تعد دراسات الترجمة (Traductologie) من الحقول المعرفية المهمة التي تسعى لفهم عملية الترجمة وتحليلها من جوانب مختلفة. وفي هذه المداخلة، سيطرح الباحث موضوعاً مهماً يتعلق بدراسة الأدب الأمازيغي من منظور دراسات الترجمة، مما يجعلنا نتساءل عن وجود أدب أمازيغي مركزي أو آداب أمازيغية هامشية وما هي التصورات المعتمدة في هذا السياق.
و قد استند الباحث في هذه المداخلة على نظرية النظم المتعددة التي طورها إتمار إبن زهر، وهي النظرية التي تنص على أن الأدب واللغة يتأثران بالعديد من النظم والتواصلات الثقافية. وبناءً على هذه النظرية، يصبح من الصعب الاعتراف بوجود أدب أمازيغي مركزي، إذ ينبغي أن ننظر إلى الأدب الأمازيغي على أنه مجموعة متنوعة من الآداب الإقليمية والمحلية التي تعبر عن تنوع الثقافة الأمازيغية.
بناءً على ذلك، يظهر هذا التأثير على العمل الترجمي الأمازيغي، حيث نجد ترجمات ترتكز على أنماط ونماذج جهوية محددة فقط، وهذا يرجع جزئيًا إلى تفاوت الاهتمام والدعم المُقَدَّم للثقافات الإقليمية. وبالتالي، تتعامل هذه الترجمات مع جوانب معينة من الأدب الأمازيغي وتتجاهل جوانب أخرى.
من جهة أخرى، هناك محاولات ترجمية أخرى تتطلع إلى أن تكون شاملة، وتسعى لأن تكون نموذجاً مميزاً يجمع بين كل هذه النظم المتعددة للأمازيغية. وهذا يشكل تحديًا كبيرًا للمترجمين، حيث يجب عليهم التعامل مع تنوع الأصول والسياقات الثقافية واللغوية التي يستند إليها الأدب الأمازيغي.
من الصعب الاقرار بوجود أدب أمازيغي مركزي، بل وجود آداب أمازيغية هامشية وذلك وفق تصور نضرية النظم المتعددة التي طورها إتمار إبن زهر. وهذا يظهر على سطح المنجز الترجمي الأمازيغي، إذ نجد ترجمات جهوية أي تستند فقط على أحد النظم التي تشكل اللغة والأدب الأمازيغيين، وأخرى نجدها تجتهد للارتقاء بأن تحتل مكانة مركزية توفق بين جميع النظم المتعددة للأمازيغية.
وعليه، فإن استنتاج الباحث سلط الضوء على هذه التحديات والتناقضات في عملية الترجمة والدراسات الأدبية المتعلقة بالأدب الأمازيغي. يتضح أن الاعتراف بتعدد النظم هو جوهري لفهم وتقدير الأدب الأمازيغي بكل تنوعه وثراءه الثقافي، وفي نفس الوقت، يدعونا ذلك لتوجيه الجهود نحو دعم ترجمات تسعى لتجاوز القيود الجغرافية والثقافية وتعبر عن مختلف جوانب الأدب الأمازيغي.
الحديث عن عملية بلورة أدب مركزي يحمل في طياته جل النظم المتعددة الفرعية للغة والثقافة الأمازيغية، لا تنفصل عن عملية معيرة اللغة، لاسيما أن بناء أدب مركزي يجب أن يعتبر سلسلة مرتبطة بعملية معيرة اللغة التي لا يجب أن تنفصل عنها.
في الختام، تبقى دراسات الترجمة والنقد الأدبي أدوات هامة لنفهم تطور الأدب الأمازيغي وتعدد ثقافاته، وتعكس تصوراتنا للمجتمعات المتنوعة والمتعددة الثقافات. إن هذه البحوث والتحليلات تساهم في الاحتفاء بالتراث الأدبي الأمازيغي ونشره عالميًا بطريقة تعزز التفاهم الثقافي وتعمق التواصل بين الثقافات المختلفة.
محمد فارسي