“ما من موت هناك فقط تبديل عوالم ”
الزعيم الهندي الاحمر سياتل
____
وداعا دا حماد الدغرني، لترقد روحك في سلام و اطمئنان أبديين أيها الشامخ الذي لا يشبه سوى نفسه، الشامخ الذي لم يعش غير شرطه التاريخي، الرجل الحالم بالمغرب المتعدد، الذي يحضن ذاكرته و يروي جذوره و يحضن كل أحفاده على اختلاف مللهم ونحلهم، خبر عوالم السياسي مؤمنا به مذ انخرط بكامل رفضه في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ببهو جامعة محمد الخامس بالرباط وبكامل احتجاجه في اتحاد كتاب المغرب، حتى بداية الألفية وهو يبحث عن مستقبل لرؤاه السياسية بانشغاله بتأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي الذي تم حله.
و ككل من يشبهون أنفسهم كان حظه من المكيدة و الإشاعة و الممانعة و فيرا كان مسكونا بتأسيس فعل مدني أمازيغي و فعل سياسي ديموقراطي يحقق العدالة الاجتماعية في الخيرات المادية و الرمزية، مثلما كان مسكونا باستعادة اللحظات المشرقة في الذاكرة الشعبية و في أعماق التاريخ وفي المدونات اللغوية، و إذا كان البحث الأنثروبولوجي في المغرب قد كشف استناد دينامية و حيوية الفعل السياسي إلى خطاطة ثقافية؛ هي خطاطة الشيخ و المريد ذات البنية المنقبية، فإن الدغرني كشف الوجه الٱخر لسيرورة الفعل الحزبي في المغرب الحديث، متتبعا قرابة الدم كبنية عميقة حكمت الكثير من تجاربه و تمفصلاته، و منح لدال الصداقة مفهومه الموسع محررا إياه من سرديات الضدية، لتكتنف الصداقة الٱخر الذي لا يعدو أن يكون في النهاية سوى جزء من الأنا، قادما من الجذور ذاتها، و لتمتد هذه الصداقة على نحو يرمم طرس ذاكرة سكنها الٱخر اليهودي و أسكنها بعضا من معالمه و أمشاجه قبل أن يمارس الحل و الترحال بين شرق المتوسط و جنوبه.
إزاء ما بادلته الكثير من أطياف المجتمع من توجس، و إزاء النيران الصديقة أيضا، كان حفيد جبال أيت باعمران ربما يتحصن بتلك الروح التي كتبت دموع الغولة و مدينة الفناء و مسرحية عبد المومن، يتحصن بالأدب؛ فالأدب أيضا كما يذهب إلى ذلك غليسان له وظيفة سياسية أيضا.
على أن الإطارات المدنية و الهيئات الثقافية التي أسهم فيها أحمد الدغرني بهذا القدر أو ذاك، و أسس صرح بعضها و لوفرة ما أغنى به المكتبة المغربية من دراسات و أثار أدبية و حفريات في التاريخ و الثرات، ينبغي أن تفكر في إصدار الأعمال الكاملة لأحمد الدغرني، أعمال تضيء لحظات شتى من تاريخ المغرب الحديث و المعاصر أعمال كاتب نذر مساره الشخصي لأجل ما يؤمن به .
أحمد بوزيد