إذا كانت الروابط المتنوعة بين الشعبين الجزائري والمغربي لا تحتاج إلى تأكيد؛ فإن ما عرفته العلاقات الرسمية بين البلدين منذ بداية الستينات إلى اليوم فوتت على الشعبين وعلى المنطقة المغاربية العديد من فرص التعاون والتكامل الذي تطلعت إليه شعوبها منذ برزت فكرة المغرب الكبير خلال مخاضات النضال المشترك، وكانت محور حماس وحدوي جامح ما لبث أن انطفأ مع قيام الدول القطرية وبقيت القيادات التاريخية تلح عليه في كل مناسبة سنحت. ومع ذلك ضاعت العديد من الفرص.
وحرصا منا على ألا تضيع فرص أخرى أرى أن الخطاب الملكي الأخير فتح أفقا جديدا بلغة جديدة للمكاشفة والتصارح في سبيل بناء علاقات إيجابية بين الجزائر والمغرب. وأنا الذي عشت في ضيافة الشعب الجزائري أكثر من خمس سنوات وأعرف تطلعاته إلى الوحدة، آمل أن يتجاوب إخوتنا في الجزائر حكومة وشعبا ونخبا مع هذه الفرصة. وأن تكون البداية بتوقيف كل الحملات الإعلامية في البلدين لتصفية الأجواء. فالتطورات التاريخية بين الشعوب تتم عبر جدل فعل الدول وفعل المجتمعات المعنية. وإذا كان فعل الدول غالبا ما يتم عبر القنوات الديبلوماسية؛ فإن الفعل المجتمعي للإنجازات الاستراتيجية يتم بواسطة آلياته وإطاراته. ولكي لا نفوت هذه الفرصة؛ وحتى نضمن النجاح المأمول لتجسير العلاقات الجزائرية والمغربية، فإننا إلى جانب المجهودات التي يلزم أن تقوم بها القنوات الرسمية أرى أن على الأحزاب والنقابات وفعاليات المجتمع المدني والنخب المؤثرة أن تقوم بأدوارها في تجسير وتقوية القنوات التي لم تنقطع قط بين الشعبين. خاصة وأن هذا العمل الاستراتيجي يسمو فوق كل الظرفيات.
وبما أنه لا تقدم إلا في ظل الإنصاف والديمقراطية والمواطنة الحقة والشراكة الفعلية فإننا ننتظر من المسؤولين في البلدين أن يرسخوا قواعد الديمقراطية و يوسعوا دائرة المشاركة بما يرجع الثقة ويهيئ الظروف التي ستساعد على تقوية المبادرات الرسمية، و الإسهام في إعادة بناء المواطنة المغاربية وإطلاق سيرورة حماس شعبي بمبادرات مدنية مؤسسة قاعدتها الشباب المغاربي ودعامتها رموز كثيرة وشخصيات جزائرية ومغربية. وهو ما سيفتح أفقا رحبا لبناء الفضاء المغاربي القادر على حل كافة المشاكل وإطلاق ديناميات التطور التي تنمو فيها المواطنة المغاربية بتكامل وتناغم المواطنات القطرية.
الدار البيضاء في 12نونبر 2018
إمضاء: محمد بنسعيد أيت إيدر