ببالغ الحزن والأسى العميقين تلقينا في منظمة تاماينوت خبر رحيل الكاتب و المناضل الأمازيغي الكبير أحمد الدغرني، المناضل الذي كان أحد المؤسسين الذين أسهموا في بناء صرح العمل الثقافي و الحقوقي الأمازيغي، مسار تضحيات و مكابدات و خدمات جليلة أسداها بنكران ذات خدمة للثقافة الأمازيغية و إيمانا عميقا بالمستقبل و بالحرية و بالعدالة الاجتماعية في الخيرات المادية و الرمزية و بالمساواة الفعلية، مسار أحمد الدغرني مسار لحيوات متعددة و إسهامات و تجارب نذرت نفسها للنضال في جبهات مختلفة و صانت للفقيد وضعه الاعتباري كواحد من قامات العمل الثقافي التي جعلت من القضية الأمازيغية قضية حياة.
و جعلت أعماله الفكرية ترسخ أفقا نقديا يروم الرفع من الوعي الثقافي للأمازيغيين و الأمازيغيات و تقريب متضمنات و علامات الذاكرة الثقافية و التاريخية الأمازيغية للأجيال، مثلما شكلت قراءاته في المشهد السياسي المغربي علامة دالة على مثقف لم تنفصل الثقافة لديه عن رهانات التغيير الاجتماعي ولم تركن إلى الأهواء و خطابات الانفعال وهي تبحث في طبقات الخطاب السياسي و الممارسة السياسية على السواء عما يمكن أن ينير الوعي و يقود الفكر إلى التأسيس لخطاب التعدد اللغوي و التنوع الثقافي و إرساء ممارسة سياسية تقوم على تصور ثقافي و رؤية حداثية للحاضر و المستقبل.
إن رهان الفقيد على التأسيس ميسم جلي في كل أعماله؛ في عمله على ترجمة الأعمال الأدبية الكبرى وفي انشغاله بالكتابة الأدبية من منطلق الاشتغال على الفضاءات الأمازيغية و الاحتفاء بالماضي الثقافي الأمازيغي ، كما شكلت تحقيقاته لكتب التراث اللغوي و المدونات الرحلية فعلا دالا على الرغبة في تأسيس رؤية جديدة للتراث تؤمن له امتداده دون أن تتصل به و أن تنفصل عنه، و تتخذه منطلقا لفهم الحاضر ، وفي السياق ذاته ترجمت أعماله المعجمية حرقة الأسئلة التي شغلت الراحل في استشرافه لممكن تهيئة لغة أمازيغية معيارية تضطلع بوظائف حيوية في كل مجالات الحياة.
مهمة التأسيس كانت حاضرة في انشغال الفقيد بإصدار منابر إعلامية أمازيغية و الإشراف عليها بحرفية كبيرة، وجعلها كوة لإشاعة صرخته المنادية بالحقوق الثقافية و حقوق الإنسان و المدينة لكل أشكال الطمس و الحجب، الصرخة التي كانت حاضرة منذ نضاله الثقافي و الإبداعي بالمعهد الإسلامي بتارودانت و بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب و بالدورات الأولى للجامعة الصيفية و بالكونغريس العالمي الأمازيغي و بالمجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الأمازيغية و تأسيسه للحزب الديموقراطي الأمازيغي ، وفي عمله في سلك المحاماة الذي انتسب إليه.
عمل أحمد الدغرني وحركيته كان لها موقع في المشهد الحقوقي الكوني ومشاركته في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان بفيينا سنة 1993 وتعريفه بالقضية الأمازيغية.
لقد فقدت العائلة الحقوقية والديموقراطية والحركة الأمازيغية قامة كبيرة، إضافة لاهتماماتها المتعددة، طبع مسار نضالها من أجل الثقافة الأمازيغية صدق نادر وتقدير عال وبذل استثنائي، قامة عاشت شامخة في سبيل الدفاع عما تؤمن به، وعاشت شاهدة على تحولات مجتمعية وثقافية وسياسية جعلت قناعاته راسخة، مؤمنا بالقيم الكونية النبيلة وبثقافة الاختلاف التي ترجمها حرصه على الحوار مع كل الفاعلين والتوجهات الأيديولوجية والفكرية. لم يكن للفقيد أعداء ذاتين، بالرغم مما لاقه من حملات ومن هجوم وإشاعات وما لاقته أفكاره من تدليس وتضليل في المتداول الثقافي المغربي، ففي اعتقادنا كان الراحل منشغلا بأعدائه الموضوعيين، ولم يسمح لأعطاب الجسد في عز محنته أن تؤثر فيما يؤمن به، إذ كانت قيمة الصداقة قيمة ظلت موضوع اهتمام وظل أثرها في أعمال الفقيد وفعله المدني جليا في تمجيده الدائم لها.
إننا إذ نعزي في منظمة تاماينوت العائلة الأمازيغية و الديموقراطية في رحيل المناضل الأمازيغي أحمد الدغرني الكبير فإننا نعزي مناضلا أسهم في مسار تأسيس منظمتنا و أسهم في مجموعة من محطاتها النضالية و الثقافية و لبى دعوات الحضور و انخرط بفعالية في ملتقياتها و أنشطتها الحقوقية و الفكرية، مناضل صرح ذات يوم أن مطمح أمله أن يكون قيد حياته حطبا للاشتغال الذهني و للجدل الفكري، و أن تستمر جذوة ناره مشعة و مضيئة بعد رحيله، النار التي أوقدها بحسبه ابن خلدون و ابن تومرت، وحملها طيلة حياته كواحد ممن ينحدرون من سلالة منسية و يحملون في يدهم بقايا نارها حد تعبير محمد خير الدين.
إننا إذ نعزي هذه اليد التي حملت بقايا نار السلالة وحملت بالموازاة هم إشعاع منظمة تاماينوت واستمراريتها لعقود، فإننا نعبر عن تقديرنا الكبير للفقيد، وفي غمرة الفقدان نعتبر رحيل أحمد الدغرني لحظة للتفكير في مستقبل العمل الحقوقي الأمازيغي دفاعا عن الحقوق الثقافية وحقوق الإنسان الفردية والجماعية والاستمرار في النضال من أجل الأمازيغية تكريما لروحه، فقد قال نيتشه ‘’ لقد قيل عن حق إن شعبا ما لا يتميز برجاله العظام، بل بالطريقة التي يكرمه بها ويعترف لهم بالفضل’’.
المكتب الفدرالي لمنظمة تاماينوت