إن نقل الثقافة وتناقلها ظاهرة لا تُعوِز آي مجتمع بشري، إذ تُعَدّ من الميولات الطبيعية التي يتوَسَّلها كل مجتمع وكل فرد ومجموعة لنقل المعيش والمعتَقَد والمفًكّر وكل ما يُحْرَص على توريثه للخَلَف وللغير بعد الوفاة، حفظاً له من الانقراض. ومن ثم دأب الإنسان على نقل كلّ ما يستلزمه توضيبُ البنيات المجتمعية واشتغالُها، حيث إن قابلية النقل تشمل عناصر وأشياء مختلفة طبيعتها، من مادية وغير مادية، ملموسة ومجرّدة، واقعية وخيالية، مقدّسة ومُدنّسة… ذلك أنه بممارَسة النقل تنتظم الحياة الاجتماعية ويتأتى إرساءُ أُسّ استدامة المجتمع وإعادةُ إنتاجه.
وعلى صعيد المغرب الراهن، و أكثر من أي وقت مضى، يتموقع النقل الثقافي بين دفّتَيِ الاستمرارية والتغيير. وهو ما يدعو، عند استحضار حال الثقافة الأمازيغية، إلى التساؤل حول مدى وقعٍ التحولات الاجتماعية على الأنماط المعتادة للنقل الأفقي، والعموديّ بوجه خاصّ.
وللنقل العمودي أهمية قُصوى في الأوساط الأمازيغية التقليدية؛ حيث إن النّاقِل، وهو إما من الأصول والأجداد أو أي راشدٍ مؤهّل، يتولّى، من بين مهامه الرئيسة، إدراج المتلقّي، وهو من الفروع، أو أيّ يافع، ضمن مجموعة انتمائه أو مرجعيته؛ علماً بأن الأخذ عن الكبار والتلقي من الأسلاف من باب مجريات حياة الأجيال الصاعدة. كما أن بناء الهوية الثقافية لدى الأوساط يقوم على عراقة إوَاليَات التكوين، ويتمحور حول عمليَتَي تملّك ونقل العناصر الضروريّة للعيش الجماعي، وهي اللغة، والسلوكات، والأساطير، والطقوس، والمعارف، والمهارات، والقيم. وتتناقل أغلب هذه العناصر وسط الأسرة قبل غيرها، عن طريق الوالديْن والجدّ والجدّة.
وللمرأة في الوسط والثقافة الأمازيغييْن مقامٌ متميّز من حيث محافظتها على تقاليد الأسلاف، ولما لها من علوّ الشأن في النقل الثقافي وتأمين تداوله، إذ في كنَفها وهي أمّ، يكتسب الرضيع لغتَه الأولى. وطوال القرون ومع تعاقب الألفيات، ما فتئت الأمهات ينقلن، من جيل لآخر، مهاراتٍ ومعارفَ ذات أبعادَ كونيّة. ويشهد على ذلك، من بين العديد من النماذج، فنّ نسج الزربية بشتى أشكالها. فهذا المتاع المعدّ أصلاً لاستعمال نفعي يوميّ، كان ولا يفتأ مصدر إلهام قرائح الكثير من مشاهير الفنانين المبدعين على الصعيد العالمي، من أمريكيين وأوروبيين، ولا سيما منهم رسامو المدرسة التجريدية. وهذا التميّز يقتضي أن يفرد لهذا الفن ما يستحق من إضاءات لإجلاء دوره في مجال النقل الثقافي.
بيد أنه لابد من الإشارة إلى أن نمط النقل بالوسط الأمازيغي على النحو السالفِ وصفُه، بات في ذمّة التّضاِؤل والانحسار. ومرد ذلك إلى الإصلاحات الهيكلية التي أُدْخِلت على المنظومة المجتمعية المغربية، خلال القرن الماضي، قبل وبعد حقبة الاستعمار، والتي تولّدت عنها تغيّرات وازنة. ومن ذلك مثلاً، أن التعليم العصريّ قد أثار صراعاً غير مسبوق بين منظور الناقل للثقافة وبين طريقة تفكير المتلقي المستهدف بالمنقول. فغالبا ما ينبري التلميذ، محاكاةً منه لمعلّمه ، ليتطاول على أبويْه لتصحيح تصوّرهما الأسطوري لحدثِ تاريخيّ، أو لظاهرة طبيعيّة؛ وقد يذهب به الأمر إلى انتقاد أو شجْب ممارساتهما ومعتقداتهما.
وفضلا عن ذلك، فإنه مع انبثاق المجتمع المدني وتناميه، وباتساع نطاق استعمال التكنولوجيات الحديثة للاتصال، لم يعُد نقِلُ العلم والمعارف حكراً على أداء المُعلّم بمفهومه التقليدي. إذ أصبح ينافسه في ذلك، بل يتجاوَزُه، صغارُ الراشدين والمراهقون. فهل يعني هذا قلب الأدوار ما بين الناقل والمتلقّي ؟
للجواب على ذات السؤال، يتعين الأخذ بالاعتبار أن المجتمعات التي تتواصل فيما بينها تعرف تغيّرات تَطولُ، بدرجات متفاوتة، أنماط النقل القائمة لدى كل واحد منها. ومن شأن ذلك أن يأتي بإضاءَة جديدة حول ما يعِتمِل قي الثقافة الأمازيغية من ديناميات، وذلك بالانكباب على سبر أغوار البحث في مسألة تدبير التحوّلات.
وثمة أسئلة تطرح وتفرض ذاتها على بساط البحث. كيف يتم النقل الثقافي في وضعيات التحولات الاجتماعية ؟ وهل هناك، في هذا السياق، خلل في ممارسات النقل، أم أن هذه الأخيرة تتكيّف وتتلاءم مع الوضع؟
وللوصول إلى أجوبة شافية عن هذه التساؤلات وغيرها، ولفتح مسالك بحث جديدة في الموضوع، تأمل مجلة أسيناگ أن تتلقى مساهمات الباحثين المهتمين بالموضوع، مندرجةً ضمن أحد المحاور الآتية :
· أنماط وأساليب وقنوات نقل التقنيات والمهارات في مجالات البناء والإنتاج : الفن المعماري، والحليّ، والخزف، والزرابي…
· نقل وتناقل القيَم والمعتقدات والتمثّلات الجماعية…
· دور ووظيفة المرأة في مدارات التناقل الثقافي.
· أساليب ورهانات تناقل التقليد الشفهي وتوارثه عبر الأجيال.
· آثار التحولات الاجتماعية على أنماط النقل الثقافي : الاختلال، والتكيّف، والاستيعاب، وانبثاق أنماط أخرى…
توصيات المشاركة :
– لغات التحرير : الأمازيغية، والعربية، والفرنسية، والأنجليزية، والإسبانية.
– يجب أن لا يتجاوز حجم المقال 14 صفحة، بما في ذلك لائحة المراجع ويمكن تحميل دليل التحرير هنا: أنقر هنا [ PDF ]
– إرفاق المقال بملخص لا يتجاوز 10 أسطر، محرّر بغير لغة المقال، بمحرَف Times New Roman حجم 12، وفسحة عادية.
الرزنامة:
– إرسال المساهمات في أجل أقصاه 30 يناير 2017 , عبر البريد الإليكتروني للمجلة asinag@ircam.ma أو عبر البريد العادي إلى العنوان الآتي: مجلة أسيناك، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، شارع علال الفاسي، مدينة العرفان، حي الرياض، ص.ب. 2055، الرباط – المغرب.
– إشعار بقبول المساهمات: يوم 30 مارس 2017.