نقطة نظام حول حرف “تيفناغ”

بقلم: علي خداوي

من حين لآخر، يطرح بعض المناضلين اختيار حرف “تيفناغ” لكتابة اللغة الأمازيغية، معتبرين أن تبني هذا الحرف كان خطأ، مزكين بذالك عن غير قصد المواقف العدائية للأمازيغية ككل، وخصوصا العداء لحرفها “تيفناغ” كما عبر عن ذالك بنكيران وبكل سخرية حينما شبهها بالشينوية.

وكأحد المدافعين عن هذا الحرف منذ لقاء معمورة سنة 1992 حول الكتابة والمعجم الامازيغين، المنظم من طرف الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، والذي حضره المهتمون آنذاك من كل مناطق المغرب، وكعضو سابق بالمجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ومستقيل منه سنة 2005 مع الستة الآخرين، والذي واكب سيرورة الحوار والجدل حتى تبني هذا الحرف رسميا، أدلي بهذه الملاحظات حول هذا الموضوع لتنوير الرأي العام :

أولا: من الناحية الأنتروبولوجية والتاريخية: 

تؤكد الحفريات والدراسات، التي أجريت على النقوش الصخرية المتواجدة بكثرة في شمال إفريقيا، أن حرف تيفناغ من أقدم الحروف على وجه الأرض. وقد أكد الباحثون المغاربة ذلك في كتاب “تيرا – في جذور الكتابة بالمغرب” والصادر سنة 2003. كما يجمع المهتمون أن هذا الحرف هو الوحيد المعروف في إفريقيا مع الحرف الأثيوبي والمصري.

كما تؤكد المصادر التاريخية أن هذا الحرف كان رسميا في عهد ماسينيا (الذي نجد تيفناغ على ضريحه بتوكا بتونس)، وبعده إلى أن منع الحكم الروماني استعمال هذا الحرف في المجال العمومي تحت طائلة الموت، ليرسخ بذلك الحرف اللاتيني كما يفعله أي مستعمر. ويقول سالم شاكر أحد المختصين في الحضارة الأمازيغية: بما أن حرف “تيفناغ” منع في المجال العمومي فإن إيمازيغن أخذوه واستعملوه في المجال الشخصي بشتى الوسائل: فنقشوه على الصخور وعلى أجسامهم حتى عن طريق الوشم، واستعملوه في كل المجالات المرئية، كرسوم الزرابى والملابس الصوفية كما كتبوه على قشر بيض النعام وعلى الجلد ووضعوه في القبور كما أثبتت الحفريات ذالك. وكل ذلك من أجل الحفاظ عليه ليصل إلى الأجيال القادمة.

حرف تيفناغ اذا موروث حضاري له ارتباطات عدة بكسموكونية (تصور شعب ما للزمان والمكان) الشعب الأمازيغي، وهو يخترق المجال الثقافي والمخيلة الجماعية لشمال إفريقيا برمتها، حيث يكون ذلك القاسم المشترك الا لغوي لكل سكان هذه المنطقة، فحتى عند المغاربة المدرجون مثلا، نجد أن النساء لا زلن ينسجن بعض المنتوجات الصوفية ويستعملن رسوما هندسية تتواجد فيها “تيفناغ”…

من الناحية التقنية:

لما انتهت اللجنة التقنية المختصة من إعداد ثلاث ملفات حول الإيجبيات والسلبيات لكل من حرف “تيفناغ” والحرف اللاتيني والأرامي، اتضح ان الحرف الوحيد اللذي لا يطرح أي مشكل لكتابة اللغة الأمازيغية هو حرف تيفناغ، لأننا نكتب اللغة كما ننطقها خلافا للحرفين الآخرين اللذان يطرحان مشاكل عدة بين ما هو صواتي وصوتي (فونولوجي، وفونتيك).

ثانيا: من الناحية السياسية:

كان المقصود بإقرار تيفناغ من الدرجة الأولى، بالنسبة للمدافعين عنه، هو تثبيث عنصر رمزي أساسي للهوية الأمازيغية… لأن القضية قضية استرجاع هوية أولا… الكتابة بالحرف الأرامي او اللاتيني يبقيان دائما في دوامة التبعية، أضف إلى ذلك التجاذبات السياسية، فالتيار العروبي الإسلاموي سيجد ذريعة في تبنينا للحرف اللاتيني لاتهامنا بالتبعية لفرنسا، وحجة لاتهاماته الواهية للعمالة للاستعمار وووو… حرف “تيفناغ” حرفنا ولا جدال في ذلك وهو حرف مثله مثل أي عنصر من هويتنا. فالتخلي عن عنصر من عناصر هويتنا باسم الحداثة، موقف ينم عن ضعف الإيمان بالقضية، وإضعاف لمقومات الهوية الأمازيغية… وإذا كان التخلي عن حرف “تيفناغ” ضروريا، فلماذا كل هذا النضال والتضحيات؟ فلننقل كل شيء من ماما فرنسا والغرب، أو نأخذ حتى الحرف الأرامي وهو الأكثر انتشارا بين المغاربة…

من يظن أن إقرار حرف “تيفناغ” خطأ لم يفهم بعد قوة الرموز بالنسبة لأي هوية وبالنسبة للنضال السياسي… اسألوا إسرائيل والصين وكوريا وغيرها… تبني حروفهم الأصلية لم يمنعهم من تبوأ الأماكن الأولى عالميا في كل الميادين العلمية والتقنية، لأنهم ينهالون منها بالإنجليزية ويستعملون حرفهم الأصلي لكل ما يخدم هويتهم الوطنية من علوم إنسانية وآداب وفنون وغيرها… إيمازيغن يتقنون كل اللغات ولا مشكلة لديهم في ذلك، ويمكن لهم أن ينهالوا من التكنلوجيا والعلوم عبر اللغات المتقدمة في هذه الميادين… فالقضية الأمازيغية قضية سياسية بامتياز… حينما يسترجع إيمازيغن حقوقهم وسلطتهم على مستقبلهم، آنذاك يمكن لهم أن يختاروا الحرف اللاتيني أو الصيني… لكن في هذه المرحلة التي لا نزال نناضل من أجل الاعتراف الحقيقي للهوية الأمازيغية على أرضها، فتيفناغ وأشنيال أمازيغ رمزان أساسييان في المعارك السياسية التي نخوضها من أجل البقاء… وفي هذه المرحلة، فإن تبني حرف “تيفناغ” اختيار استراتيجي لأنه من الممكن مستقبلا إذا توفرت الظروف أن نتبنى الحرف اللاتيني… ولكن لو تبنينا هذا الأخير في المرحلة الأولى، فلا يمكن أن نرجع إلى حرف “تيفناغ”…

ثالثا: من الناحية التربوية:

تعليم اللغة الأمازيغية يهم بالدرجة الأولى الأطفال الممدرسين، وهؤلاء يمكن لهم أن يتعلموا كتابة اللغة الأمازيغية بأي حرف، فكل الأطفال الأمازيغ الذين ولجوا المدرسة يعرفون أن الحرف اللاتيني والأرمي واللغتين الفرنسية والعربية كانتا بالنسبة إليهم أجنبية وغريبة في أول الأمر… هذا لم يمنعهم بأن يتقنوهما فيما بعد ويبدعوا بهما حتى… لكن الثمن كان فقدان جزء كبير من عناصر هويتهم الثقافية، وهو أصل القضية الأمازيغية.

تعليم الأمازيغية إذا، موجه إلى الأطفال وليس إلى غيرهم ممن تعلموا الفرنسية والعربية… ويلقون صعوبات بسبب السن والكسل وضعف الإيمان بالقضية في تعلم الكتابة بحرف تيفناغ… لأن التجاريب أثبتت أن من له إرادة قوية لتعلم “تيفناغ” في أي سن يمكنه ذالك في ظرف بضعة أيام فقط… إذا فلا يجب أن نسقط متاعبنا الشخصية حول الموضوع على أطفال يمكن أن يتعلموا أي شيء إذا توفرت لهم الظروف المواتية تربويا وبيداغوجيا وماديا.

وفي ظل السياسة العامة المعادية للأمازيغية، وخصوصا النظام التعليمي الحالي الفاشل بكل المقاييس، فسواء كتبنا اللغة الأمازيغية في المدرسة بالحرف اللاتيني أو الأرامي او “تيفناغ”، فالنتيجة ستكون واحدة… ولكن مع حرف “تيفناغ”، ربحنا الرمز على الأقل: فبمجرد أن يرى شخص هذا الحرف يتسائلحتى  إذا كان لا يعرف القراءة: ما هاذه الكتابة؟ وهو سؤال يؤدي به حتمتا إلى معرفة أن هذا الحرف حرف أمازيغي، وبالتالي إلى أن هذه الكتابة أمازيغية، والعكس صحيح، فأي شخص لا يعرف القراءة، أو حتى إن كان يعرفها ولا يعرف اللغة الأمازيغية، كلما رأى الحرف اللاتيني ولو كتبت به اللغة الأمازيغية سيقول في الوهلة الأولى: هذه لغة فرنسية… ونفس الشيء بالنسبة للحرف الأرامي.

محمد بودهان كان من بين المدافعين الشرسين عن الحرف اللاتيني… لكن عندما رأى نتائج بحث قام به مختصون مستقلون من الحركة الأمازيغية حول استعمال حرف “تيفناغ” في المدرسة، والذي أبان أن التلاميذ يفضلون بأكثر من ثمانين في المائة حرف “تيفناغ” على الحرفين الآخرين، كما أبان أن التلاميذ المدرجون يحبون ويتقنون بسهولة حرف “تيفناغ”، فبدل -أي محمد بودهان- رأيه وأصبح من المدافعين عن حرف “تيفناغ”…

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *