تدوينة ل: ذ. عبد السلام خلفي
إحساسٌ قاهر ومرّ ولذيذٌ ومشبعٌ بالأمل أن تندسّ وسط بحر هادر من البشر في الرباط يصيح هاتفاً بالريف… إحساسٌ قاهر ومرٌّ … لأنه إحساس يحيل على الغبن وسوء الفهم التاريخي الكبير الذي جعل من هذه الأرض تهمة ومن سكانها متهمين إلى إشعار آخر… إحساسٌ صعب التحمّل أن تتهمك حكومتك بأسوأ ما يمكن أن يتهمك به أعداؤك اللدودون… أن تتهمك الأحزابُ وثلاثة أجيال من الوطنيين بالخيانة وتشتيت البلد… إنفصاليون، نحن، وخونة وباعة الوطن بثمن بخس دراهم معدودات…. هكذا لخصت الحكومة تاريخ الريف وحراكه… وهكذا استقر في أكثر من ستة عقود أن الريف تُهمة… وأن تُهمتك أيها الريفيُّ هو تاريخك الذي حفر، رغم أنفك، ذاكرتك الجمعية وشذبها وجعلها ما أنت عليه…
إحساسٌ بالمرارة سيظلُّ، مع ذلك، محفوراً في الأفئدة الجماعية للريفيين حتى وإن حول المخزنُ أرض الريف إلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار….
لكن صيحة واحدة وهادرة في الرباط من أجل الريف،..صيحةٌ تخرج من أفواه أكثر من 1000000 مواطن (ة) مغربي (ة) ينتمون إلى كل بقاع الوطن أمكنت من أن تُبدّد التهمةَ … وفي لحظة أعادت اللحمة إلى سيرتها الأولى…نحن شعبٌ واحد…
هكذا، إذن، ولأول مرّة سيصيح الرباط من أجل الريف… يصيحُ من أجل أن نكون ما نحن… من أجل تعددنا…
لقد جرت العادة أن يصيحُ الريف دائماً للرباط والرباطُ يصيحُ دائماً للشرق الأوسط… لكن أن يصيح الرباط، من أجل الريف، فتلك طفرة في التاريخ جديدة!!!!! … إنه شيء لا يُصدق !…
إن لذة الصيحة في الرباط لتفتح أحلاماً كبيرة أمامنا… تفتحُ أحلاماً لتكون هناك إمكانية للانتماء الكامل والكلي إلى الوطن…انتماءً إليه بكل ما نحملُه من قيم وثقافة ولغة وتاريخ، بل وجروح وندوب وسوء فهم … انتماءً بكل ما تحمله ذاكرتنا الجمعية من أحلام واختلاف وتعدد…
الصيحة تمكننا من أن نحمل راية محمد عبد الكريم، لأنها ليست عورة ولا سُبّة… هي رايتنا التاريخية التي نعتزُّ بها والتي ضحّى تحت ظلها أجدادنا بدمائهم…
الصيحةُ تمكننا أيضاً من أن نحمل راية الأمازيغ، لأنها راية تحيل على انتمائنا الأمازيغي الممتد لمئات القرون في هذه التربة المغربية…
الصيحة تمكننا أخيراً من أن نحمل الراية الحمراء التي في وسطها النجمة… لأنها تحيل على الجماعة الوطنية الكبرى… أو على الدولة التي نريدها أن تكون دولة لجميع المغاربة… دولةً تبني الطرق والقناطر والمستشفيات والمعامل والمدارس والجامعات…
ولأننا معتزون بانتمائنا للوطن فإننا نرفض أن تُقاس وطنيتنا بمدى تخلينا وتنكرنا لانتماءاتنا المحلية الأخرى، … ننكر أن يُطلب منا أن نتنكر لتواريخينا الجماعية والشخصية… ننكر أن نتخلى عن رموزنا… فنحن ما نحن… واقبلونا كما نحن….. لا نريد أن تصبغونا بأصباغ مستوردة خادعة كي نرضيَ حكومة هي الأكثر انفصالاً عنا…..
الرباط اليوم بخروجها من أجل الريف تخرج من أجل الوطن…