موريف يكتب: دّا أحمد الدغرني كما عرفته وعاشرته طيلة عِقدين من الزمن

علي موريف

انتقل الأستاذ والمناضل السياسي الأمازيغي أحمد الدغرني إلى دار الخلد زوال يوم الإثنين 06 كطوبر 2970 الموافق لـ 19 أكتوبر 2020 بدوار إكرار ن سيدي عبد الرحمان بأكلو ضواحي مدينة تيزنيت عن عمر 73 سنة ونيّف.

ماذا عساي أن أقول في حق رجلٌ عظيم من طينة دّا حماد؟ فالرجل لا يكترث كثيراً للألقاب والمسميات البروتوكولية وعبارات التمجيد وغيرها. لكن المقام يقتضي استحضار مناقب هذا الرجل الشهم؛ إذ المناسبة شرط كما يقول الفقهاء.

التقيت أول مرة مع الأستاذ الدغرني في نشاط ثقافي نظمته جمعية محلية في قبيلة آيت علي بآيت باعمران، وهي المنطقة التي ترعرع فيها ونشأ بها، حيث زاول فيها والده مهنة القضاء العدلي والفقه، ولازالت الكثير من وثائق الإرث والملكية وعقود الزواج والطلاق وغيرها من المعاملات التجارية من بيع وشراء ورهن تحمل اسم وتوقيع أبيه الفقيه سيدي محمد أوعلي. بل ترك ابنه إبراهيم (شقيق الأستاذ أحمد) فقيهاً في مسجد دوارنا إلى أن وافته المنية سنة 2019.

وفي ذلك اللقاء سمعت مُستقبليه، وهم أطر جمعية الدفيلية للتنمية، يقولون بأنه ابن المنطقة ويقطن بالعاصمة الرباط وهو محام ناجح وسياسي مخضرم وله غيرة على المنطقة. وفعلاً احتفظتُ بهذه المعطيات وأنا وقتئذٍ كُنت تلميذاً في السنة الأولى ثانوي آداب عصرية بثانوية مولاي عبد الله بمدينة سيدي إفني (سنة 1999). وبعد ذلك أسمع عنه من طرف مناضلي الفرع المحلي لمنظمة تماينوت بسيدي إفني وعن نضالاته وتضحياته من أجل الأمازيغية وحقوق الإنسان والديمقراطية؛ لاسيما في هذه الفترة الانتقالية للحكم والسلطة بالمغرب.

وخلال أيام الجامعة بأكادير توطّدت علاقاتنا بالمرحوم أكثر فأكثر، حيث كنا نستدعيه مع ثلة من الرفاق والأصدقاء، من جهة، للأنشطة التي يُنظمها طلبة آيت باعمران بجامعة ابن زهر؛ ومن جهة أخرى للأنشطة الثقافية والفكرية التي تنظمها الحركة الثقافية الأمازيغية داخل الجامعة ذاتها. وكان لا يتردّد لحظةً واحدةً في تلبية دعوات الطلبة لتنشيط المحاضرات وتقديم المساعدة المادية والمعنوية وطلب المشورة؛ بل من المستحيل أن تتّصل بالدغرني عبر الهاتف أو عبر اللقاء المباشر وتطلب منه مساعدة مالية لتنظيم نشاط ثقافي أو فكري أو مظاهرة أو غيرها ولم يستحب حالاً، ويحضُّ المناضلين الآخرين على المساهمة المالية. مستحيل، أمواله كانت صدقةً جاريةً للمناضلين والطلبة في هذا الباب، وكان بيته مأوىً للطلبة والباحثين والمناضلين ومقراً للاجتماعات والمداولات حول الشأن الأمازيغي فكراً وتنظيماً وتعبئة.

وفي سنتي الثالثة من الجامعة دخلنا معه في مشروع تأسيس وبناء منظمة سياسية أمازيغية تُعنى بالدفاع عن حقوق المواطنين وتكريس الديمقراطية وحقوق الإنسان انطلاقاً من فلسفة الربط الجدلي بين الحقوق الثقافية واللغوية والهوياتية وبين الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ وصاغ أطروحة سياسية أطلق عليها اسم البديل الأمازيغي في الباب. وساهمنا معه في خوض تلك التجربة بنكران الذات والتضحية حتى ينال الأمازيغ موقعهم في المشهد السياسي الوطني وفي مواقع صُنع القرار، واسترجاع الأمازيغ لمكانتهم التاريخية بين الأمم والشعوب وأقوام الأرض ضد كل مظاهر التحريف والزيف والتزوير الذي لحق الوجود الأمازيغي ببلادهم. والحق يقال؛ فالرجل لم يجد مُساندين كُثر في تلك اللحظات الحرجة وفي أوج الصراع حول شرعية ومشروعية تأسيس الحزب السياسي. مع الأسف !

وتقوت علاقتنا به بشكل كبير لحظة انتقالنا إلى مدينة الرباط لاستكمال الدراسة منذ سنة 2006، أي سنة بعد تأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي في يوليوز 2005، إلى أن وافته المنية. زرته في المصحة التي يُعالج فيها بمدينة تيزنيت مع بعض الأصدقاء والرفاق واستقبلنا بضحكته المعهودة ورفعه لشارة النصر الأمازيغية ” أكال- أفكان- أوال”. عشنا معه لحظات التأسيس بمشاكلها وتحدياتها والسعادة التي كانت تغمرنا جميعاً رغم كل شيء، وكذا فترة نشاط الحزب وتنظيم الفروع واجتماعات أجهزته التقريرية (آيت مراو: المكتب السياسي وأكراو ن إمغناسن: المجلس الوطني وأكراو أنامور: المؤتمر الوطني)، والتحسيس بالمشروع السياسي في مناطق مختلفة من ربوع الوطن. أدار الحزب ودبّر شؤونه في ظرفية صعبة شهدت اعتقال طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية بالعديد من الجامعات المغربية، وبروز حزب الأصالة والمعاصرة في المشهد السياسي. كما ساهم في الدينامية المجتمعية لـ 20 فبراير 2011 بكل قوة وتفاؤل وأمل في صناعة غذ مشرق للمغربيات والمغاربة.

دّا حماد الدغرني رجل مواقف بتواضعه المعهود، رجل نزيه وشفاف، إنسان معطاء وسخي. رجل لا تقهره المشاكل والتحديات والصعاب، بل هو يجد ذاته في زحمة الأحداث وتشابكها وتطورها ويكون أكثر حيويةً ونشاطاً في عزّ التعبئة والتحسيس ومواكبة المستجدات. هو يحب ويربي ثقافة الاعتماد على الذات والإمكانات الذاتية في التنظيم والعمل وفي تدبير مشاكل الحياة. علاقة الدغرني بأصدقائه كانت علاقة مبنية على الصدق والوفاء والصراحة والوضوح. لا يتردد في تقديم العزاء والمواساة للمختلفين معه فكرياً وسياسياً فما بالك بمناضلي الحركة الأمازيغية خلال لحظات الحزن، وتقديم التهاني والتبريكات في لحظات الفرح والسعادة.

وهنا لابد من استحضار إصراره على زيارتنا لمنزل عبد السلام ياسين، زعيم جماعة العدل والإحسان، يوم وفاته بعد صياغة كلمة تعزية رسمية باسم الحزب؛ وكذلك كان مع ثلة من الأصدقاء. فنحن حريصون كذلك على إشراكه في كل أفراحنا وأتراحنا (حضر حفل زفافنا، حضر بمناسبة ازديان فراشنا لابننا يانيس، دعوته لحضور وتتبع أطوار مناقشتي لأطروحة الدكتوراه، تقاسمنا لحظات لا تنسى كلها ضحك ومرح و”تقشاب”، لأنه شخص مرح ويميل إلى الدعابة و”التنكيت” ومواجهة صعاب الحياة بالضحك والابتسامة).

إنه شخص لا يُكنّ الحقد ولا الضغينة لمناوئيه وخصومه فما بالك بمن يقتسم معهم نفس المشروع ونفس الهم رغم الاختلافات والتقديرات في الرأي.

كان الهمّ الأول والأساسي بالنسبة للمرحوم هو أن يُساهم الأمازيغ في تنمية بلادهم والمشاركة في تدبير شؤونه عبر المدخل السياسي وآلياته التنظيمية (الحزب والدولة). ومن أجل ذلك؛ شجع وأشاد بتجربة دولة أزواض سنة 2012 التي حاصرتها فرنسا، إذ له علاقات وطيدة بمسؤولي الحركة الوطنية لتحرير أزواض بمالي وأُطر حزب تارنا بالنيجر، كما شجع وأثنى على مساهمة أمازيغ ليبيا في الثورة الليبية؛ بل زار طرابلس سنة 2013 بدعوة من المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا.

دّا حماد زار موريطانيا والجزائر وله علاقات جد طيبة مع الأمازيغ في كل بقاع تامازغا وفي المهجر. وكم كان غضبه وحزنه شديداً لحظة استشهاد الدكتور كمال الدين فخار. وما فتئ يدعو إلى الاقتداء بتجارب الشعوب العجمية الأخرى في الدفاع عن كيانها ووجودها والحفاظ على مصالحها الحيوية والإستراتيجية.

صديقي دّا حماد نُمْ قرير العين، مُطمئّن البال؛ فقد أدّيت واجبك بكل تفانٍ ونكران ذات وتستحق منا جميعاً تكريماً معتبراً يليق بمقام شخصٍ من طينتك ووزنك، لاسّيما في لحظة الفراق هذه؛ غير أن ظروفاً عديدة حالت دون تنظيم جنازة تكون بمستوى الحدث، برمزيته ودلالاته المتعددة.

اسمح لنا أيها الشهم، أما نحن فأملنا أن يسير أصدقاؤك ومحبيك وكل مناضلي الحركة الأمازيغية في درب النضال النظيف الذي خضته بشرف وشهامة وعزة نفس.

تعازينا الحارة لأسرتك، أصدقائك ورفاقك، محبيك ومناضلي الحركة الأمازيغية وكل الديمقراطيين ببلادنا؛ ولا نملك إلا أن ندعو لك بالرحمة والغفران.

Tamlla n bab n ignwan fllak, ad sunfun iman nk g ufra. Tanmmirt kigan f tuwriwin nk I ujmil n imazivn/timazivin. Tngara t didnv macc iswingimn nk ddrn didnv ar lmut.
صديقك علي موريف
تمارة في 07 كطوبر 2970 الموافق لـ 20 أكتوبر 2020

اقرأ أيضا

الأمازيغية والاحصاء العام للسكان بالمغرب.. أربع حقائق

أثناء مباشرة الاحصاء نبه اغلب المتتبعين الى ان المنهجية المتبعة غير مطمئنة النتائج ونبهت الحركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *