هل الأمازيغية مسألة أم قضية؟

بقلم: سعيد باجي

يتشارك علماء الرياضيات وعلماء الاجتماع في مجال المنطق لتحديد المفاهيم وتحليل الظواهر.
ومصالي الحاج هو الذي استخدم مصطلح “المشكلة البربرية” في عشرينيات القرن الماضي قبل سالم شاكر.

نشرت للأستاذ الحسين بويعقوبي، على صفحة الفايسبوك، مدونة مصحوبة بإعلان إشهاري يتضمن عنوان كتاب “المسألة الأمازيغية في المغرب والجزائر خلال قرنين ونيف”. قيل إنه سيصدر قريبا. وقد أثار انتباهي هذا العنوان “المسألة الأمازيغية”.

وعادت بي الذاكرة إلى عام 2004، عندما أجرت جريدة الأسبوعية آنذاك استجوابا مع الأستاذ أحمد عصيد، خلاله نعت الأمازيغية بالمسألة وهو كلام منقول حرفا عن محاضرات واستجوابات الأستاذ حسن أوريد. ولن أدخل في حيثيات الموضوع والسقف الذي حدده الإستجواب المذكور للأمازيغية، ولا حتى في مضمون الندوة بمدينة بني ملال والتي تدخل فيها حسن أوريد مصرحا أن الأمازيغية لا يمكنها أن تتجاوز وضعية اللغة الوطنية. ولن أستغرب لعنوان الحسين بويعقوبي، ما دام أن تقديمه موكول للأستاذ حسن أوريد.

وعلى تغريدة بالفايسبوك، كتبت تعليقا حول العنوان مفادة “الأمازيغية قضية وليست بمسألة”، وقد تفاعل الأستاذ بويعقوبي مع هذا التعليق في رد له بعد التحية “سأستفيذ أكثر لو فصلتم في الفكرة التي طرحتموها”، وما كان علي إلا العودة إلى المقالة التي كتبتها حول الموضوع ذاته عام 2004، وأخذت مقتطفا منه لأفصل الفكرة كما طلب مني.

حينها حاولت تحديد بعض المفاهيم والدلالات المتعلقة بـ ” المسألة” وبـ “القضية”، وذلك بالإرتكاز على التعريفات العلمية للمفهومين معا.

الأستاذ بويعقوبي رد قائلا: “شكرا جزيلا على هذا الجهد الذي يزيد من تعقيد المشكلة بدلا من حلها. تذكر أننا في العلوم الاجتماعية وليس في الرياضيات. شكرا مرة أخرى”، إنتهى كلام الأستاذ المحترم.

لنبتدئ من حيث ابتدأ الرد الأخير للأستاذ “الجهد الذي يزيد من تعقيد المشكلة بدلا من حلها”. يالها من روعة الكلام “تعقيد المشكلة”، “حل المشكلة”. أيها الأستاذ “أنتم من وصفتم الأمازيغية بالمشكلة. أليس كذلك؟ أليس مفهوم “المسألة” هو الذي طرح “المشكلة”، ليتوسل بعد ذلك “البحث عن الحل”، الذي قلتم بأني زدت تعقيده؟.

يا لغرابة هذا الكلام. سيما وأن الأستاذ عاد ليؤكد على ضرورة التمييز بين العلوم الإجتماعية والرياضيات، واصفا تعليقي بكونه يحدد المفاهيم من وجهة العلوم الرياضية وليس من منظور العلوم الإجتماعية.

وعندما عدت إلى تعليقات بويعقوبي ردا على أحد المناضلين المنتقدين لمفهوم “مسألة”، أحال الموضوع على الأستاذ سالم شاكر من خلال مقالة له عام 1992 بالسربون، مضيفا أن البحث الأكاديمي هو الذي اشترط على الأمازيغية أن تكون مسألة لا غير. وأن كل من يسير في الإتجاه المعاكس ليس بباحث أو شئ من هذا القبيل.

فتارة يجرم الأستاذ البحث العلمي من خلال ضرورة إبعاد الرياضيات عن النقاش، وتارة يتشبث بهذا البحث الذي حدده في الأكاديمي لتحديد المفهوم.

والحال أن مجموعة من المفاهيم حددها علماء الرياضيات وفلاسفة “وعلم الإجتماع بنى مقولاته بناءا على مفاهيم فلسفية” على السواء. والحقل المشترك بين علماء الرياضيات والفلاسفة هو المنطق. ولا يوجد فيلسوف أو “عالم اجتماع” لم يدرس الرياضيات والفيزياء ولا سيما علم الفلك وعلم قياس الترددات الموجية التي تصدرها مختلف مكونات الكون.

فكل الظواهر الطبيعية أو المكتسبة، يمكن التعبير عنها برسم بياني، أي بدالة رياضية، أو بمعادلة متعددة المجاهيل، ويمكن حلها انطلاقا من مجموعة التعريف أو المجال المدروس. ففي حالة العلوم الرياضية، فإننا نحدد المسألة بمعادلة، ونقوم بحلها جزءا بجزئ حتى تكتمل لدينا الحلول ليتم ترجمتها إلى بيانات أو منحنيات. إن الظواهر عبارة عن دوال مددة بمعادلات وبمنحنيات. أما الفيزياء فتتجه من دراسة المنحنيات لتحديد المعادلات. ولا توجد ظاهرة من الظواهر لا تفسر بهذه الادوات المنطقية.

والأدوات المنطقية هي أساس العلوم الإجتماعية. فالبنية الإجتماعية لأي مجتمع لا تحدد إلا من خلال مجموعة التعريف أو مجال اشتغال هذه البنية. وهذه المقولات تبقى في نظرنا حيوية، لأن لكل باحث وظيفتين: معرفية واجتماعية، وغالبا أن الثانية هي التي تهيمن على الأولى. يتعلق الأمر بالنسبة إلينا بفك رموز إيديولوجيا (وقيمها) الباحثين المتدخلين في القضية الأمازيغية، وتوضيح ما كان مضمرا في أعمالهم، وبالتالي ربط هذه الوظيفة الإجتماعية بالوظيفية الإدراكية لهذه الأعمال.

فعلى ذكر الأستاذ الباحث سالم شاكر، والذي انتسبت إليه مرجعية “المسألة الأمازيغية”، من خلال المقالة المذكورة، ومع احترامي وتقديري لهذا الباحث، فأنني أتذكر جيدا انتقاده في سبعينيات القرن الماضي لأطروحة الباحث المغتال بوجمعة هباز، حين قال بأن دراسة الأمازيغية، من الناحية اللسانية، سيما اللسانيات التطبيقية، يجب أن تخرج من فلك الدراسات الإسقاطية الوصفية التي اعتمدها مجموعة من الباحثين المستمزغين أمثال أندري باصي التي تعتبر جامعة السوربون امتدادا لدراسته، “ولا يجب أن تخضع الأمازيغية للزمن الكلاسيكي”، على حد قول هباز. إلا أن شاكر احتج على هذا المنهج، واستبعد مقولة كون الأمازيغية خاضعة …. ولم يتدارك سالم شاكر الأمر إلا بعد رحيل هباز بأكثر من عشر سنوات، حينما استدرجه الباحث اللساني الذي اشتغل على أطروحة بوجمعة هباز، والذي اعتبر هباز رائد الدراسات التطبيقية ومؤسس الدرس التطبيقي الأمازيغي حينما عاد شاكر للقول أن الأمازيغية في صيغتها اللغوية القديمة تخضع للجيهية إلا أنه في السنوات الأخيرة، وبسبب التلاقح اللغوي، تحولت إلى مفهوم الزمن.

هكذا نقول، أن تقديس الاشخاص والمفاهيم، ابتدأ عندكم أيها الاستاذ بويعقوبي، حينما أحلتم الجذور التاريخية لمقولة “المسألة الأمازيغية” على الأستاذ سالم شاكر واعتبرتموها مفهوما أكاديميا، والحال أن سالم شاكر تحدث عن “المسألة البربرية” وليس عن “المسألة الأمازيغية” كما زعمتم. وسالم شاكر يتحدث دائما عن “البربرية” وليس عن “الأمازيغية”. قد تحيلنا أيضا على كون “البربرية” مفهوم أكاديمي، وأن “الأمازيغية” ليست غير ذلك. غريب أمر هذا الإدعاء والمزاعيم باسم البحث الأكاديمي. في حين أن مفهوم “المسألة البربرية”، تضمنتها رسالة الزعيم الجزائري مصالي الحاج باسم حزب “نجم شمال أفريقيا”، إلى الحكام الأتراك عام 1926، وظهرالمصطلح بشكل قوي، حينما ظهر شرخ واضح بين زعماء جبهة التحرير الجزائري أواخر أربعينيات وبداية خمسينيات القرن الماضي، سيما بين الأطراف الموالية للمصريين من أمثال أحمد بن بلة وهواري بومدين، وبين الأطراف التي كانت تنتصر لخصوصية منطقة القبائل من أمثال كريم بلقاسم، عبان رمضان مهندس مؤتمر الصومام. وأنا على اليقين أن المفهوم ضارب في عمق التاريخ، وأن هذا النعت جاء من الأطراف الخارجية عن الجسم الأمازيغي. وتوظيفه من طرف الباحث سالم شاكر إيديولوجي وسياسي أكثر مما هو أكاديمي. ونحن بذلك لا نقلل من قيمة الباحث، ولكن يجب أن نعيد النعت إلى سياقه التاريخي.

ويجب على الباحث كيفما كانت تخصصاته أن يخضع المفاهيم للنقد لا للتقديس. ودعوتنا إلى سلك هذا المنهج ليس إلا من باب وضع النقط على الحروف، وفصل المزاجية عن البحث الأكاديمي. وكفانا استهتارا، بانتساب ما ليس بالعلمي للبحث الاكاديمي، لأن هذه الاسطوانة المشروخة، كثيرا ما سمعناها من أناس لا علاقة لهم بالبحث الاكاديمي، ويدعون ذلك، بمجرد ولوج أقدامهم لجامعة معينة. ونحن نعرف حقيقة أمر أفواج ممن سافروا إلى الدول الأوروبية للمشاركة في نشاط ثقافي أو رياضي معين، ومزقوا جواز السفر، ولم يعودوا إلينا اليوم ليعلمونا ما هو البحث الأكاديمي بمجرد ولوج أقدامهم لجامعة السوربون وما شابهها.

شاهد أيضاً

الجزائر والصحراء المغربية

خصصت مجموعة “لوماتان” أشغال الدورة السابعة لـ “منتدى المغرب اليوم”، التي نظمتها يوم الخامس من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *