في هذه النافذة سنقدم مجموعة من اليوميات الحياتية لأرملة شابة وهي الشاعرة والفنانة زورا تانيرت زوجة المرحوم الفنان الكبير عموري مبارك، يوميات بيضاء مؤلمة تحكي فيها “زورا” عن حياتها وتتوسم من خلالها أن تكون نقطة في بحر من التغيير في مجتمع تعاني فيه كل امرأة ترملت، وسندرجها على شكل سلسة تحكي عن الأحداث الجارية والماضية.
زورا تانيرت
الحلقة (10)
عندما نكتب نكون قد استنفذنا كل طاقاتنا اتجاه العالم.. لهذا نخلق لأنفسنا عالمًا خاصا بنا.. نعيش فيه احلامنا.. ونأمل أن يبدأ التغيير من أنفسنا.. أُدرك جيدا وأنا اكتب هذه السطور أن التغيير عدو الانسان.. لكنني أعطيت الحق لكتاباتي بأن لا تكترث للعالم و تقاليده وأمراضه الفكرية..وأن تتمرد وتعمل على التغيير حتى وإن عشت افكاري مع نفسي ..وحتى وان ابتعدت عن زحمة الناس وبقيت وحيدة!
لم يعد البياض يهمني ..فكرت في نزعه مرات ومرات.. فقد اضحى محط اهتمام كل النساء .. كرهته.. وكرهت النظرات التي تحاصرني في كل اصطدام يقودني إما للغضب..أو لردود فعل باردة تتعب قلبي..!
الفكرة لم تعد فكرة ثوب ابيض ملفوف بجسدي.. بل تحولت المسألة و بدأت تأخد مسارا آخر داخلي!
في بياضي كانت تكمن الحكمة.. وأية حكمة..!
انها حكمة التغيير والتحدي!
القراءة منبع الوعي..لدى صرت أملأ فراغاتي بها.. وبها ايضا بدأت أغير طريقة نظرتي لمن حولي..فقد قيل انه ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻛﺴﺮ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ ﺍﻟﻤﺘﺄﺑﺪة ﺑﺎﻟﺮﺑﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ.. وأن التاريخ لا يتقدم بالنوايا الحسنة.. ومن هنا بدأت .. وقررت أن ابقى داخل بياضي..يلبسني وألبسه.. حتى آخر رمق..كنت متعطشة لمعرفة النهاية .. نهاية البياض.. وبه قررت أن اكسر المعهود.. بضربة قوية ..ضربة القلم الذي لا يعلى عليه!
الاستمرار في تحدي الملل كان هاجسي.. سجلت طفلي في احد النوادي الرياضية ..ولسوء الحظ كان اقرب نادٍ للمنزل هو ذاك الذي يتواجد تحت بيت تلك المرأة الشيطان التي ما فتئت تفتعل المشاكل حتى نكون ابعد المخلوقات عنها..او بالأحرى عن زوجها الذي كان متمسكا ومحبا لنا بسبب أواصل القرابة التي تجمعنا!
كان طفلي سعيدا ومستمتعا بكل تفاصيل ميولاته الجديدة.. وكنت الاسعد بأخده من حين لآخر لِيُرفِّه عن نفسه في ظل هذا الحزن الذي يخيم على البيت..زوج تلك التاء كان لا يبخل على طفلي بالحنان .. لأن الدم الذي يجري في عروقهما كان أقوى من تأثير التاء عليه..حتى أنني رفضت في غير ما مرة أية ماديات بيننا ليبقى الاحترام قائما على المودة لا غير. . وكنت بدوري أحرص على تلك العلاقة بينه وبين طفلي دون مكترثة لجبروت المرأة..لكن أحيانا نكون مجبرين على الابتعاد عمن نُكِّن لهم المحبة والاحترام .. لراحتهم وراحتنا وردعا لضررهم وضررنا!
كان ابن تلك التاء زميل طفلي .. يحبه ..بل كان له الأخ الأكبر الذي لا يرفض له طلبا..الألفة بينهم كانت واضحة.. صديقان حميمان لا يستطيع احد التخلي عن الأخر.. انها البراءة بكل تجلياتها!
بعد حصة الرياضة أخذت طفلي للبيت .. كان قد تعوَّد على اصدقاءه في النادي.. بعد كل حصة يعود الى البيت يبدأ في الحكي عن مغامراته ..قوته وصلابته وكيف يستطيع هزيمة اقرانه..كل هذا وأنا أتأمل حركاته التي تذكرني بنصفي الثاني.. انه البطل الصغير.. بطلي..!
كانت ليلة سعيدة.. سعيدةً بسعادة طفلي.. تلقيت اتصالا من تلك التاء .. واستعنت بصبري لأجيب عن مكالمتها.. فقد دلني قلبي أن اتصالها لا خير وراءه!
اجبتها.. ودون تمهيد لمبتغاها .. قالت: احضري ما سرقته…
قلت: أتمزحين يا امرأة؟ عماذا تتحدثين؟ اعتقد انك اخطأت في رقم الهاتف!
قالت: انا لم اخطئ ..ولست امزح.. قلت لك احضري سترة ابني لقد سرقتها أنت وطفلك من النادي..وابني الأن بسببكما مريض!
قلت: هل يعقل ما تقولين.. عن اي سترة تتحدثين.. وكيف تتجرئين باتهامنا بهذا الفعل الفضيع!
ثارت عليَّ التاء بكل قوتها وجبروتها..صوتها كاد يشق طبلة أذني.. وهي تؤكد فعل السرقة وأن ابنها ذاك الطفل البريئ لا يكذب وأن ما قاله عنا لا ريب فيه!
الحقيقة أن لا سترة سرقت ولا طفلا بريئا شهد بما لم يره وما لم يحدث.. انه الشيطان عندما يُلبس التهم للبراءة .. الهدف في الحقيقة كان قطع الحبل السري الذي يجمعنا مع ذاك الرجل الكريم والمحب لنا..نزعت المرأة الحبل بكل قوتها حتى تتخلص من وجودنا ليس فقط في بيتها الذي لا ازوره ابدا ..بل حتى تضمن تلوث الدم الذي يجمعنا بطفلها البريئ وزوجها المحب .. همُّها كان أن نبتعد.. ورضخنا لرغبتها مادام تأثير سمها سرى بعمق في أذن الرجل!
أخدت ابني لأبعد نقطة ليستمتع مع اصدقاء جدد..أردت لسعادته ان تدوم وحتى لا أجرح روحه النقية بالانقطاع عن ميولاته..وفَّرْتُ له كل وسائل المتعة والفرح .. ورحلنا بعيدا..!
يتبع..