أكد رئيس التجمع العالمي الأمازيغي، رشيد الراخا، على ضرورة تدريس اللغة الأمازيغية لأبناء الجالية المغربية بالخارج، كما هو الشأن بالنسبة لبرنامج تدريس الغة العربية والثقافة المغربية الذي تشرف عليه مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج.
وشدد الراخا خلال مشاركته في حلقة خاصة باليوم الوطني للمهاجر ضمن برنامج “أصداء الريف” بالإذاعة الأمازيغية، على ضرورة التدريس باللغة الأم، سواء داخل المغرب، أو حتى الدروس المقدمة لأبناء الجالية المغربية بأوروبا.
وأشار الراخا إلى تجربة منظمة دافيد هارت للدراسات الأمازيغية، التي عملت على إخراج كتب مدرسية باللغة الأمازيغية، موجهة لأبناء المهاجرين في أوروبا، وكذلك بعض التجارب المتعلقة بالدارجة المغربية، “والتي لو شجعتها الدولة المغربية، لقطعت الطريق عن دعاة الفكر المتطرف الذين يجرون أبناء المهاجرين إلى مستنقعات الإرهاب”.
وأوضح ذات الناشط الأمازيغي أن الأسباب الحقيقية وراء ضعف الاندماج الذي يعانيه أبناء المهاجرين، ليست مرتبطة في الحقيقة بالدين، وإنما أساسا بمسألة “أزمة الهوية”، “فقد أثبتت دراسة ألمانية أنجزها فريق من المتخصصين في التربية خلال عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، أن غالبية الشباب المنحدر من أوساط الهجرة يقعون في أتون الانحراف، لأن “المدرسة الألمانية” ببلد الاستقبال لم تنجح في إدماجهم الدراسي، وكان من نتائج هذه الدراسة تطوير وتطبيق برنامج تعليمي يرتكز على تعليم اللغات والثقافات الأصلية. وهو ما دفع وزارة التعليم الألمانية آنذاك، إلى عقد اتفاقيات مع الدول المصدرة للهجرة لأجل تعليم تكميلي للغات الاسبانية والبرتغالية والإيطالية والبولونية والتركية والعربية… وكانت النتائج مذهلة: فقد استطاع التلاميذ من أصول إسبانية وبرتغالية وإيطالية… بما في ذلك المسلمين من أصل تركي، تحسين أدائهم، وتقلصت نسبة الفشل الدراسي بشكل كبير، واستطاعوا بالتالي النجاح في الاندماج الاجتماعي والسوسيومهني، إلا أن ذلك لم يكن هو حال التلاميذ من أصول مغربية، حيث أضحت النتائج أسوأ من ذي قبل”.
والجواب، حسب ذات المتحدث، يكمن بكل بساطة في حقيقة كون هؤلاء الأطفال من أصل مغربي ليسوا “عربا”، ولم تكن ثقافتهم عربية ولا لغتهم عربية. ولم يكن هؤلاء الأطفال يفهمون ما يلقنه لهم المعلمون المغاربة لأن جلهم أمازيغ من أصول ريفية (شمال المغرب).
مضيفا، إذا كان التلاميذ الأتراك يفهمون جيدا معلميهم الذين بعثتهم حكومة انقرة، فإن التلاميذ من أصول مغربية لم يكونوا يفهمون بتاتا ما يلقنه لهم المعلمون العربفونيون. “وقد ساهم هؤلاء المعلمون في تعميق الأزمة الهوياتية للأطفال من أصول مغربية، وتحقيرهم والتقليل من قيمتهم والحكم عليهم بالعيش على هامش المجتمع لتوسيع جيوب الانحراف ومضاعفة شبكات الاتجار في المخدرات، لينتهي الأمر ببعضهم في أحضان الإرهاب ليتحولوا إلى قنابل بشرية”.
“ولأجل تفادي ذلك، وتحقيقا للمصلحة العامة، ومن أجل دمج ناجع للأطفال الضائعين والمقتلعين من جذورهم”، خلص الراخا إلى ضرورة توفير معلمين لتعليم اللغة الأمازيغية والتدريس بها.
ومن جهته أكد الدكتور محمد اشتاتو، أستاذ العلوم التربوية بالجامعة الدولية بالرباط، على ضرورة تمكين أبناء الجالية المغربية بأوربا من حقهم في تعلم لغتهم الأم، الأمازيغية أو الدارجة، من أجل تحقيق اندماج أفضل لهم في بلدان الاستقبال.
وطالب اشتاتو الدولة المغربية، ومن خلالها المؤسسات القائمة على شؤون الجالية المغربية بالمهجر، كمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، بالعمل على توفير الوسائل المادية والبشرية الكفيلة بتدريس اللغة الأمازيغية إلى جانب العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية.
وأضاف اشتاتو أن تحويلات الجالية المغربية بالخارج، والتي يمثل الأمازيغ فيها نسبة كبيرة، تشكل دعامة أساسية للاقتصاد الوطني، وقال إنه من المعروف لدى الجميع أن المهاجرين المغاربة يرسلون إلى الخزينة المغربية ما قدره 8 ملايير دولار سنويا، أكثر من مداخيل الفوسفاط والسياحة التي تعد الصناعة الأولى لمغرب المستقل.
وأشار ذات المتحدث في معرض حديثه على أمواج الإذاعة الأمازيغية إلى أن التطرف الديني الذي يسقط فيه أبناء الجالية المغربية بأوروبا من الجيلين الثاني والثالث يعود أساسا إلى التهميش الثقافي والمهني والوصم والتفرقة العنصرية والإسلاموفوبيا، وكذلك الصراعات بين الأجيال.
موضحا أن هؤلاء الشباب لا يشعرون بالانتماء إلى بلدهم الأصلي ولا إلى بلدهم الذي تبناهم أو الذي ولدوا فيه، “وفي المبدأ، كانوا فريسةً سهلة للمتطرفين الدينيين الذين قاموا بغسل دماغهم”.
وبدوره أكد الدكتور عبد الرحمان العيساتي، أستاذ اللسانيات الاجتماعية بجامعة تيلبورخ الهولندية، على ضرورة تلبية رغبة الجالية المغربية بأوروبا في تعليم اللغة الأمازيغية لأبنائها، حفاظا على هويتهم وثقافتهم الأصلية.
وأوضح العيساتي أن الأمازيغية حاضرة في كل أنشطة الجالية المغربية في أوروبا وهولندا أساسا، وقال إن هناك إحصائيات تؤكد بأن الناطقين بالأمازيغية يقدرون بـ 70% من مجموع أفراد المغاربة هناك.
وقال العيساتي، رئيس جمعية أدرار وصاحب مشروع قناة “أمازيغ تي في” أن الملاحظ من خلال أبحاث أجريت في ذات الصدد أن الأمازيغية تأتي في المرتبة الثالثة من بعد التركية والعربية من غير اعتماد إحصاء اللغة الهولندية.
وحسب دراسات أجرتها جامعة تينبورخ، أوردها ذات المتحدث، فإن أزيد من 10 بالمائة ممن تم استطلاع آرائهم من الأسر الهولندية أبدوا رغبتهم في تعليم الأمازيغية لأبنائهم، وكذلك هناك عينة من التلاميذ تقدرب بـ 6500 تلميذا، استطلعت الأبحاث المذكورة آراءهم واستنتجت أن ثلث هذا العدد يرغبون في تعلم الأمازيغية.
“ورغم ذلك تبقى الأمازيغية جد مهمشة، مما ينعكس سلبا على الآباء، خصوصا وأن هناك بعض الآباء يولون اهتماما لأبنائهم وذلك بتعليمهم لغات من غير الأمازيغية، وهناك آخرون يهتمون بتلقين أبنائهم الأمازيغية باعتبارها اللغة الأم لهم” يضيف العيساتي.
وأضاف العيساتي أنه ليس هناك دعم للأمازيغية بهولندا عكس ما في المغرب، “فلا وجود لإعلام يهتم بالأمازيغية ولا وجود لنقاش بهذا الخصوص، رغم المجهودات المبذولة من طرف عدة جمعيات”.
وأشار ذات المتحدث إلى بعض المحاولات البسيطة لتدريس الأمازيغية، تفتقر إلى الدعم اللوجيستي والبشري، آخرها بعض المساجد التي طلبت من جمعية أدرار مساعدتها في تدريس الأمازيغية لأبناء الجالية.
وأضاف العيساتي، أن حوالي 700 جمعية تهتم بقضايا المغاربة في هولندا ينحسر اشتغالها بالمساجد فقط، وبذلك تبقى الجالية المغربية ضعيفة جدا في مجال الاهتمام بالثقافة الأصلية، مقارنة بالجاليات الأخرى، كالجالية التركية مثلا، وذلك حسب دراسة أجرتها الباحثة آنيا فان هيلسون، عن مركز الدراسات حول الهجرة بجامعة أمستردام.
وخلص العيساتي إلى أن هذا التهميش الذي تعانيه الجالية المغربية، فيما يتعلق بلغتهم وثقافتهم الأصلية، هو ما يودي بأبنائهم للسقوط في مستنقعات العنف والتطرف.
ودعا العيساتي المسؤولين المغاربة ، بما في ذلك الوزارة المكلفة بالجالية المغربية بالخارج ومجلس الجالية، إلى الانخراط الجدي في هذا الملف، والاهتمام باللغة والثقافة الأمازيغية وتعليمها لأبناء الجالية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحلقة المخصصة لأهمية تدريس اللغة الأمازيغية لأبناء الجالية المغربية بالخارج، ضمن برنامج أصداء الريف الذي تبثه الإذاعة الأمازيغية، تأتي في إطار الاحتفال باليوم الوطني للمهاجر، وقد أطلقت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، بهذه المناسبة، فعاليات الأبواب المفتوحة لفائدة الجالية المغربية المقيمة بالخارج.