أكد وزير الثقافة والاتصال، محمد الأعرج، مساء أمس الأربعاء 19 شتنبر 2018، على ضرورة تدبير وحماية وتثمين التراث الثقافي بالمملكة، وذلك بتوفير جميع التدابير الممكن اتخاذها للوقاية من جل أشكال التدهور والتغيير أو الاندثار التي قد تهدد مكونات هذا الموروث، من خلال إخراج مدونة للتراث تظم قانونا لحفظ التراث وقانونا للكنوز النفيسة وآخر للمخطوطات.
وأبرز الأعرج، خلال الدرس الافتتاحي الذي ألقاه بمناسبة إعطاء انطلاقة الموسم الجامعي 2018-2019 للمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط، تحت عنوان “حماية وتثمين التراث الثقافي بالمغرب”، إن المغرب يزخر بتراث ثقافي وافر ومتنوع يتضمن، فضلا عن المعالم التاريخية والمواقع الأثرية والمجموعات المتحفية، موروثا غير مادي ثري.
وأضاف أن الموروث التاريخي المغربي يستقي مادته من عدة أصول متنوعة، مشيرا إلى أن التمازج الحضاري الذي يميز هذا الموروث خلف تشكيلات من الثقافات المحلية المتداخلة، خلقت تنوعا أصيلا ومتفردا بالمغرب من أهم مظاهره التنوع اللغوي وتمايز العادات وتعدد التعبيرات والمراجع الفنية والجمالية.
وأشار إلى أن الوزارة، والتزاما منها بحماية وصون وتثمين التراث الثقافي، تبنت ورشا إصلاحيا مهيكلا بتنصيب آليات وتوجهات استراتيجية جديدة لتدبير وتنمية مختلف هذه المكونات التراثية في أفق سنة 2020، من خلال إدماج البعد التنموي والاقتصادي، الرامي إلى تأهيل المنتج التراثي واستغلاله في تحسين الاقتصاد الوطني والرفع من مداخيله وتنشيط سياحته، المحلية، والجهوية والوطنية.
وتجسيدا لهذا التوجه، يضيف الأعرج، تعمل الوزارة على انتهاج تدابير وإجراءات حديثة تهدف لتفعيل هذا الإصلاح القانوني، المؤسساتي، والتقني والمالي، من خلال إعداد مشروع قانون متعلق بالمحافظة على التراث الثقافي والمزدوج وحمايته وتثمينه، لتجاوز قصور المنظومة القانونية المؤطرة لحماية الممتلكات الثقافية من خلال إحداث قطبي عمل هما “اللجنة الوطنية للتراث الثقافي” و”شرطة حماية التراث الثقافي”، وكذا مشروع قانون حول الكنوز الإنسانية الحية بهدف تعزيز الالتزامات الدولية في مجال حماية التراث، فضلا عن إعداد الميثاق الوطني للمحافظة على التراث الوطني الثقافي والمزدوج وحمايته وتثمينه.
ولفت الوزير إلى أن تثمين التراث الوطني يرتكز على أربعة ركائز مهيكلة، تدعو الركيزة الأولى إلى تعزيز الحماية القانونية، وذلك بالترتيب والتصنيف المتواصل للمباني التاريخية والمواقع الأثرية وعناصر التراث غير المادي في قائمة التراث الوطني والعالمي، فيما تتمثل الركيزة الثانية في ضرورة تمتين الحماية المادية للتراث الثقافي.
وتهدف الركيزة الثالثة، حسب السيد الأعرج، إلى تعزيز البنية التحتية الثقافية والتعريف بالتراث الثقافي بمختلف تجلياته، فيما ترتبط الركيزة الرابعة بالحاجة إلى تفعيل العمليات المرتبطة بالتحسيس والتعريف بالتراث الثقافي وتشجيع المغاربة والأجانب على زيارة المعالم التاريخية والمواقع الأركيولوجية.
وسجل أن المنجزات التي تم تحقيقها على مستوى التراث الثقافي تستدعي الحفاظ على المكتسبات وتحسين المردودية للمحافظة على الموروث الوطني وصونه من تيارات العولمة الجارفة، وذلك من خلال تقييم التجارب وضمان التكوين المستمر للعاملين بالقطاع، مؤكدا في هذا السياق على ضرورة الانفتاح على باقي القطاعات، وخاصة مؤسسات القطاع الخاص لدورها الجلي في المحافظة على الموروث الوطني والمشاركة في إنقاذه وترميمه وتثمينه حتى يسهم في الحفاظ على الهوية وفي الإسهام في التنمية المستدامة.
ويكتسي هذا الدرس الافتتاحي أهمية بالغة انطلاقا من كون التراث الثقافي المادي وغير المادي والتراث المزدوج يعتبر رمزا للهوية وعنصرا أساسيا لحفظ الذاكرة ووعاء المبادئ والقيم المشتركة. كما شكل هذا اللقاء، الذي حضره مجموعة من الأكاديميين والأساتذة الباحثين والمهتمين بمجال التراث الثقافي، إضافة إلى طلبة الماستر والدكتوراه بالمعهد، مناسبة للوقوف على ثراء وتنوع التراث الوطني واستحضار الجهود الرامية للنهوض بمختلف مجالات التراث بالمغرب.