وجدة الأمازيغية عاصمة للثقافة “العربية” !!

بقلم: عبد الله بوشطارت

من المنتظر أن يتسلم وزير الثقافة المغربي اليوم 18 مارس 2018 مشعل ما يسمى وجدة عاصمة الثقافة العربية لسنة 2018 من مدينة الأقصر بمصر، وذلك وفقا للقرار الذي اتخذته اللجنة الدائمة للثقافة العربية في مدينة الدارالبيضاء يوم 30 نونبر 2017، حيث قررت بالإجماع على اختيار مدينة وجدة عاصمة للثقافة العربية، باقتراح من وزارة الثقافة المغربية. ومن غرائب الصدف وعجائبها، هو أن نفس الوزارة المعنية بالثقافة والاتصال بالمغرب، أصدرت بلاغا في يوم 15 مارس 2018، أعلنت فيه عن اكتشاف علمي غير مسبوق في العالم، يتعلق باكتشاف فريق بحث علمي دولي متخصص في علم الجينات، لأقدم آثار الجينات للإنسان العاقل في العالم وتعود إلى 15 ألف سنة، بمغارة “تافوغالت” شرق المغرب بقرب من مدينة وجدة، (تبعد عنها ب 50 كلم).

الشعار الذي تم اختياره لهذه الدورة هو: “وجدة الألفية : عنوان الثقافة العربية”، وحسب بلاغ لوزارة الأعرج( أمازيغي من الريف) فإن هذا الحدث يعد مناسبة لجعل مدينة وجدة قبلة للعمل الثقافي العربي التي ستنطلق بتاريخ 13 أبريل 2018 إلى غاية 27 مارس 2019….والنهوض بالمشهد الثقافي العربي المشترك…وسيتم برمجة أزيد من 500 نشاط ثقافي بمناسبة هذا الاحتفال بمشاركة أزيد من 1200 مثقف ومفكر وباحث، مغاربة وعرب،،،،
لاشك أن هدف هذه الخطة التي تم اختراعها من قبل الدول “العربية” منذ سنة 1996 هو استغلال الثقافة من أجل المزيد من التعريب ونشر العروبة في بلدان وأقطار ليست عربية خاصة في شمال إفريقيا، في أفق الهيمنة الثقافية واحتوائها وإدماجها في ما يسمى ب”الوطن العربي”. وهو فعل سياسي “مؤدلج” مغلف بتظاهرة ثقافية ذات نفحة “القومية العربية”، ومدعوم بأموال البيترول، وهي سياسة تروم بالأساس مواجهة الخصوصيات الثقافية والقوميات الأخرى التي تنتشر في شمال إفريقيا والشرق، خاصة الهوية الامازيغية، والهوية الكردية.

وجدة مدينة أمازيغية، أسسها الملك الامازيغي “زيري بن عطية المغراوي الزناتي”، سنة 994 م. (زيري يعني بالامازيغية البدر)، وهو من بين أعظم الملوك في تاريخ الأمازيغ، يقول “إبن أبي زرع” في كتابه الأنيس المطرب بروض القرطاس..” فغلب زيري على جميع بوادي المغرب وملك مدينة فاس…واستقام له الأمر بالمغرب فعلا قدره وقوى سلطانه وارتفع شأنه…ولم يبق له منازع وهابته الملوك…. فبنا مدينة وجدة، وشيد سورها وقصبتها وركب أبوابها، وسكنها بأهله وحشمه، ونقل إليها أمواله وذخائره، وجعلها قاعدته ودار ملكه لكونها واسطة بلاده، وكان اختطاط زيري بن عطية لمدينة وجدة في سنة أربع وثمانين وثلاثمئة.”

