أمضال أمازيغ: حميد أيت علي “أفرزيز”
باعتبار مكون “الحركة الثقافية الامازيغية” تنظيما سياسيا مستقلا تماما في مواقفه وقراراته، حيث لا يرتبط بأي تنظيم في الشارع السياسي أو النقابي، خارج اسوار الجامعة المغربية، ويعتبر أول تنظيم منظوي داخل النقابة الطلابية “الاتحاد الوطني لطلبة المغرب”، إقترح حلا لنبذ العنف داخل الجامعة المغربية عبارة عن مبادرة دعوة كل المكونات والفصائل الطلابية، لصياغة ميثاق سمي “بميثاق شرف لنبذ العنف والاقصاء”، منذ سنة 1999.
رغم الموقف الواضح والمقترح الذي قدمته “الحركة الثقافية الأمازيغية” بخصوص العنف، وتأكيدها بأن الجامعة المغربية مجال للتحصيل العلمي والمقارعة الفكرية والتسامح، عوض التطاحن والترهيب والاقصاء، لم يشفع لها موقفها الصريح واقتراحها لميثاق الشرف لنبذ العنف والاقصاء، من تعرضها للعنف والهجومات المتتالية من طرف التيارات الإطلاقية، فمن يكون هذا الميثاق؟ وما هو دوره وأهدافه؟ وفي أي سياق إنبثق هذا المقترح؟ الذي قدمته “الحركة الثقافية الامازيغية” كحل جذري لنبذ العنف داخل الجامعة المغربية.
في ذات السياق يعود بنا “محمد حمدان” أستاذ التعليم الإبتدائي، إلى الموسم الجامعي 1998/1999، حيث يفيد أن “الحركة الثقافية الأمازيغية” دعت جميع الفصائل والمكونات الطلابية إلى صياغة ميثاق شرف لنبذ العنف داخل الجامعة، وللأسف الشديد يضيف ـ حمدان ـ “لم يلق هذا النداء أي تجاوب، وضاعت فرصة حقن الكثير من الدماء، مع العلم أن الحركة في تلك الفترة ليست طرفا في أي نوع من العنف”.
وانبثقت هذه المبادرة يسترسل خريج “الحركة الثقافية الامازيغية موقع إمتغرن” في تصريحه لجريدة “أمضال”، من تحليل “للواقع الجامعي آنذاك والذي عرف صراعا دمويا بين الرفاق من جهة والحركات الإسلامية من جهة أخرى”، موكدا أن الاشكال الاحتجاجية والملفات المطلبية أنذاك تجمع بين الرفاق ـ الطليعة، البرنامج المرحلي والحركة الثقافية الامازيغية، مع جعل حلقيات النقاش مفتوحة للجميع لمناقشة القضايا دون قيد أوشرط. تلك الفترة يختم ـ حمدان ـ عرفت بالنقاش التاريخي الذي دار بين عميد الحركة الثقافية الامازيغية محمد شفيق و مؤسس جماعة العدل والإحسان عبد السلام ياسين.
من منظور دكتور التاريخ “عبد العزيز ياسين”، وبعد كل نازلة عنف بالجامعة المغربية، وسنة تلو أخرى، تتضح حسب رأيه واجهة ومصداقية فكرة “توقيع ميثاق شرفي بين مكونات الحركة الطلابية المغربية ضد العنف بالجامعة”. ويعود طرح هذا المقترح إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي، وفق سياق قسمه “عبد العزيز” خريج الحركة الثقافية الامازيغية موقع أكادير، لثلاث مستويات توضح ملامح ميثاق الشرف لنبذ العنف.
المستوى الاول: عرفت الجامعة المغربية نقاشا كثيفا أواخر القرن الماضي، وطفح إلى السطح نقاش حول تاريخ الحركة الطلابية وتراكماتها. إذ كانت قرائة مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية، تعتبر محطات التدافع ووقائع العنف التي عرفتها الجامعة المغربية، هي في الواقع محطات نكوص وتراجع، بحسب تقديرهم، بل واعتبروا أن أعمال العنف تلك، بمثابة مؤشرات دالة عن سوء تدبير الحوار والاختلافات بين مكونات الحركة الطلابية، وعامل مفسر لجزء من الإخفاقات التي عرفتها الحركة الطلابية في مسارها.
المستوى الثاني: في خضم النقاشات الفكرية التي كانت تجمع مناضلي الحركة الثقافية الامازيغية بمختلف المكونات والفصائل الأخرى حول أزمة الحركة الطلابية، وسبل تطوير آليات اشتغالها، كانت الحركة، تعتبر أن استعادة النقابة الطلابية (ا.و.ط.م) لإشعاعها ونضاليتها، للدفاع عن حرمة الجامعة ومصالح الطلبة والطالبات، رهين بتوحيد والتفاف الطلبة حول منظمتهم النقابية، وتقترح كمدخل من أجل ذلك، ضرورة إشاعة حرية التعبير، والحوار البناء، وإعمال قيم الاختلاف والديموقراطية كأسلوب لحل المشاكل بين المكونات الطلابية المختلفة، وكنهج لاستئصال مختلف أشكال العنف الممارسة داخل الجامعة المغربية.
المستوى الثالث: مع تنامي دينامية الحركة الثقافية الأمازيغية واتساع خريطة نشاطها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، بعد بروزها في جملة من المواقع الجامعية والتي كانت إلى وقت قريب، تحسب لبعض التوجهات الطلابية بعينها وتدعي احتكارها، كبني ملال ـ الدار البيضاء ـ الرباط ـ قنيطرة ـ فاس ـ تطوان ـ طنجة… لتنضاف إلى المواقع الأخرى ذات السبق التنظيمي كوجدة ـ أكادير ـ مراكش ـ مكناس والرشيدية. برزت الحاجة التنظيمية للتنسيق على المستوى الوطني، كآلية تنظيمية لتوحيد الصفوف وتنسيق العمل وتقريب وجهات النظر والمواقف من مجموعة من المسائل المطروحة.
مما سبق يضيف “عبد العزيز” أن مخرجات لقاء التنسيق الوطني الأول، والمنعقد ما بين 1 و 4 أبريل 2001، هي صياغة وثيقة مرجعية تضمنت الحد الأدنى من الأفكار والتصورات المتفق عليها وطنيا، ومن بين ما جاء في تلك الوثيقة، ونصت عليه حرفيا صيغة: “إدانتنا للعنف داخل الجامعة المغربية، ودعوتنا كافة المكونات الطلابية لتوقيع ميثاق ضد العنف بين الطلبة”.
ومنذ ذلك يختم الدكتور، تصريحه لجريدة “أمضال”، ظلت الفكرة تروج في رحاب الكليات المغربية، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ وتنزيلها العملي لأسباب متعلقة بعدم انخراط المكونات الطلابية في مناقشتها والتداول حولها، بمبررات معلنة وأخرى مضمرة، متعلقة أساسا بطبيعة “الإحراج” الذي خلقته الفكرة لبعض المكونات، وخاصة فصائل الطلبة القاعديين، لأن معارضة الفكرة، هو بمثابة تصريح علني بتبني العنف والاستعداد لممارسته.
في ما وصف “موحى أوحى ـ الرحماوي ـ “، خطاب الحركة الثقافية الأمازيغية، بخطاب وفكر جديد أكثر منها تنظيم بمفهوم الفصائلية، الذي كان سائدا من داخل الحرم الجامعي المغربي، يعني من منظور المتحدث “هي إضافة نوعية و تطور طبيعي بوعي الطالب المغربي، وخاصة الطلبة المنحدرين من المغرب المنسي مغرب العمق و الأصل، هذه الإضافة التي رسخت وجودها بمفاهيم جديدة و خطاب لم تستطيع باقي الفصائل (كما تسمي نفسها) مسايرته و حاولة إيقافه و قمعه بممارسة الإرهاب عليه من قبل المتمركسين و الإسلامويين أسياد الجامعة أنذاك”.
ولفهم الخطوات التي بدأت بها الحركة الثقافية الامازيغية لنبذ العنف، والقطع معه من داخل وخارج الجامعة المغربية، أصلت الحركة حسب رأي “موحى”، لمفهوم المكونات الطلابية من داخل النقابة الطلابية (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب)، وانتقدت ورفضت استعمال مفهوم الفصيل لما له من حمولة عسكرية ورمزية عنيفة، مستمدة من الفصائل المسلحة الفلسطينية التابعة لأحزاب ومنظمات وجماعات سياسية مشرقية، وهنا بداية نضالها كحركة ثقافية فكرية ضد العنف بكل تجلياته، ليصل ببعض المكونات تبني المفهوم الجديد، وهنا ربحت الحركة الرهان.
واضاف “موحى” ـ خريج الحركة الثقافية الثقافية الامازيغية موقع أمكناس ـ، أن الحركة استطاعت منذ بداياتها التأسيس لثقافة الحوار مع الآخر و مجادلته فكريا، بل إنها جعلت أشكالها النضالية وحلقياتها ميدانا لحوار فصائل، كان حوارها يقتصر على السيف و الزبارة، فلا يمكن أن تجد مثلا حلقية فكرية تجمع بين منتمين لمكون العدل والإحسان مع التوحيد و الإصلاح، وطلبة منتمون لليسار بكل تلويناته من قاعديي 84 حتى قاعديي 96، ثم طلبة الطليعة و حتى التقدم و الاشتراكية؟!.
إلا أنه بعد تزايد أحداث العنف بين اليسار فيما بينهم، وبينهم والعدل والإحسان، أواخر التسعينات، طالبت الحركة الثقافية الأمازيغية بشكل رسمي و ملزم لجميع مواقعها الجامعية عبر البلاد، تدعو فيه كل المكونات للمشاركة ديمقراطيا في صياغة ميثاق شرف ضد العنف، لتبدأ مناقشة معالمه في كل أشكالها النضالية وتجسد روحه في تعاملها مع باقي المكونات، وللأمانة يضيف “الرحماوي” في سنة 2002 أبدى العدل والإحسان استعداده للتفاعل الإيجابي مع دعوة الحركة، وكذلك مكون الطليعة الاشتراكية وطلبة التقدم والاشتراكية بمكناس، إلا أن الأحداث الدامية التي وقعت بين العدل والإحسان والنهج الديمقراطي القاعدي أنذاك، اجهضت البادرة.
بعد ذلك يسترس “موحى أوحى” في تصريحه الذي خصه لجريدة “أمضال”، توالت الهزائم الفكرية لفصيل النهج الديمقراطي القاعدي، أمام مناضلي الحركة، حتى أنهم يأخذون دروسهم في الماركسية واللينينة وفكر المشاعة من حلقياتنا المركزية، ليتجرأوا على محاولة ممارسة العنف المادي علينا سنة 2003 بأمكناس، لتفشل محاولتهم التي غيروا وجهتها نحو موقع امتغرن، الذي تعرض مناضليه للغدر والاعتداء بقاعة المطالعة ليلا من قبل النهج الديمقراطي القاعدي، أو المشهور بالبرنامج المرحلي، هذا العنف الذي امتصصناه وأكدنا على مبدإية السلمية فكرا و منهاجا في النضال، على الرغم من القوة التي تمثلها الحركة على الساحة الجامعية، لكن من تأسس على مشروعية العنف الثوري المحرف، واستبدادية البروليتاليا لن يعطي جديد غير ممارسة العنف و الإقصاء؛ و منذ سنة 2003 بدأت هجمات واعتداءات الفصيل المذكور تتوالى حتى أودت بحياة ثلاثة طلاب جميعهم ينحدرون من أسامر، رغم اختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية، فهم ضحايا أيديولوجية عنيفة ومافيات تتستر خلف برنامج ثوري مرحلي”.
ونتحداهم حسب تعبير “موحى” أن يطلعونا على البند الثالث من برنامجهم ذاك، و الذي لايقربون فيه غير بند محرف اصلا وهو مواجهة ما يمكن مواجهته في أفق المواجهة الشاملة مع النظام؛ كل هذا العنف الذي حاولت الحركة الثقافية الأمازيغية اجتثاثه بفكرها وخطابها الجديد، للأسف الشديد لم تنجح فيه لعدم توفر الإرادة لدى كل أو أغلبية المكونات الطلابية، بل أصبحت هي الوحيدة التي تدفع ثمن سلميتها المبدإية معتقدين انها نقطة ضعف بل هي أقوى ارتكاز لديها.
وبالرغم من قوة الحركة جماهيريا وتوسع تأثيرها خارج الجامعة وتطور فعلها النضالي، الذي به تستطيع اجتثاث أي مكون يهدد تواجدها، رغم ذلك يختم “موحى” تصريحه، لا تزال الحركة تتمسك بالسلمية في النضال وفي المقارعة الفكرية مع الغير مهما كان مستوى عداءه للحركة، “تحية لمؤسسي هذه الحركة المناضلة والقوية، وتقدير كبير لواضعي أسس البناء الفعال في وقت لا يتجرأ فيه احد في الشارع ومن داخل الجامعة أن يكشف عن أصله ولغته الأم، أو يخالف جحافل الظلام و الاستبداد الإيديولوجي بالجامعات المغربية”.
نشير أن الحركة الثقافية الامازيغية في بياناتها الرسمية، ووعيا منها بحساسية الوضع وخطورة العنف، وانعكاساته السلبية على الجامعة المغربية، لا تزال تشير لميثاق شرف لنبذ العنف و الإقصاء منذ سنة 1999، رغم تعنت باقي المكونات و الفصائل عن الإستجابة لهذا المشروع، إلا أن الحركة الثقافية الأمازيغية ظلت متشبثة بهذا الميثاق باعتباره المدخل الأساسي نحو إخراج الحركة الطلابية من هذا الوضع والقطع مع كل مظاهر العنف، التي لم ولن تخدم الجامعة المغربية في شيئ، ولن تزيدها إلا مزيدا من التكريس لواقع التأزم بالجامعة المغربية ونزف الحركة الطلابية.