دون علم أو إعمال لمناهجه، ودون أدنى معرفة بأي من فروع اللغة الأمازيغية، يناقش البعض، منطلقا فقط من نزوعاته الإيديولوجية المتطرفة القديمة، يناقش الوضع الجديد للغة الأمازيغية. ويمكن لأي كان في مغرب القرن الواحد والعشرين، ورغم ما تحقق للأمازيغية في كل تجلياتها من مكتسبات منذ سنة 2001، يمكنه أن يدلي برأيه، فقط لأنه يحمل فكرا عنصريا مقيتا معاديا للأمازيغية، في كل ما يتعلق بها هوية وثقافة ولغة وحضارة.
ومن المواضيع التي تسيل المداد الكثير الوضع الجديد للغة الأمازيغية، ونظرا لكون القطار قد مضى بعيدا عن أوهام أعدائها وأراجيفهم وتثبيطاتهم، لم يجدوا أمامهم إلا العبارة الجاهزة الجديدة لإشهارها في وجه كل منافح عن الأمازيغية في كل تمظهراتها، والتي يدعي من صاغوها أن الأمازيغية المعيارية تصنع صنعا في دهاليز المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
إن القول بصنع لغة من اللغات قول متهافث صادر عن غير علم وعن عقول صغيرة، فلا يمكن لأي كان، مهما بلغ علمه أن يصنع لغة، بل كل ما يقوم به المختصون هو معيرة اللغة واستنباط القواعد منها إعدادا لها لتقلد مهامها الجديدة التي لم تكن تتقلدها قبل الترسيم، كما لا يمكن لدى العقلاء ولدى الأمم الراقية أن يحشر أي كان أنفه في موضوع لا يفقه فيه شيئا فقط لأنه يعاديه، فيناقش أدق تفاصيله العلمية.
إن كل لغات البشر التي تتبوأ اليوم مواقع الصدارة، والتي تقوم بمختلف المهام المرتبطة بوضعها كلغات للبلدان والأمم، أي الإدارة والتعليم والإعلام… مرت من نفس المراحل، والتي تسمى لدى ذوي الإختصاص بالتهيئة اللغوية أو المعيرة، وهي تمر من وضعها السابق بوصفها لهجات محلية وجهوية لوضعها الجديد كلغة تنهض بالعديد من المهام المرتبطة بوضعها الجديد، وهو نفسه ما خضعت له العربية، لهجة قريش التي رسمها القرآن، خلال المراحل المتتالية من معيرتها من قبل العجم خلال العصر العباسي تهييئا لها للقيام بمهامها الجديدة المرتبطة أساسا بالدين.
في سنة 2001 ستعلن أعلى سلطة في البلاد عن صفحة جديدة في التعاطي مع الأمازيغية في كل تجلياتها، فتأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المؤسسة المعهود لها، عبر مراكز بحثها السبعة، بإعداد ما يلزم للشروع في تبوئ الأمازيغية مكانتها والمرور لوضعها الجديد بسلاسة. وهو الوضع الذي يقتضي تهيئتها سياسيا وتشريعيا عبر توفير المظلة القانونية والتشريعية، ومؤسساتيا عبر إحداث المؤسسات التي ستتكفل بمختلف العمليات العلمية، وعلميا عبر التهيئة اللغوية.
ويقصد بالتهيئة اللغوية والمعيرة استقراء مختلف التنويعات اللهجية للغة، واستنباط الأصوات والمعجم والصرف والتركيب منها وتوحيدها، واستبعاد ما لا يحدث اختلافا في الدلالة عبر استبعاد تنويعات لا تؤثر عليها، أساسا على مستوى أصوات اللغة، عبر قواعد علمية صارمة يستدعيها مختصون حاملون لشواهد عليا في مختلف تخصصات اللغة الأمازيغية.
ويقوم بكل العمليات المذكورة أخصائيون في مختلف تخصصات اللغة الأمازيغية منتسبون للمعهد والجامعات ومختلف المعاهد، لا يتطفلون على الملف كما يفعل البعض لشيء في أنفسهم، بل هم مختصون قضوا عشرات السنين في البحث العلمي في مختلف حقول اللغة والثقافة الأمازيغيتين، والتي نذكر منها صلة بموضوع المعيرة علوم الأصوات والصواتة، علم المعجم، علم الصرف، علم التركيب، علم الدلالة، علم التداولية…
إن الحدييث في اللغة الأمازيغية يقتضي على الأقل إتقان أحد فروعها تحدثا وفهما واستيعابا، وهو ما لا يتوفر للأسف لأغلب من يروجون خرافة اصطناع اللغة، وهي السبة التي يمكن أن ترتد عليهم لو نقبوا عميقا في تطور العربية منذ تبنيها لغة رسمية للإسلام إلى اليوم، وهو المبحث الذي ندعو الجميع للقيام به قبل حشر الأنف في شؤون الأمازيغية دون علم.
ونختم بالمثل الأمازيغي العريق
ⵉⵍⵍⴰ ⵓⵖⵓ ⵖ ⵜⴽⵛⵛⵓⵍⵜ ⵉⵀⵓⵍ ⴻⴱⴱⵉ ⵉⵣⴰⵏ