* مبارك أولعاربي نبا: دم يرشو الخيال
يذهب الخطاب الثقافي المأثمي في تأويله للأعمار القصيرة لشعراء منشغلين بالكتابة من قبيل رامبو والشابي وأبي تمام ورياض الحسين الصالح إلى أنهم كتبوا شعرهم بدم القلب، لم يكن أي دم، إنه من الطينة التي كتب عنها خير الدين أنه دم يرشو الخيال… كانوا خفيفين في عبورهم، الخفة التي أعقبت سقوطهم بكل ثقلهم في فداحة الوجود، حتى ارتسم على أديم الأرض أثر خطاهم، وبه وشموا الذاكرة، كانوا نيازك شقت رمل مسقطها عميقا، وسواء كان ما تلا ذلك، خفة رقصة الطائر المذبوح بكامل الألم أو دويا وضوءا باهرا التمع ليلا، أو خطوات بطيئة لأقدام منغرسة في الوحل تشي بوعثاء السفر. ثمة من شده صوت هذا النيزك وثمة من لم يجد غير صورة أثره، ثمة من تحلق حولهم مبتهجا بالدم، محتفلا بالأضحية في سبيل يوتوبياه. وثمة من كان سائحا ملتقطا للصور الجمالية، أو متسقطا أنين الألم وهسيسه. باحثا عن بقايا النيزك وشظاياه، أو عاثرا عليها. فإن تلك الحياة أكثر امتدادا من زمنيتها المؤرخة بالسنين أو بالأعوام. إنه تضيق بتلك الأرقام التي تنقش بإزميل على شاهدة القبر. وحسبي أن فصائل الدم تغفل دمهم الراشي الخيال بخريف العمر كما تغفل الدم المغدور .
أتذكر الذين كتبوا بدم القلب، وأتذكر الشاعرة الشفهية مريريدا نايت عتيق والموسيقي مبارك أولعربي، سليلي الأطلس،الأولى طوت حياتها كما لو تميمة…ودفنت في شعرها حياتها القلسية والغامضة، كما فعل سليل جبال صاغرو، إنه من تلك الطينة بالذات، كتب بالدم ذاته، كما كان نيزكا انغرس في أعماق الأرض واختارها لياذا للروح والمادة، وخلفه صدى دويه. هذا بعض مما احتفظت به الذاكرة من صورة الأثر على جيلوجيا الجبال، بقايا الصدى الجارح؛ صدى تالا التي تحيل إلى الصوت والماء، إلى انسيابية الدمع الشبيهة بالولادة وأنين البكاء وحشرجاته الشبيهة بالاحتضار والموت. تالا التي تلهم الجسد والخيال، وتذهب به إلى العزلة…عزلة تشتهيها الروح، عزلة تستعيد فيها الذات ذاتها أو تذهب بها أبعد… إلى عدم أو إلى انفصال العناصر ، أبعد أيضا من هذه السردية التي منحت للحمقى تشكيل النموذج والتي منحت للمعتوهين والمدلسين حراسة الأخلاق.
*عمر خالق: فصيلة الدم ” دم مغدور”
إن شهيدا من طينة عمر خالق، سليل جبال صاغرو الشامخة، سيظل دمه يسيل وينساب في ليل الزمن منبعثا من رماد النسيان وردا شديد البهاء، متجددا كما لو كبد الكائن الميثي برمويثيوس، حين سرق النار من العوالم العلوية، كلما همت الذوات بحثا عن الجذور والينابيع وبحثا عن الزمن الشفهي الضائع. ستظل النار بما هي ترميز دلالي للمعرفة موضوع رغبة الشعوب التي تئن تحت سطوة الهيمنة في أرض السواد، وسيظل حاملوا جذوتها يوشمون ذاكرة الأرض شاهدين على صرخات بصمت عال…لدمك المغدور في ذكرى رحيلك إلى المغارات حيث الأزهار الميثية والخالدة كل الطمأنينة والسكينة، دمك الذي شيعت فصيلته النادرة قصيدة قديمة غنتها ناس الغيوان، حين غنى بوجميع حفيد بلاد طاطا ببحة حزينة ” وسيل سيل يا الدم المغدور واسيل سيل…السم فالصحاري جافل منك، تراب الأرض محال إنساك، وحوش الغابة ترهبات منك وسيل سيل …”