ويبدو من كلام المؤرخ ابن أبي زرع، أن مدينة وجدة هي مدينة أمازيغية بنها الملك الامازيغي زيري بن عطية وعمرها بأهله من مغراوة، واختار الموقع بناء المدينة لأنه يوجد في وسط بلاد زناتة، (إزناتن) ونعلم أن ذلك الوقت أي القرن 10 م، لم يشهد المغرب بعدُ الزحف البدوي من غزو بنوهلال وغيره. وبالتالي فالساكنة كانت أمازيغية.
وتقريبا نفس رواية ابن أبي زرع نقلها العديد من المؤرخين، كصاحب الاستقصا المؤرخ الناصري إذ يقول في ذكره لتأسي وجدة وحديثه عن خبر دولة زيري بن عطية المغراوي بفاس والمغرب، وقال ” …لما قَتَل زيري ابن عطية يدو بن يعلى صفا له أمر المغرب ولم يبق له منازع …وبقي الأمر مستقيما بينه وبين المنصور في الظاهر فسمت همته إلى بناء مدينة تكون خاصة به وبقومه وأرباب دولته فبنى مدينة وجدة وسير أسوارها وأحكم قصبتها وسكنها بأهله ….”

أما ليون الإفريقي في “وصف إفريقيا”، قال عن مدينة وجدة ” ..وجدة مدينة قديمة بناها الأفارقة في سهل فسيح جدا، على بعد 40 ميلا جنوب البحر المتوسط، وعلى نفس البعد تقريبا من تلمسان…وأراضيها الزراعية كلها غزيرة الانتاج…وكانت أسوارها في القديم متينة عالية جدا، ودورها ودكاكينها متقنة البناء وسكانها أثرياء ومتحضرين وشجعان، ولكنها نهبت ودمرت أثناء الحروب المتوالية بين ملوك فاس وملوك تلمسان، حيث كانت منحازة لهؤلاء… وسكانها يتكلمون اللغة الافريقية القديمة وقليل منهم يحسن العربية الدارجة التي يتحدث بها أهل المدن”.

لا نروم تقزيم تاريخ مدينة أمازيغية عظيمة في حجم مدينة وجدة الزيرية، ولكن قمنا باقتباس هذه الروايات التاريخية فقط كشهادات عن أمازيغية وجدة، خاصة في التأسيس خلال القرن 10م، ثم ذكرنا شهادة خلال القرن 16 أي بعد الغزو الهلالي، حيث أكد حسن الوزان المعروف بليون الافريقي، وهو الذي يكتب الأشياء التي شاهدها بأم عينه خلال رحلته وتنقلاته داخل المغرب، وأكد أن سكان وجدة يتكلمون اللغة الافريقية القديمة أي اللغة الامازيغية، وقليل من الساكنة من يعرف الدارجة العربية، بالرغم من أن أحواز المدينة آنذاك استقرت فيها بعض المجموعات القبلية الهلالية التي اجتاحت المغرب خلال القرنين 12 و13، ولم يؤثر ذلك في تعريب المدينة بنسبة كبيرة.

لا يمكن أن ننفي أن وجدة الحالية ليس فيها ساكنة تتحدث الدارجة أي العامية العربية، بحكم العديد من التحولات البنيوية التي شهدتها المدينة والمغرب بصفة عامة، واخطر تحول وقع لمدينة وجدة بدأ سنة 1272 م حين دمرها وخربها السلطان المريني يعقوب المنصور، وذلك الدمار وقع في لحظة تاريخية حساسة بحكم تزامنه مع زحف بنو هلال…وما جاء بعد ذلك من تحولات واضطرابات مست العمق الثقافي للمدينة وللجهة الشرقية، آخرها الاستعمار الفرنسي وما نتج عنه من تأسيس الدولة الوطنية التي تبنت العروبة والتعريب …

ولكن بالرغم من كل هذا وذاك فإن وجدة ليست مدينة عربية، فهي مدينة مغربية ساكنتها اليوم تتحدث الامازيغية والدارجة المغربية، فكيف ستصبح عاصمة “للثقافة العربية” . أن تكون عاصمة الثقافة المغربية، نعم فهي تستحق ذلك، وتستحق أن تكون عاصمة الثقافة الإنسانية بشكل عام، فهي مركز حضاري عرف بالتثاقف والتعايش وليس بالإقصاء…
وجدة في حاجة إلى أنشطة ثقافية في إطار جعلها عاصمة الثقافة الأمازيغية، هي في حاجة إلى 500 نشاط ثقافي وفني أمازيغي، لإحياء ثقافتها وحضارتها لتعرف ساكنتها وعموم المغاربة والجزائريين لأنها مدينة حدودية نتشارك فيها ثقافيا وحضاريا مع الجزائريين وخاصة ساكنة تلمسان التي تعتبر هي الأخرى مدينة مغربية، وكلها مناطق تتقاسم الثقافة الامازيغية وتتشارك بنفس التاريخ. لتعرف ساكنها، حقيقة ثقافتها وحضارتها وهويتها.
الشعار الذي اختارته وزارة الثقافة المغربية، شعار أعرج وأجوف وإقصائي، وفيه نوع من التناقض والتحايل، على التاريخ وعلى الثقافة. “وجدة الالفية : عنوان الثقافة العربية”، هذا شعار غير صحيح وليس منطقي، لأنه بينا أعلاه أن تأسيس مدينة وجدة كان على يد ملك أمازيغي، وهو زيري بن عطية، وساكنتها أمازيغية، يعني الشعار الصحيح والمفروض على وزارة الثقافة اختياره والاشتغال عليه، هو وجدة الالفية : عنوان الثقافة الأمازيغية. هذا هو جوهر العنوان ، وعين العقل، وهو شعار منسجم تمام الانسجام مع تاريخ وجدة ومتكامل مع حضارتها وثقافتها. يعني بكل صراحة هؤلاء يعرفون ما يريدون ويخططون لمستقبلهم على حساب الامازيغية، وكلمة “تعريب” دالة ومعبرة جدا، على أن المغرب ليس عربيا وليس معربا، وما يسمى بمبادرة عاصمة الثقافة العربية يندرج في هذا الاطار.
وفي الحقيقة، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهداف مدينة وجدة الأمازيغية، فقد انعقد فيها خلال أبريل سنة 2008 مؤتمرا دوليا للغة العربية والتنمية البشرية، شارك فيه أزيد من 20 بلد، كان هدفه هو تكثيف الضغوط على مراكز القرار السياسي في الدول “العربية” لتعريب التعليم والإدارة والحياة العامة بجميع قطاعاتها. يعني بكل صراحة هؤلاء يعرفون ما يريدون ويخططون لمستقبل ثقافتهم ولغتهم العربية على حساب الثقاة واللغة الامازيغيتين، وكلمة “تعريب” دالة ومعبرة جدا، على أن المغرب ليس عربيا وليس معربا، كمجال وكانسان، وما يسمى بمبادرة عاصمة الثقافة العربية تندرج في هذا الإطار، التعريب الشامل.

كان الأحرى بوزارة الأعرج، أن تتجه صوب “تافوغالت” وتسنفر كل القطاعات الحكومية الأخرى، وتنظم ندوة صحفية أمام وسئل الإعلام الوطني والدولي، وتعلن نتائج الأبحاث العلمية التي تم اكتشافها من قبل فريق بحث علمي، شارك فيه متخصصون مغاربة ألمان وانكليز وغيرهم، وهو اكتشاف غير مسبوق في العالم، وتعطي وزير الثقافة المغربي بصفته الحكومية انطلاق بناء معهد دولي للأبحاث الأثرية في تافوغالت أو في مدينة وجدة، ليكون المعهد منارة علمية يستقطب الدارسين والمتخصصين في مختلف تخصصات العلوم الأثرية والاركيولوجية لاسيما وأن تافوغالت تعتبر موقعا أثريا مهما، لازال يعج بالمفاجئات العلمية التي تهم تاريخ البشرية بشكل عام. وليس السفر إلى مصر لتسليم شعلة عاصمة الثقافة العربية، لتنظيم مهرجانات فنية لتظهر الوزارة أن وجدة عربية وعاصمة الثقافة العربية….

المغرب قطع أشواطا مهمة جدا في الاعتراف بالتعددية الثقافية واللغوية، وقام بترسيمها في الدستور، واليوم يجب على الدولة أن تقوم بترجمة هذا الاعتراف بجرأة في التدبير وفي التنزيل على أرض الواقع. بل يجب أن تتحمل المسؤولية كاملة في ذلك، واحترام هذا التعدد والتنوع مؤسساتيا وثقافيا لأنه من شأنه صيانة الانتماء المشترك للمغاربة جميعا، وليس سن سياسات اقصائية مستفزة.

شاهد أيضاً

«مهند القاطع» عروبة الأمازيغ / الكُرد… قدر أم خيار ؟!

يتسائل مهند القاطع، ثم يجيب على نفسه في مكان أخر ( الهوية لأي شعب ليست …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *