نظمت شعبة الفلسفة، بالتعاون مع مجتمع الخطاب وتكامل المعارف وماستر الفلسفة المعاصرة: مفاهيم نظرية وعملية، ندوة حول موضوع “الفلسفة والحرب: مآزق العيش المشترك”، بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور، التابعة لجامعة محمد الأول؛ وقد جرت أشغال هذه الندوة يومي الأربعاء والخميس 13 و14 من الشهر الجاري، بقاعة العروض والندوات التابعة للكلية.
ابتدأت أشغال هذه الندوة يوم الأربعاء على الساعة التاسعة والنصف صباحا بكلمة افتتاحية ألقاها كل من السيد عميد الكلية ورئيسة شعبة الفلسفة ومدير مختبر المجتمع والخطاب وتكامل المعارف ومنسق ماستر الفلسفة المعاصرة. وانطلقت الجلسة الأولى مباشرة بعد هذه الكلمة، بمداخلتين للأستاذين محمد حجاوي (الكلية المتعددة التخصصات بالراشدية-جامعة مولاي اسماعيل) وفريد لمريني (الكلية المتعددة التخصصات بالناظور- جامعة محمد الأول). وفيما يخص المداخلة الأولى، فقد تطرق ذ. حجاوي إلى موضوع التبرير الأخلاقي للحرب، ليبين أن الحرب ليست دائما شرا، بل هي من طبيعة الإنسان، أي أن الحرب واللجوء إلى القوة مسألة حيوية للحفاظ على الذات، غير أن هذا لا يمكن أن يبرر الحروب والصراعات المجنونة؛ أما فيما يخص المداخلة الثانية، فقد حاول ذ. لمريني أن يبين بأن الاكتفاء بالمقاربة الفلسفية وحدها قد لا يساعدنا لفهم حقيقة العنف أو الصراع، بل لابد وأن نستعين أيضا بالمقاربات الأنثروبولوجية والسيكولوجية حتى نحيط بالموضوع من كل جوانبه، كما أن التمييز بين عنف مشروع وآخر غير مشروع قد لا يساعدنا على فهم أشكال أخرى من العنف، ومنها العنف المستباح.
وفي الجلسة المسائية، حاول ذ. مروان الحميداني (كلية الأداب والعلوم الإنسانية بمكناس – جامعة مولاي إسماعيل) أن يقارب موضوع الحرب بالتركيز على مفهوم الهوية، انطلاقا من تصور جوديث بتلر التي تربط بين ممارسة السلطة والهوية الجسدية، باعتبار أن ما تستهدفه السلطة هو التحكم في الجسد وترويضه، لذلك فالقوانين دائما ما تُكتب على الأجساد. وفي المداخلة الثانية، ألقت الأستاذة زهرة شلاط (الكلية المتعددة التخصصات بالراشدية-جامعة مولاي اسماعيل) مداخلتها باللغة الفرنسية، حاولت فيها أن تقارب ظاهرة الحرب باعتبارها ظاهرة بشرية خالصة، متصلة أساسا بالخوف وخيبة الأمل. وخصص ذ. يوسف أقرقاش المداخلة الثالثة للنظر في التمفصل الحاصل بين مفاهيم الحرب والسلطة والطاعة، وخلص من ذلك إلى أن الممارسة السياسية هي في الأصل ممارسة حربية (الغزوات والانقلابات)، حتى وإن اتخذت صورا سلمية في ظاهرها (النُّظُم التي تتلو الغزوات والانقلابات والتي يتوجب على الناس طاعتها).
وفي اليوم الثاني، وضمن أشغال الجلسة الأولى، حاول ذ. توفيق فائزي (الأستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس- جامعة مولاي اسماعيل) ، في مراجعته النقدية لكتاب الغضب والزمن لبيتر سلوتردايك، تتبع مفهوم الغضب والتحولات التي عرفها عبر التاريخ الإنساني بدءا بالأساطير اليونانية مع أخيل وصولا إلى الأزمنة الحديثة. وحاول ذ. عز الدين العمراوي (أستاذ الفلسفة بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور) من جانبه النظر في حالة الطبيعة، والجواب عن السؤال عما إذا كانت حالة احتراب دائم، انطلاقا من مقارنة أجراها بين هوبز وروسو. كما حاول ذ. يوسف أشلحي (الفلسفة بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور)، مستلهما فلسفة جوديث بتلر، الحديث عما سماه كوجيطو النفي، أي لماذا الحياة على أنقاض الإماتة؟ وقد أظهر أن الحرب هي حالة نفي لأفراد مهمشين مقابل اعتراف لجزء من الناس بأنهم أكثر استحقاقا للحياة.
وخلال الجلسة الثانية من اليوم نفسه، قدم ذ. عز العرب لحكيم بناني مداخلة تناول فيها الطرق التي يمكن من خلالها ممارسة الحرب بشكل سلمي، شريطة أن لا ننظر إلى السلام باعتباره غاية، بل هو مجرد وسيلة لتحقيق مجتمع عادل، بحيث يتجنب الصراع العنيف ويستبدله بأدوات سلمية فعالة في تغيير الأنظمة والسياسات الظالمة. وفي المداخلة الثانية، تطرق ذ. عبد المجيد باعكريم إلى موضوع الحرب من وجهة نظر ابستيمولوجية ترى أن الإنسان، باعتباره “خالقًا”، قد تطور من حالة أولية من الحرب والفوضى (الكاووس) إلى حالة النظام (الكوسموس). في البداية كانت الفوضى نتيجة لغياب الفهم المنظم والمعايير الأخلاقية، لكن مع تطور الفلسفة والعلم والنظم الاجتماعية، نجح الإنسان في بناء نظام متوازن يعكس مستوىً متقدمًا من المعرفة، حيث يسعى للحفاظ على السلام وتجنب العودة للفوضى.
وانتهت اشغال الندوة بقراءة كلمة الفنان أسامة أيت واحي، صاحب اللوحة، أشار فيها إلى الكيفية التي حاول من خلالها أن يعبر عن مفاهيم الحرب والسلطة والخوف والأمل، من خلال استحضار رموز هذه المفاهيم والتعبير عنها بواسطة الألوان والأشكال، وقد كانت كلمته بمثابة مداخلة ملخصة لكل ما جرى خلال الندوة.