ولد الشهيد “عمر خالق” الملقب بـ”إزم” في 28 غشت 1990، بقلب الأطلس الصغير بصاغرو (إكنيون) بالقرب من معقل معركة بوكافر الخالدة، التي راح ضحيتها الآلاف من الرجال والنساء والأطفال في قصف لقوات الاستعمار الفرنسي سنوات 1933-1934، وقد بدأ الشهيد دراسته الابتدائية في مسقط رأسه إكنيون بمدرسة بوكافر الابتدائية ثم التحق ليكمل مرحلته الإعدادية بالثانوية الإعدادية “عسو أبسلام” بنفس المنطقة، لينتقل بعدها لإتمام دراسته بالسلك الثانوي بثانوية بومالن دادس، وفيها حصل على شهادة الباكالوريا شعبة الآداب والعلوم الإنسانية سنة 2011.
بعد نجاح الشهيد عمر خالق “إزم” في الباكالوريا توجه للتعليم العالي وتخصص في شعبة التاريخ والحضارة، بجامعة قاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية “أمور ن واكوش” (مُرَّاكش) ، هنالك وطَّد علاقته بالكتاب، وتخصصه في التاريخ والحضارة ، جعله مهتماً بالعودة العلمية إلى تاريخ أجداده، حضارتهم وثقافتهم، تشبع بروح المبادرة والصمود، بعد العديد من الأعمال التطوعية في مكتبة الكلية، التي خصص لها من اهتماماته وبحوثه دراسة هامة، مما قدم معروفا علميا بهذا البحث الذي أخذته الكلية كبحث مهم في إضافة قاعة إعلاميات تقرب أكثر من الطالب أهمية العلم والمعرفة بالكتاب.
ولقد كان للشهيد عمر خالق إزم فضلاً كبيراً في عودة الحركة الثقافية الأمازيغية لاستئناف عملها الميداني من داخل جامعة قاضي عياض “بأمور ن واكوش”، وقد عُرِف عن الشهيد حرقته العلمية واهتمامه الشديد بالمعرفة وكان كذلك معروف بأخلاقه الحسنة، وسلوكه النبيل، وقيمه العالية التي يَشهد له بها أصدقاءه و أساتذته، هذا ما جعله طالبا نشيطا استطاع استكمال دراسته كـطالب تاريخ والحصول على شهادة الإجازة الأساسية في شعبة التاريخ والحضارة سنة 2015، ولم يأتيه الحظ للحصول على أية وظيفة، فقرر الطالب متابعة دراسته، فلم يكن الأمر إلا كذلك ، فقام ببحث لنيل شهادة الماستر، فكان يبحث في عادات وتقاليد أيت عطا.
تميز الطالب والمناضل السلمي في الحركة الثقافية الامازيغية موقع أمور ن واكوش – مراكش- بأخلاقه الحسنة ومعاملاته الطيبة وبساطته وتواضعه، عُرف بنضاله وكفاحه من أجل كل القضايا العادلة، منها القضية الامازيغية، القضية العادلة والمشروعة، كما بالقضايا المتعددة التي تعكس حقيقة الشعب المراكشي (المغربي) وحقيقة أمازيغته بخطاباته القوية القائمة على العلم والمراجع، والقراءة والنقد للأوضاع القائمة، ولعل لقب “إزم” (الأسد) جاءه من هنا، كان يخاطب دائما بالعقل، حتى أنه ترك مقولة يختم بها مداخلته وكلمته وخطابه تعكس إيمانه القوي بكون تحرر الشعوب لا يكون إلا بالعلم والمعرفة، والعقل، حيث يقول دائما :” شرف العقل وجوهكم”، وله أيضا كلمات تاريخية جسدها شهيد القضية الامازيغية في مناسبات عدة، منها مقولة تحدث فيها عن النضال، حيث قال: “النضال ليس هو عدو العلم، بل الخمود وكثرة الشكاوي هو ما يؤدي بصاحبها إلى الهاوية.. شرف العقل وجوهكم.”.
وبحكم تخصصه في شعبة التاريخ، فلم يخرج عن سياق إعادة تصحيح التاريخ وفق تصوره الحداثي و المنطقي للأمور، وهذا واضح لما قال:””لقد تأملنا أنه لا شئ سينفعنا إن لم نكن واعين بماضينا، لأنه مفتاح لفهم حاضرنا الملوث بأيديولوجيات باردة، تسعى إلى قتل الإنسان الذي بداخلنا، وتجعل أجسادنا ملك للآخر الذي سيستخدمها لحرث حقولنا المسلوبة منا.”
إنها دعوة نضال قوية، عكسها الشهيد “عمر خالق” في أفعاله وتصرفاته وإيمانه القوي بعدالة ما يؤمن به، فلم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد كانت له كتابات عدة، تحدثت عن واقع ما تعيشه قريته “إكنيون” يعبر فيها عن ما يخص ضرورة عدم فك ارتباطنا بالهوية والتاريخ الأمازيغيين، وذلك في عدة مقالات منها مقال عنونه ب: “صاغرو… التاريخ المطموس والمعدن المنهوب”، وآخر بعنوان: “لحظة تأمل من أعالي جبال صاغروا”، وبكونه سليل المقاومة، وأسد ابن أسود الأطلس، جسَّد ذلك من خلال حديثه المستمر عن الامازيغية، كما عن جبل العزة والكرامة والمقاومة “جبل صاغرو”. وهذا واضح وضوح الشمس من خلال كتاباته المستمرة المعبرة عن عمق إيمانه النضالي بقضية الأرض والإنسان واللسان.
إن اقتناع الشهيد عمر خالق “إزم” بالقضية الأمازيغية وكذا بخطاب الحركة الثقافية الأمازيغية وبكونه ساهم في عودة استئناف عملها من داخل موقع “أمور ن واكوش” إلى جانب نقاشاته العلمية في الساحة، كل هذا أزعج وأدى بأعداء الإنسانية والحياة إلى ممارسة الجريمة الشنعاء في حق الشهيد، التي أودت به إلى الاستشهاد، لتعد بذلك أكبر جريمة سياسية أو ما يمكن أن نسميه الاغتيال السياسي الذي طال الشهيد عمر خالق”إزم” مناضل الحركة الثقافية الأمازيغية والطالب في جامعة القاضي عياض ب “أمور ن واكوش” – مراكش- كلية الآداب والعلوم الإنسانية. كانت حيثيات الهجوم على إثر مهاجمته هو ورفاقه بشكل مباغت وغادر مخطط له مسبقا من طرف بعض العناصر المحسوبة على من يسمون أنفسهم زوراً وبهتاناً بالطلبة الصحراويين بتواطؤ مع عناصر أخرى محسوبة على النهج الديمقراطي القاعدي البرنامج المرحلي التي استهدفته بالخناجر والسيوف والزبارات في زوال يوم السبت 23/01/2016 الموافق 10/01/2966.
في هذا الهجوم الجبان و الغادر والمدبر اغتيل “إزم” لينضاف بذلك إلى لائحة شهداء القضية الأمازيغية، مع إصابات بليغة لأربعة مناضلين آخرين تلقوا هجوما عنيفا ووحشيا قرب باب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش عشية يوم السبت -23 -01- 2016، ونُقلوا حينها إلى المستشفى وتلقوا بعض العلاجات إلا أن إصابة عمر خالق “إزم” كانت خطيرة ليلفظ بذلك أنفاسه الأخيرة صباح يوم الأربعاء 27- 01 – 2016، عمر قُتل لا لشيء سوى لأنه كان يناضل من أجل لغته وهويته الأمازيغية، قُتل لا لشيء سوى لأنه واسع الفكر، مؤمن بالاختلاف، ومدافع عن القيم والأخلاق، مؤمن بقيم أمازيغية جسدها في سلوكه وتعامله وإيمانه، هي روح تأبى النسيان، روح مفعمة بقيم تيموزعا، لقد اغتيل فقط لأنه اختلف مع فاقدي الفكر، جامدي العقل. قُتل لأنه يريد أن يُصدق الحق ويزهق الباطل، ويصحح الإيمان الخاطئ بالوطن والوطنية، لأن أفكاره وقيمه أبت أن تؤمن بالمكر والخديعة، رفضت الخضوع للذل والمهانة، رفض أن تُهان كرامته، وتُستلب حقوقه، اغتيل لأنه لا يستطيع أن يسير في خط أعداء الحياة والإنسانية، اغتيل لأنه أمازيغي رفض فك ارتباطه بتاريخه وهويته الحقيقية، قُتل لأنه كان مدافعاً شرسا عن الإنسان الأمازيغي المقهور و المضطهد سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً، لغوياً وهوياتياً.
عمر خالق “إزم” لم يعد حاضراً معنا جسدياً ولكن سيظل نجمه يرفرف عالياً في سماء القضية الأمازيغية وسيظل دمه غالياً على كل مناضلي ومناضلات الحركة الثقافية الأمازيغية الذين اختاروا السير على درب الشهيد وحمل مشعل القضية الأمازيغية والسير بها إلى بر الأمان لأنها قضية تستحق من حامليها كل التضحية، و كما قال عنها الشهيد عمر خالق “إزم” نفسه :”أقولها للمرة الألف لا يمكن اقبار الحقيقة والصوت الأمازيغي ما دمنا نتنفس الصعداء فوق هده الأرض وسنضحي بالغالي والنفيس من أجل قضيتنا العادلة ومن اجل هذه الحقيقة“.