وأد رسمية الأمازيغية بين الملك، الحكومة، البرلمان والأمازيغ

11140271_10204553304420264_1725833219160938182_n

 ساعيد الفرواح

بالكاد مرت ثلاثة أسابيع على اندلاع الحراك الاحتجاجي بالمغرب في إطار ما يعرف بحركة عشرين فبراير سنة 2011، حتى تداركت الدولة الموقف مختارة موقع المتجاوب مع مطالب الشارع، وذلك عبر الخطاب الملكي ليوم 09 مارس 2011، الذي أعلن فيه الملك عن إجراء تعديلات دستورية تشمل سبعة مرتكزات أساسية جاءت الأمازيغية من حيث الترتيب في مقدمتها، وتناولها الخطاب الملكي كما يلي:أولا: التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة”.

ولأن ترسيم الأمازيغية كان من ضمن المطالب الأساسية آنذاك لآلاف المحتجين في حركة عشرين فبراير، فإن الخطاب الملكي الذي أعطى لها الأولوية نفس كثيرا على الاحتقان الذي يطبع علاقة الدولة بالأمازيغ وجعلهم يترقبون بتفاؤل كبير الصيغة التي ستأتي بها الأمازيغية في التعديلات الدستورية، ولم يخب تفاؤل الأمازيغ الذين اعتبروا أنفسهم حينها  ضمن الرابحين من الحراك الاحتجاجي الذي شهده المغرب وأسفر عن دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد.

وجاء ذلك رسميا في خطاب للملك محمد السادس يوم الجمعة 17 يونيو 2011، أعلن فيه عن مضمون التعديلات الدستورية التي عرضت على الاستفتاء في فاتح يوليوز من نفس السنة، وتناول الخطاب الملكي الصيغة الجديدة لهوية المملكة ولغاتها الرسمية في المحور الثاني، معلنا، “دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للمملكة، إلى جانب اللغة العربية: فعلى أساس التلاحم بين مكونات الهوية الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد روافدها، العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الإفريقية، والأندلسية، والعبرية والمتوسطية; فإن مشروع الدستور يكرس اللغة العربية لغة رسمية للمملكة، وينص على تعهد الدولة بحمايتها والنهوض بها. كما ينص على دسترة الأمازيغية كلغة رسمية أيضا، ضمن مبادرة رائدة، تعد تتويجا لمسار إعادة الاعتبار للأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة; على أن يتم تفعيل ترسيمها ضمن مسار متدرج، بقانون تنظيمي، يحدد كيفيات إدماجها في التعليم، وفي القطاعات ذات الأولوية في الحياة العامة.”

وأتى ترسيم الأمازيغية بصيغة غامضة إذ ربط بقانون تنظيمي حيث ورد في الفصل الخامس من الدستور أنها “تعد أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية”.

مع ذلك، إلا أن الحركة الأمازيغية ظلت متمسكة بتفاؤلها منتظرة نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 25 نونبر 2011، والتي أسفرت عن حكومة بزعامة حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، وهي النتائج التي جعلت الشك يدب في الوسط الأمازيغي فيما يتعلق بتفعيل ترسيم لغتهم خاصة وأن حزب “البيجيدي” له سوابق كثيرة في العداء لها، غير أن ذلك لم يثنيهم عن مواصلة التفاؤل الذي كرسه لديهم البرنامج الحكومي الذي قدم في الجلسة العامة للبرلمان يوم الخميس 19 يناير 2012، الذي أبرز فيه رئيس الحكومة “عبد الاله بنكيران” في جانب السياسة اللغوية التي تعتزم حكومته تطبيقها، أن “الدستور أقر توجهات واضحة في هذا المجال تقتضي تنزيلا تشاركيا يرتكز على تقوية اللغتين الوطنيتين الرسميتين العربية والأمازيغية في إطار يحفظ الوحدة ويضمن التنوع وذلك بالعمل على تطوير وتنمية استعمال اللغة العربية وإصدار قانون خاص بها وإرساء أكاديمية محمد السادس للغة العربية وتمكينها من شروط الاشتغال اللازمة”. مضيفا أنهبموازاة ذلك، ستعمل الحكومة على تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية عبر وضع قانون تنظيمي يحدد كيفيات إدراج الأمازيغية وإدماجها في التعليم” .مؤكدا كذلك “التزام الحكومة في برنامجها بإرساء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وتفعيل دوره في حماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية والمكون الثقافي الصحراوي الحساني ومختلف التعبيرات الثقافية واللسانية المغربية، مع ضمان التكامل والانسجام بين مجموع المؤسسات المعنية بالشأن اللغوي”.

الحكومة تتنكر لبرنامجها وتفشل في تفعيل الدستور:

لم يتردد عبد الإله بنكيران يوم الأحد 12 أكتوبر 2014 خلال لقاء جمعه إلى جانب زعماء أحزاب الأغلبية الحكومية مع برلمانيين منتمين لفرق الأغلبية بمجلسي النواب والمستشارين في القول “أن ملف تنزيل الأمازيغية، يحتاج لتدخل جهات عليا لتفعيلها على أرض الواقع نظرا لكونه ملفا أكبر من حكومته وأنها ليست وحدها مسؤولة عن ذلك”.

جاء ذلك بعد ثلاث سنوات عجاف بالنسبة للأمازيغية لم تختلف عنها بقية الأعوام التي تلتها من عمر ولاية حكومة عبد الإله بنكيران، إذ منذ الإعلان عن التزامها بتفعيل رسمية الأمازيغية في برنامجها لم تتخذ الحكومة أي إجراء لترقية اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ما جعلها في مواجهات مطالب وانتقادات واحتجاجات مختلف إطارات الحركة الأمازيغية، وهي الاحتجاجات التي لم يسلم عدد منها من القمع أو المنع، وفي أحسن الأحوال التجاهل والصمت، إلى أن خرج رئيس الحكومة متنصلا من أي مسؤولية في التماطل الذي هم تفعيل رسمية الأمازيغية وملقيا إياها على إرادة “جهات عليا”.

وفي السنة الأخيرة من ولايتها ستفاجئ الحكومة الجميع يوم 14 يناير 2016، بإعلانها عن فتح الباب لتلقي مقترحات المجتمع المدني في إطار إعداد مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية تفعيلا لمقتضيات الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور، التي تنص على أنه “يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، وذلك بصفتها لغة رسمية”.

وأورد بلاغ الحكومة أنه ومن أجل إخراج هذا المشروع وفق مقاربة تشاركية وداخل الآجال الدستورية المنصوص عليها؛ فإن رئاسة الحكومة تعلن عن فتح الباب لتلقي مذكرات واقتراحات المجتمع المدني والفاعلين والمهتمين، خلال الفترة الممتدة من 15 يناير إلى 15 فبراير 2016، وذلك في بريد إليكتروني على عنوان تابع للحكومة.

ورغم أن الخطوة الحكومية عارضتها بل قاطعتها إطارات أمازيغية عديدة على اعتبار أنها بعيدة كل البعد عن المنهجية التشاركية، إلا أن ذلك لم يمنعها من الإنفراد بصياغة مشروع قانون تنظيمي للأمازيغية أجمع الأمازيغ بمختلف أطيافهم على رفضه، وذلك بعد تسريب نصه قبل أسبوع من الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة تحت رئاسة رئيس الحكومة الذي عقد بتاريخ الأربعاء 3 غشت 2016، وخصص لمدارسة مشروعي قانونين تنظيميين، بالإضافة إلى المدارسة والمصادقة على عدد من النصوص التنظيمية. إذ تدارس المجلس وأخذ علما بمشروعي قانونين تنظيميين، تقدم بهما وزير الثقافة، وفق بلاغ للحكومة أورد كذلك، أن الأمر يتعلق بمشروع قانون تنظيمي رقم 26.16 يتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، ويندرج هذا المشروع، في إطار تفعيل مقتضيات الفصل الخامس من الدستور.

أما النص الثاني حسب البلاغ الحكومي ذاته، فيتعلق بمشروع قانون تنظيمي رقم 04.16 يخص المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. ويضفي هذا المشروع على المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي ويحدد صلاحياته ومهامه لاسيما تلك المرتبطة باقتراح التوجهات الإستراتيجية للدولة في المجالين اللغوي والثقافي، والسهر على انسجامها وتكاملها، وما يتعلق بحماية وتنمية اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية وكذا الحسانية واللهجات ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، وبتنمية الثقافة الوطنية والنهوض بها في مختلف تجلياتها، وحفظ وصون التراث الثقافي المغربي، وتيسير تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، والمساهمة في تقييم تنفيذ هذه التوجهات، بتنسيق مع السلطات والهيئات المعنية. كما يحدد هذا المشروع تركيبة المجلس الذي يتألف علاوة على رئيسه من خمسة وعشرون (25) عضوا…

ومنذ تاريخ 03 غشت 2016، لم تأتي الحكومة على أي ذكر للقانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية أو حتى قانون المجلس الوطني للغات والثقافة، وقبل حوالي أسبوعين من إجراء الانتخابات التشريعية ليوم 07 أكتوبر 2016، لا يلوح في الأفق ما يفيد بإمكانية تمرير القانونين السالفي الذكر والمصادقة عليهما إن لم نقل بإستحالة ذلك بالنظر إلى غياب الوقت اللازم، وهو ما يرجح ترك مصيرهما للحكومة والبرلمان المقبلين، لتكون بذلك الحكومة المغربية التي امتدت ولايتها من سنة 2011 إلى غاية سنة 2016، قد تنكرت للمقتضيات الدستورية التي تنص على ضرورة أن تصدر جميع القوانين التنظيمية في ولايتها، وهو ما تعهدت به في برنامجها الحكومي السالف الذكر أعلاه ولم تفي به طبعا.

العمل الحكومي إذا على مدى خمس سنوات لم يأخذ بجدية تفعيل ترسيم الأمازيغية، بل أكثر من ذلك حاولت الحكومة التنصل من المسؤولية بإلقائها على جهات أخرى، كما سعت لتبرير تماطلها بكون صياغة قانون الأمازيغية تتطلب وقتا وتشاورا لكون الملف حساس ويتطلب وقتا، وهذا التوجه خالفته الحكومة في السنة الأخيرة من ولايتها حين أقدمت على الإنفراد بصياغة قانون للأمازيغية خارج المنهجية التشاركية كما أجمعت على ذلك كل إطارات الحركة الأمازيغية، وعلى الرغم من ذلك فالحكومة لم تتمكن من تمرير مشروعها والمصادقة عليه في مجلسها وفي المجلس الوزاري ومن ثم البرلمان لتنتهي ولايتها دون أن تحقق أي إنجاز فيما يتعلق بما نص عليه الدستور بخصوص الأمازيغية.

البرلمان.. الارتجالية والمنع:

افتتح البرلمان المغربي توجهه المناهض للأمازيغية بإعلان رئيسة جلسته المنعقدة يوم الإثنين 07 ماي 2012، عن قرار لرؤساء الفرق النيابية بعد التشاور يقضي بمنع الحديث بالأمازيغية داخل البرلمان إلى حين توفير أجهزة الترجمة، وبالطبع لم يتم توفيرها أبدا، وجاء قرار البرلمان بعد أن تناولت طرحت نائبة من حزب التجمع الوطني للأحرار سؤالا شفويا بالأمازيغية قبل أن يتم منعها من إكماله.

الحزب ذاته أي التجمع الوطني للأحرار وبعد أن توصل من تنظيم أمازيغي في إطار ندوة نظمت بمجلس المستشارين يوم الأربعاء 21 نونبر 2012، تحت إشراف رئيس المجلس وتحت الرعاية السامية للملك، بمشروع للقانون التنظيمي للأمازيغية قدمه الحزب لاحقا باسمه للتداول في البرلمان، سيقوم بعد سنة وبالتحديد يوم27  نونبر2013، بإصدار بلاغ يعلن فيه عن سحبه لمقترح قانون الأمازيغية الذي سبق وتقدم به، وبرر الحزب قراره بكونه جاء تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية المتعلقة باعتماد التوافق والانفتاح والروح التشاركية في إعداد وإخراج القوانين التنظيمية باعتبارها نصوصا مكملة للدستور، وبهدف تفعيل إرادة البناء الجماعي للنصوص التشريعية المفعلة للدستور.

وأورد البلاغ ذاته أن فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب تجاوب بسحب مقترح القانون التنظيمي المتعلق بالأمازيغية المعروض أمام اللجنة المختصة للتداول والدراسة، وأن فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب الذي كان سباقا وأكثر إيمانا بضرورة إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود، ومؤمنا باللغة الأمازيغية وثقافتها  باعتبارها مكونا أساسيا، ودعامة لا محيد عنها في الهوية الوطنية المتعددة والغنية، ليجدد التأكيد على انحيازه الدائم إلى جانب كل الكفاءات والتنظيمات والمؤسسات المؤمنة بجعل هذا التنوع حقيقة، ومعيشا يوميا بما يصون الهوية الثقافية لبلادنا في إطار التنوع الثقافي واللغوي، ويعزز من اللحمة الوطنية.

هكذا إذا تكون خلاصة العمل البرلماني فيما يتعلق بتفعيل رسمية الأمازيغية طوال خمس سنوات متراوحة بين منع الحديث بالأمازيغية داخله، مرورا ببضعة أسئلة وأجوبة لنواب ووزارء، وانتهاء بسحب حزب التجمع الوطني للأحرار لمشروع قانون تنظيمي من التداول.

البرلمان يتجاهل نداءات الملك لتفعيل رسمية الأمازيغية:

تأخر الحكومة والبرلمان في تفعيل المضامين الدستورية المرتبطة بالقانون التنظيمي اللازم لتفعيل رسمية الأمازيغية، جعل الملك يجدد يوجه دعوته للبرلمانيين في مناسبتين مؤكدا على ضرورة تفعيل رسمية الأمازيغية، وكذا احترام الفصل 86 من الدستور المغربي الذي ينص على أن “مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور تعرض وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور”.

وفي هذا السياق قال الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بالبرلمان يوم 12 أكتوبر 2012، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية التاسعة، أنه “وفيما يخص هويتنا المنفتحة والمتعددة الروافد٬ فقد سبق لنا أن أرسينا دعائمها في خطابنا الملكي التاريخي بأجدير٬ ثم كرسها الدستور الجديد. وفي هذا الصدد٬ ينبغي اعتماد القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية٬ وكذا تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية٬ بعيدا عن الأحكام الجاهزة والحسابات الضيقة”.

مضت ثلاث سنوات منذ الخطاب الملكي السالف الذكر ولم يقدم البرلمان على أي شئ يذكر فيما يخص تفعيل رسمية الأمازيغية، قبل أن يعود الملك مجددا بخطابه ليوم 09 أكتوبر 2015، في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية التاسعة لينبه البرلمان إلى أهمية إقرار القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور قبل نهاية الولاية التشريعية، حيث قال الملك مخاطبا البرلمانيين “إن ما ينتظركم من عمل، خلال هذه السنة، لاستكمال إقامة المؤسسات، لا يستحمل إضاعة الوقت في الصراعات الهامشية. فمشاريع النصوص القانونية التي ستعرض عليكم شديدة الأهمية والحساسية”.

وأضاف الملك “لذا ارتأينا أن نذكر الحكومة والبرلمان بضرورة الالتزام بأحكام الفصل 86 من الدستور، الذي يحدد نهاية هذه الولاية التشريعية كآخر أجل لعرض القوانين التنظيمية على مصادقة البرلمان. ونذكر هنا، على سبيل المثال، مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وممارسة حق الإضراب ومجلس الوصاية”.

وأضاف الملك مشددا على البرلمانيين أن “هذه القضايا الوطنية الكبرى تتطلب منكم جميعا، أغلبية ومعارضة، حكومة وبرلمانا، تغليب روح التوافق الإيجابي والابتعاد عن المزايدات السياسية. ففي ما يخص مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لتقوم مستقبلا بوظيفتها، يجب استحضار أن العربية والأمازيغية، كانتا دائما عنصر وحدة، ولن تكونا أبدا سببا للصراع أو الانقسام. أما المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية ، فإن الأمر يتعلق بإقامة مجلس يضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات وليس وضع هيكل عام لمؤسسات مستقلة”.

المجلس الوزاري يصادق على قانون الأمازيغية دون أن يكتسي صبغة النفاذ:

منذ تاريخ 03 غشت 2016 لم تأتي الحكومة على أي ذكر للقانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية أو حتى قانون المجلس الوطني للغات والثقافة، وقبل حوالي أسبوعين من إجراء الإنتخابات التشريعية صادق المجلس الوزاري يوم الاثنين 26 شتنبر 2016 بالقصر الملكي في طنجة على مشروع قانون الأمازيغية إلا أن تلك المصادقة لا زالت تحتاج إلى مصادقة البرلمان على مشروع القانون لكي يتم احترام الفصل 86 من الدستور الذي تحدث فيه “المشرععن وجوب مصادقة البرلمان على مشاريع القوانين الواردة في الدستور قبل نهاية ولاية الحكومة الحالية.

وهكذا وفي ظل غياب مصادقة البرلمان على مشروع قانون الأمازيغية فلا قيمة له، رغم مصادقة المجلس الوزاري عليه، وسيبقى مجرد مشروع في انتظار تداوله بالبرلمان، وبالتالي فالدولة بمختلف مؤسساتها بما فيها الحكومة لا زالت لم تفي بإلتزماتها الدستورية اتجاه الأمازيغية، دون أن ننسى أن مشروع قانون الأمازيغية الذي أعدته الحكومة مرفوض من ناحية المضمون من قبل كل إطارات الأمازيغية التي لم يتم إشراكها في صياغته.

الحركة الأمازيغية في مواجهة وأد رسمية الأمازيغية:

بعد أربع سنوات متسمة بتجاهل الحكومة والبرلمان للمقتضيات الدستورية الخاصة بالأمازيغية، بالإضافة إلى سلسلة من التراجعات حتى عما تحقق قبل الحكومة من مكاسب للأمازيغية خاصة في التعليم، رفضت إطارات الحركة الأمازيغية إعلان الحكومة المغربية في سنتها الأخيرة عن فتح الباب لتلقي مقترحات المجتمع المدني في إطار إعداد مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.

ولم يسجل أن أعلن أي إطار أمازيغي عن تجاوبه أو استعداده للتجاوب مع خطوة الحكومة المغربية، بل وجه الأمازيغ الكثير من الانتقادات للتناول الحكومي للأمازيغية، وانتقدوا خروجها بعد أربع سنوات من نهجها سياسة التجاهل والتمييز ضد الأمازيغية لتخصص بريدا إلكترونيا لتلقي المقترحات المتعلقة بالقانون التنظيمي لتفعيل رسمية الأمازيغية، وذلك على عكس تطلع غالبية إطارات الحركة الأمازيغية التي تطالب بتشكيل لجنة خاصة يكون الأمازيغ عمودها الفقري، وتنضبط في عملها للمقاربة التشاركية، والأهم أن يتم تشكيلها بمبادرة ملكية، وذلك على الأقل مثل لجنة إعداد القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة التي شكلت بأمر ملكي، وفاء لمسلسل إنصاف الأمازيغية الذي ظل دائما طرفيه الرئيسيين هما الحركة الأمازيغية والمؤسسة الملكية.

ولا يخفي الأمازيغ أن مردهم في مطالبهم هو انعدام الثقة في الحكومة المغربية ومختلف الأحزاب السياسية التي واصلت العداء للأمازيغية وتجاهلت تفعيل ترسيمها على مدى خمس سنوات، ولعل الموقف الأمازيغي تبتث صحته بعد أن أعلنت الحكومة عن مضمون مشروع قانون الأمازيغية الذي انفردت بصياغته، حيث جاء مخالفا للمقتضيات الدستورية وبعيد عن تحقيق المساواة بين اللغتين الرسميتين للدولة.

 هذا وفي ظل مؤاخذات ورفض الأمازيغ لمضامين كل من القانونين التنظيميين، الأول، الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والثاني الخاص بالمجلس الوطني للغات والثقافة، اللذان أعلنت الحكومة عن تدارسهما في مجلسها وأخذها علما بهما، و بعد مرور حوالي شهرين على الانتخابات التشريعية، وفي ظل فشل مفاوضات تشكيل حكومة جديدة، يبقى وفاء الدولة بإلتزماتها فيما يتعلق بتفعيل رسمية الأمازيغية من عدمه واحترام الفصل 86 من الدستور، حلما لم يتحقق طيلة الخمس السنوات الماضية بل حلما تم إجهاضه.

said.el.ferouah@gmail.com

شاهد أيضاً

سيدي وساي: تأويلات ممكنة لتاريخ مشهد ساحلي مشهور (الجزء الخامس والأخير)

– الضروف العامة لقيام ثورة بوحلايس أول ملاحظة نريد تسجيلها فيما يتعلق بثروة بوحلايس، انها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *