصعوبة، فإن ما يميز هذا الشاب هو إصراره على أن يحوّل كل تحدٍّ إلى فرصة، وكل قيد إلى نافذة، إنه ينتمي إلى جيل يرفض أن يكون مجرد متفرج على ما يحدث، بل يطمح أن يكون فاعلاً وصانعاً للتغيير من خلال الفن.
أكادير : ابراهيم فاضل