يوميات أرملة (11)

نفي هذه النافذة سنقدم مجموعة من اليوميات الحياتية لأرملة شابة وهي الشاعرة والفنانة زورا تانيرت زوجة المرحوم الفنان الكبير عموري مبارك، يوميات بيضاء مؤلمة تحكي فيها “زورا” عن حياتها وتتوسم من خلالها أن تكون نقطة في بحر من التغيير في مجتمع تعاني فيه كل امرأة ترملت، وسندرجها على شكل سلسة تحكي عن الأحداث الجارية والماضية.

زورا تانيرت

الحلقة 11

في هذا البياض الحزين هل قرأتم نقاط حذفي..حيث يتمثل صمتي؟
نقاط حذفي لم تكن اعتباطية، لقد كانت التماسا لخيالكم بالغوص في تلك المفاهيم التي حاولتُ اظهارها فتعثرتْ وتوقفتْ بسبب الفرامل المفروضة على ألسنتنا. انه كلام مقصوص وتَتِمَّته موكولة لذوي العقول الراقية.
انا لم أكن أقتبس من حياتي للفرجة، بل انها ثورة عقلي وتمرد قلمي الذي لم أستطع كبح جماحه وهو يسرد حقيقة تاء نسيَتْ انها عقدة كل الاديان وعقدة الرجل بالذات. اتخذتْ بياضي سلاحا وجالت تدافع به عن الذكر وتنصره على نفسها.. ذكر يعنف أنوثتها، يسلب حريتها، يقمع قوتها،وفي النهاية تبقى في نظره عورة. ذكرٌعجزت عن مساواته وتكالبت على جنسها لتذُوق طعم نصر مزيف يزيد طينتها بلة وغباءها مذلة!
منذ تكونت الفكرة جنينا في عقلي وأنا معتقلة داخلها..ابحث لها عن بداية ولا انتظر نهايتها.. لأن نهايتها بيد التاء ومدى تخلّيها عن معتقدات تزيد من إذلالها وتنصر الذكر حين تمحنه حظ الانثيين.
التقيت صديقاتي المتمردات وأخبرتهن أنني في أتم الاستعداد لتحدي نون النسوة .. اقترحت عليهن الذهاب الى أكبر تجمع نسوي مُقَامٍ بالمدينة. انه موسم ايموران، حيث يتجمع النساء طالبات البركة من غياهب البحر علَّها تجود عليهن بغيث الرجال. نساء تتمنين الستر .. ستر الرجل!
لقد قررت استفزازهن ببياضي..فأنا بالنسبة لهن غراب النحس الذي سيُذهب البركة.. ولعنة ستحط عليهن وسيغيب الحظ.. مشيت وسط زحمة النساء ..مشيت بثقة وسطهن معلنة الحرب الباردة ..جموع من النساء هنا وهناك يتبركن من زبد البحر أن يحن ويعطف برجل.. وأنا وسطهن أمشي كشبح مخيف كاد يعصف بما يستثرن من غضب.
عيونهن كانت مرآة رأيت فيها كل الغل والحقد والرغبة الجامحة في الشجار وطردي من الطبيعة حتى لا تلامسني أمواج البحر.. فإن تجرأتُ وعانقتُ البحر ضاعت فرصتهن في الحظي برجل!
وببياضي ذاك.. ناداني البحر فارتميت بين احضانه بكل حب.. لقد كان دائما اقرب عناصر الطبيعة الي..وأحبهم الى قلبي..لم يكن ناكرا لجميلي.. احبني واحتلني وساندني .. وسبحت وسط امواجه حتى تبلل بياضي واغتسل من سواد قلوبهن .. سبحت ولوثت نواياهن بحداد قلبي..لقد كانت أمواج البحر أحن علي منهن..سبحت وأغرقت البحر حبا..تمايلت له واغريته ببياضي.. فكان أن ضعف امامي ولم اكتف حتى همس لي أن غرضهن لن يُقضى بل سيُقضَى عليه..!
انه الإحساس بالخيبة والخيانة الذي دفعني للتمرد عليها..كنت اتعاطف معها..أدافع عنها.. وأمنح ظهري للضربات حتى لا تؤلمها..كانت جزءا مني وكنت جزءا منها.. وحين قالت الاديان اضربوهن .. اهجروهن.. قلت حيَّ على الكفر حيَّ على اللاعتقاد.. وفي خضم تضحيتي من أجل عزها وكرامتها وتسخير قلمي من اجل راحتها صرت أنا ضحيتها!
يتبع..

اقرأ أيضا

ندوة بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تدعو إلى تنشئة اجتماعية خالية من العنف ضد النساء

في إطار الحملة الوطنية لوقف العنف ضد النساء، نظم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ندوة تحت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *