“الدولة روح ودولة توازنات لآراء عامة كبرى.”
خوسيه أورتيغا إي غاسيت / تمرد الجماهير
رغم تبجح مهندسي الدولة بالمفاهيم الجديدة لكل من السلطة والعدل والتنمية، كمثلث متوازي الأضلاع ومندمج الأبعاد، يراد به ابتكار جواد الإنتقالات، يركبه رجال ونساء المرحلة، ملهما للمشروعية ومصدرا للشرعية، فإننا لا زلنا نعاني، ومنذ عقدين من الزمن، من تمثلات و عقدة «لم تنضج الظروف بعد» و«الشعب غير مؤهل» لتلقي صدمات الحداثة و فكر التنوير و «المغاربة لا يستحقون» الديمقراطية سوى على طريقة قطرة/قطرة.
والحال أنه كلما ما أطلنا في عناق حرية الإعتقاد عبر تبني قنوات مدنية الدولة، كلما تصاعدت ردود الفعل المقاومة و زاد عمق تمثل المغاربة لسلبيات المحافظة و التعصب، بحكم تصاعد المد المحافظ عالميا ومحليا على الخصوص، فالتقليدانية لن تنفع في رد موجات النيوليبرالية غير العادلة ولا رياح الوهابية القاتلة، لذلك لابد لسؤال مأسسة الصراع الثقافي و السياسي و الإقتصادي أن يرشد آفاق البلاد نحو دولة القانون، ولعل دور القضاء سيكون قاصرا حالما نال استقلاله كاملا عن سلطته الدستورية وعن حزام الرقابة المضادة، الذي يحميه من السقوط في فخ الانحراف والاحتظار الذاتي، فجميع المجالس العليا تتسرب اليها عيون وأيادي السلطة التنفيذية، وبالتالي لا ضمانة حقيقية لأي استقلال سوى بانتخاب القضاة لمجلس الدولة، ذي الدور الاستشاري و القضائي، كبوصلة للتأطير القانوني و مراقبة مشروعية السياسات العمومية وشرعية قرارات المؤسسات الدستورية،و كآلية دستورية للتحكيم والوساطة الإجتماعية وللتدبير السلمي القانوني للنزاعات المفترضة، والتي يحتمل جدا أنها تنتج غالبا عن الشطط في استعمال السلطة بالنسبة لمن في الحكم، أو التعسف في استعمال الحق لمن هم خارج دواليبه.
في قلب المعارك، هل من الضروري أن نضيع زمننا في توزيع نياشين النضال وصكوك الخذلان؟ وهل الدولة والنخبة مهيئتان لعقلنة المقاربة التنموية، أم أن التيه يطوق الطموح والآفاق، ومع ذلك من حق المناضل أن “يتوه” إذا فقد القاعدة الإجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها، لكن دون تصدير ندمه الى من يبدعون بوصلة الصمود والمقاومة، ليكون من واجب الدولة إمتاح شرعيتها المتجددة إفتراضا كما الهوية الجدلية وذلك بإعادة تأهيل تجسير العلاقة مع مقتضيات التنوير والتحديث في أفق دولة المجتمع والمسؤولية الإجتماعية.