وارزازات: من السينما إلى الطاقة الشمسية ولا شيء سيتغير

بقلم: محمد برشي 
“وارزازات”، أو “هوليود إفريقيا” هو لقب استحقته هذه المدينة عن جدارة، حيث كانت بمثابة الرحم الذي أنجب أضخم الأعمال السينمائية العالمية التي حصدت العديد من الأوسكارات، وتلك حقيقة فرضت نفسها حتى على الحقودين على تلك المدينة الهادئة، لكن ما يجب معرفته هو أن اتجاه بوصلة أشهر المخرجين العالمين شطر وارزازات لتصوير أفلامهم السينمائية لم يكن بفعل عمل إيجابي مدروس ومخطط له من طرف المسؤولين المغاربة، بل  لدورهم ” السلبي ” الذي خلق لهذه المدينة كل تلك المكانة. بفعل تهميشهم لها ولكل تلك المناطق التي تدور في فلكها، لتتوقف فيها عقارب الساعة جراء تلك السياسة الإقصائية بشكل جعل كل زائر لوارزازات كمسافر عبر التاريخ ليعيش الحقيقة النابضة لحياة الإنسان كما كانت في العصور السحيقة.
المصارع “Gladiator “، الإسكندر، أمير فارس، طروادة، المومياء، مملكة السماء… تلك باقة من أشهر الأفلام العالمية التي تم تصويرها بوارزازات، ولا غرابة أن تكون كلها أفلام تاريخية، ومخرجوها لا يختارون وارزازات كمكان للتصوير اعتباطياً، بل إنه اختيار نابع من قناعة الإقتصاد، اقتصاد في الجهد والوقت والمال، حيث يعفي هذا الإختيار مخرج تلك العينة من الأفلام من مصاريف ووقت صناعة ديكورات تحاكي ماهو مألوف في أزمنة تاريخية قديمة، مادامت وارزازات ومداشرها قد توقف بها الزمن منذ تلك الأزمنة، وكذلك الأمر بالنسبة للساكنة التي لم تعمل الدولة شيئا من أجل تأهيلهم ليظهروا كبشر القرن الواحد والعشرين!
أجسام نحيلة، تجاعيد قبل الأوان، أياد خشنة، أسنان صفراء ومتفحمة، عيون غائرة تنوب عن الكلمات في سرد معاناة صاحبها، أسمال بالية وحذاء قد يكون حذاء العمر لصاحبه. كل هذا يعفي المخرج من تأجير مهندس ديكور ليشتغل على كومبارس هم أصلا ميثاليون بأعداد تكفي لتصوير حتى جحافل الجيوش في مشاهد معارك الإسكندر الأكبر أو غزوات جينكيز خان المغولي..
التناقض الصارخ بين حقيقة العالم المعاصر والعالم الذي يعيشه الإنسان في الجنوب الشرقي للمغرب جسده ببراعة فيلم ( بابل ) الذي تنتقل فيه الكاميرا بين الميكسيك، أمريكا، اليابان، والمغرب، ولم يكن لإستفراد الممثل الشهير ( براد بيت) بمشاهد المغرب أي دور في تغير تلك المفارقة الصارخة التي صنعها هول الفارق بين طوكيو المدينة المعاصرة و تازارين القادمة من عمق التاريخ.
ذات يوم، حلّ عاهل المغرب وحكومته مصحوبين بآلة إعلامية ضخمة للإحتفال بمشروع ضخم أقيم على أرض لم تجف  الدموع بعد في مآقي ساكنتها إثر اغتيال رمز من رموز النضال فيها وهو الشهيد عمر خالق. واختيار وارزازات لإقامة هذا المشروع ليس من أجل عيون هذه المدينة أو لمصلحة تم التفكير في تحقيقها لهم، لأن مثل هذه المشاريع العملاقة لا مكان لها في المغرب غير النافع، إلا أن شمس وارزازات الساطعة على مدار ايام السنة فرضت على هؤلاء المسؤولين أمر إقامة هذا المشروع في منطقة غير مرغوب فيها.
ستضيء وارزازات مستقبلا كل التراب الوطني دون أن يجعل ذلك سببا في مغادرة بسطاء الساكنة وهم الأغلبية لمساكنهم الطينية نحو مساكن عصرية، ودون أن يمنع ذلك أشهر مخرجي العالم من الوفاء لعادتهم في صناعة الأفلام التاريخية بنفس المدينة، لأن هذه الأخيرة كتب لها أن تكون تاريخية في ظل وجود مسؤولين في هذه الدولة يفضلون مناطق داخل الوطن الواحد على مناطق أخرى، ومدنا على أخرى، وأناس على أناس آخرون!
الصورة أسفله لأطلال ما تبقى من واحة “ملاعب” شقيقة وارزازات في التهميش والحرمان، وهي صورة  لأطلال ما تبقى من حقول تلك البلدة التي كانت بالامس كنز الساكنة الذي تتجدد قيمة محتواه بقدر ما يصله من المياه، صورة ارفقها عمداً بهذا المقال علها تصل الى أشهر المخرجين العالمين لعل وعسى أن تلهمهم في إعادة تصوير فيلم نبي الله يوسف بهذا المكان الذي قد يعفيهم من العمل على محاكاة مشاهد ذلك الفيلم الخاصة بألاحداث المرتبطة بالسنوات السبع العجاف كما حلمها الملك ( العزيز ) وتنبأ بها يوسف عليه السلام!!.

اقرأ أيضا

نص سردي من زمن الطفولة

عندما كنا نزمجر في الوادي، ونقرأ دع اللقالق ترحل، وأترك النمل يدخل بيته. ولم نكن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *