ندوة جهوية بالقنيطرة حول ” تحفيز الالتزام المواطن وتعزيز المواطنة الفاعلة والشفافية”

نظمت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بشراكة مع جمعية «من أجل الشباب»، اللقاء الجهوي الثاني حول موضوع تحفيز الالتزام المواطن والمواطنة الفاعلة لتعزيز الشفافية، يوم السبت 14 يونيو 2025 بمدينة القنيطرة.

وتعتبر هذه الندوة محطَّة من سلسلة اللقاءات التي تنظمها الهيئة ضمن سياق إطلاق نقاش وطني حول الالتزام المواطن ودوره في محاربة الفساد وتوفير أسس للتنمية المستدامة والنزيهة. وقد تم في هذا الإطار تنظيم ندوة وطنية يوم 5 فبراير 2025 بالرباط، وندوة جهوية أولى بمدينة الجديدة يوم 10 ماي 2025.

حضر هذه الندوة ممثلون عن عدد من جمعيات المجتمع المدني ينتمون إلى عدة مدن بالجهة، وممثلون عن عدد من الجماعات الترابية على رأسهم السيدة حكيمة حروزة رئيسة جماعة القنيطرة، بالإضافة إلى عدد من المهتمين بالشأن العام في علاقته بإشراك المواطنين في التدبير وتفعيل آليات المشاركة المواطنة.

ويندرج هذا اللقاء، الذي افتتحه السيد أحمد العمومري الأمين العام للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ضمن سياق التحولات التي يشهدها المغرب على مستوى المشاركة المواطنة وتكريس مبادئ الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن العام، ويهدف إلى تحفيز انخراط المجتمع المدني والمنتخبين والشباب في بناء منظومة أكثر مسؤولية قائمة على التشارك والحكامة الرشيدة. كما يهدف إلى توفير فضاء للتفكير الجماعي والنقاش التشاركي حول آليات تفعيل الالتزام المواطن في محاربة الفساد، بالإضافة إلى إبراز دور الجماعات الترابية والهيئات الاستشارية والمؤسسات التمثيلية في هذا الورش.

وقد تضمن البرنامج مداخلات متنوعة توزعت على عدة محاور مثل دور الهيئة الوطنية في ترسيخ النزاهة والوقاية من الفساد ودور الشباب في الدينامية والتفعيل التشاركي للعرائض، بالإضافة إلى تجارب محلية في تكريس الحكامة التشاركية على المستوى الجماعي.

الجلسة الافتتاحية

افتتحت هذه الندوة بكلمة السيد أحمد العمومري الأمين العام للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيث أبرز أهمية الالتزام المواطن في محاربة الفساد وتوفير المناخ الملائم للتنمية المستدامة. وتحدث كذلك على انفتاح الهيئة على المجتمع المدني وكافة الفاعلين على الصعيدين الوطني المحلي للتعاون وتبادل الخبرات وتوفير إجابات للتحديات

التي يطرحها الفساد في تدبير الشأن العام. مؤكدا أن مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية عملٌ يحتاج إلى كل الطاقات التي يزخر بها المجتمع سواء تعلق الأمر بالمؤسسات العمومية أو المجتمع المدني أو القطاع الخاص أو الصحافة وأيضا عموم المواطنين.

وتناول رئيس جمعية “من أجل الشباب” بدوره أهمية الالتزام المواطن ودوره في محاربة الفساد، بالإضافة إلى تقديم نظرة وافية على برامج ومشاريع الجمعية التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة وكذا ثقافة المواطنة الفاعلة، وذلك من أجل تحفيز الذكاء الجماعي وتسخيره لتحقيق التنمية.

الجلسة الأولى: الالتزام المواطن كدعامة للحكامة الجيدة ومكافحة الفساد: الأسس، دور الشباب، وآليات التأثير في السياسات العمومية

خلال هذه الجلسة استعرض ممثل الهيئة الوطنية للنزاهة الأدوار والمهام المنوطة بالهيئة وذلك من خلال مقتضيات القانون 46.19، وأهم الأوراش التي اشتغلت عليها خلال السنوات الأخيرة، مؤكدا على أن الهيئة حلقة أساسية ضمن المنظومة المؤسساتية لمكافحة الفساد بالنظر إلى للاختصاصات الممنوحة لها بمقتضى الفصلين 36 و167 من الدستور. كما بسط رؤية الهيئة لتعزيز التزام المواطن بالإضافة إلى الدعائم والشروط اللازمة لتفعيله. وفي هذا السياق تم إبراز أن تحقيق حكامة فعالة يتطلب انخراطًا فعليًا للمواطن، باعتباره شريكا أساسيا في صياغة السياسات وتتبع تنفيذها، لا مجرد متلق للخدمة العمومية.

وأشار إلى أن انخراط المواطنين في ورش مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية يتطلب جملة من الدعامات والمحفزات التي تعزز الثقة بين المواطن والمؤسسات العمومية، وأن هذه الدعامات والمحفزات تتوقف على تنزيل المقتضيات الدستورية المتعلقة بالحكامة والديموقراطية التشاركية وتجويد الخدمات العمومية وأيضا بالأدوار المنوطة بالفاعل السياسي في تأطير المواطنين.

كما سلط ممثل جمعية “من أجل الشباب” الضوء على الدور الحيوِي الذي يلعبه الشباب في تعزيز الالتزام المواطن ومحاربة الفساد، من خلال التوعية، والرقابة المجتمعية، والمبادرات المدنية. كما أبرز أشكال المشاركة، خصوصا الرقمية والمؤسساتية، التي تمكن الشباب من التأثير في السياسات العمومية. بالإضافة إلى ذلك، ناقش التحديات التي تحد من انخراطهم، مثل ضعف الوعي، الصعوبات المسطرية لتأسيس الجمعيات أحيانا، وغياب القنوات المؤسسية للحوار. وفي هذا السياق، قدم مقترحات عملية لتجاوز هذه التحديات، بما في ذلك الاستثمار في التربية المدنية والرقمنة. وختم مداخلته بعرض لمبادرات جمعية «من أجل الشباب» كنماذج ميدانية تعکس التزام الشباب بالتغيير الإيجابي.

كذلك قدم منسق اللجنة المحلية لدعم العرائض بالقنيطرة عرضا حول دور آلية العرائض في تعزيز الالتزام المواطن وتكريس الشفافية والحكامة المحلية. وأوضح في مداخلته كيف تمكن العريضة المواطن من الانتقال من دور المتلقي إلى فاعل يشارك في اقتراح السياسات وحل المشكلات، مما يجسد مفهوم المواطنة الفاعلة، مضيفا أن تفتح العرائض هي قنوات للتواصل بين المواطن والمؤسسات، بما يعزز الشفافية والمساءلة، عدا عن كونها وسيلة لإشراك المجتمع في اتخاذ القرار المحلي، وتقوية الحوار والتعاون بين مختلف الفاعلين. ورغم هذه الأدوار الحيوية، أشار المتدخل إلى أن هذه الآلية تواجه تحديات متنوعة، مثل ضعف الوعي، وتعقيد الإجراءات، وقلة تجاوب بعض المؤسسات.

وهمّت المداخلة الرابعة في هذه الجلسة، التي قدمها منسق اللجنة المحلية لتفعيل التشاور العمومي بالقنيطرة، تفعيل آليات التشاور العموم، حيث أكد أنها ليست فقط إطارا قانونيا، بل أداة حيوية لتعزيز الديمقراطية التشاركية وبناء الثقة

بين المواطن والمؤسسات عبر إشراكه في صنع القرار وتحويله من متلقٍ إلى فاعل. وبتنويع هذه الآليات (بين رقمية، ميدانية، مؤسساتية) ومأسستها، يصبح التشاور رافعة للتنزيل الفعلي للسياسات الواقعية ويعزز التماسك الاجتماعي.

الجلسة الثانية: دور الجماعات الترابية والهيئات المحلية في تعزيز الشفافية والمواطنة الفاعلة

خلال هذه الجلسة ألقت رئيسة جماعة القنيطرة كلمة عبرت فيها عن أهمية هذا اللقاء باعتباره فرصة للحوار بين مكونات المجتمع المدني ومدبري الشأن المحلي بالمدينة بحضور الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها. وأكدت كذلك أنها تبقى منفتحة على النقد البناء الذي يساهم في تجويد أداء الجماعة وخدمة المواطن، مشيرة إلى أن محاربة الفساد وتكريس الشفافية أمران أساسيان للتنمية المستدامة التي يتطلع إليها المغرب، وهو ما يتطلب انخراط المواطنين في هذه الدينامية.

ثم قدم ممثل الجماعة عرضا حول الإجراءات التي قامت بها الجماعة في سياق محاربة الفساد وتوفير الخدمات في إطار يتسم بالشفافية والنزاهة، خاصة عبر الرقمنة وتوفير الخدمات الالكترونية التي تستهدف كلا من أعضاء المجلس الجماعي والموظفين بالإضافة إلى المواطنين وممثلي وسائل الإعلام، وذلك من أجل توفير الخدمات عن بعد وتقليص الاحتكاك بين الموظفين والمرتفقين. وشدد على أن الرقمنة وتوفير هذه الخدمات عبر الإنترنت يحدان من مخاطر الفساد بالإضافة إلى سهولة الولوج إليها، مشيرا إلى أن الجماعة تستعد لتنظيم أيام الأبواب المفتوحة للتعريف بهذه الخدمات وتقديم شروح حول كيفية استخدامها وتوفير المساعدة للمواطنين، مؤكدا أن ل هذه التدابير تسهم في محاربة الفساد وتبسيط الإجراءات وتوفير الوقت وتقريب الإدارة من المواطن.

وتمحورت مداخلة ممثل هيئة تكافؤ الفرص والمساواة لدى جماعة القنيطرة حول دور الهيئة في ترسيخ مبدأ المشاركة المواطنة على صعيد الجماعة بالإضافة إلى التحديات التي تواجه عملها الهيئة في هذا السياق. وأكد أن دور الهيئة يظل دورا استشاريا وقوة اقتراحية، مشيرا إلى أن إحداث هذه الهيئات جاءت في سياق دينامية إشراك المواطنين في تحقيق التنمية من خلال تعزيز مقاربة النوع في السياسات والمشاريع العمومية، ومن خلال توسيع الحوار والنقاش بين الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني على الصعيد المحلي.

وكانت آخر مداخلة في هذا اللقاء للكاتب العام لجمعية من أجل الشباب وعضو لجنة إشراف برنامج انفتاح جماعة القنيطرة وعضو لجنة الإشراف للحكومة المنفتحة في المغرب، سلط خلالها الضوء على أهمية انخراط الجماعات الترابية في ترسيخ مبادئ الانفتاح، عبر تعزيز الشفافية، وإعمال الحق في الوصول إلى المعلومات، وإشراك المواطنات والمواطنين في صياغة السياسات العمومية. كما أبرز تجربة جماعة القنيطرة في تفعيل آليات المشاركة، بفضل انخراطها في شبكة الجماعات المنفتحة ومأسستها لممارسات الحوار التشاركي. كما تطرق إلى أدوار الفاعلين المحليين، بما في ذلك المجتمع المدني والشباب، في تتبع وتقييم السياسات. وأكد على ضرورة الانتقال من التفاعل الرمزي إلى التمكين الحقيقي للمواطنين في اتخاذ القرارات.

التفاعل والنقاش

شهدت نهاية كل جلسة تفاعلا مهما مع المداخلات المقدمة، حيث ألح الحاضرون الذين يمثلون المجتمع المدني قدموا من مدن مختلفة على أهمية مبادرة الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحابتها بالانفتاح على الفعاليات المحلية وبتوفير فضاء للحوار بينهم وبين مدبري الشأن العام المحلي.

كما تضمنت تدخلاتهم عددا من الأسئلة والقضايا تمثل في جوهرها انشغالا عميقا بأهمية الانصات إلى المبادرات المجتمعية بشأن تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، وبأهمية توفير آليات لإشراك المواطنين في إعداد المشاريع المحلية وتحديد الأولويات. بينما انصبت تدخلات أخرى على تعداد مؤاخذات وانتقادات لبعض الممارسات في تدبير الشأن العام بما في ذلك عدم الإشراك المنتظم للمواطنين والمجتمع المدني، وقدمت تبعا لذلك اقتراحات وتوصيات الغرض منها الدعوة إلى مواصلة العمل من أجل إشراك فعلي للمواطنين وفعاليات المجتمع المدني، وتطوير الأداء بما يخدم الصالح العام.

بعض التوصيات الأولية:

– التركيز على فئة الأطفال والشباب وتوفير ورشات تكوينية للتوعية بأخلاقيات المواطنة والنزاهة.

– مواكبة هؤلاء الشباب ودعم انخراطهم الفعلي نظرا لدورهم كقوة اقتراحية في التغيير وذلك بتفعيل آليات الديموقراطية التشاركية.

– إيلاء اهتمام خاص للعالم القروي نظرا لتفشي الفساد والنقص في التكوين والوعي في هذه المناطق.

– التركيز على دور المؤسسات التربوية في نشر قيم النزاهة والشفافية خاصة في ظل التحولات التي يشهدها العالم بشكل عام والمتسمة بتراجع القيم الإيجابية.

– تجنب التعميم في الأحكام نظرا لوجود أفراد نزيهين في المجتمع، ومؤسسات تخدم بالفعل المصلحة العامة وتسعى للتغيير الإيجابي، لأن من شأن هذا التعميم إحباط المبادرات الإيجابية وتعميق أزمة الثقة.

– أهمية مراعاة الكفاءة في اختيار أعضاء الهيئات الاستشارية في الجماعات الترابية لضمان تحقيق الأهداف المنشودة في تعزيز الشفافية وتوفير الخدمات ضمن سياق يتسم بالفعالية والنزاهة.

 

اقرأ أيضا

فعاليات أمازيغية تجر وزارة التربية الوطنية إلى القضاء بسبب تأجيل تدريس الأمازيغية

تقدمت 15 جمعية مدنية وثقافية أمازيغية من مختلف جهات المغرب بطعن إداري أمام المحكمة الإدارية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *