يوميات أرملة (9)

في هذه النافذة سنقدم مجموعة من اليوميات الحياتية لأرملة شابة وهي الشاعرة والفنانة زورا تانيرت زوجة المرحوم الفنان الكبير عموري مبارك، يوميات بيضاء مؤلمة تحكي فيها “زورا” عن حياتها وتتوسم من خلالها أن تكون نقطة في بحر من التغيير في مجتمع تعاني فيه كل امرأة ترملت، وسندرجها على شكل سلسة تحكي عن الأحداث الجارية والماضية.

زورا تانيرت

الحلقة التاسعة

ومع كل ليلة بيضاء أفكر وأمعن التفكير في أحداثي اليومية هاته،وأجول في ملكوتي وخيالاتي.. وأكتب وأكتب دون انقطاع .. وأتحدى الكون داخل بياض أوراقي.. كنت اهمس للفراغ لكنه لم يكن يسمعني.. كان يصدني..لا بل خذلني وتركني عرضة لأحزاني ورحل ليزيد ألم الموت ألم الرحيل!

عندما نخطئ نقع في شر اعمالنا.. لكن ليس لدرجة تحمل خطأ ليس من صنيعنا .. عندما يكون خطأ الأقدار فذاك لم يعد ينتسب الينا..الموت قدر قاس.. مريب..مدمر..لكنه خارج عن ارادتنا.. ونصفي الثاني لم أسلبه حياةً بل منحته اخرى.. وبها الان يعيش بيننا..لكن التاء تصِّر على تحميلي المسؤولية بحصارها..!
كن يتقولن عني الاكاذيب وأنا في عز احزاني.. بل ويتهمنني بعدم احترام الحداد.. فالحداد في تصورهن لباس..سجن وهيئة حزينة..لكنه وبعد كل هذه الاصطدامات مع النساء صار بالنسبة لي.. لحظة تأمل.. ستتحول لشيء اخر مع مرور الايام.

سمعت نقرا على الباب..فتحت.. فإذا بتاء اخرى تزورني.. استقبلتها بفرح.. اعتقادا بانها زيارة بريئة ستنسيني بعضا مما تركَتْه جروح نون النسوة في اعماقي.. كان حديثها مليئا برسائل مشفرة.. لم اعتد عليها.. فأنا امرأة تعشق الوضوح في كل شيء ..وكيفما كانت نتيجته..!

كانت رسائلها مغلفة بغلاف لا يستطيع احد فك رموزه..النساء حين يرغبن في زعزعة راحة غيرهن يبدعن .. يستعملن كل الاساليب البلاغية للتأثير..يعملن على ايصال المعنى بأفضل الطرق حتى تتمتعن-هن- بجمال اللغة وأنت بفضاعة المعنى!

تركتُ لها حيزا من الوقت لتلقي على مسمعي قذارة قلبها.. اسلوب استفزازها كان غريبا..! تتكبد متاعب الزيارة.. تدخل بيتي.. ثم بعد ذلك تجعلني ألعنُ اللحظة التي فتحت لها بابي.. تاء من نوع خاص هذه المرة.. هي ايضا ارملة منذ مدة ليست بقصيرة..عاشت نفس التجربة.. وتكبدت نفس المعاناة.. لكنها تلك الأرملة التي صارت تُعِينُ النساء على قهر غيرهن..!

اصغيت لها بتمعن.. فالمرأة تعيش حالة نصح.. وعليَّ أن أنصاع لنصحها.. حدادي في رأيها حداد باطل وغير مقبول فلا داع للاستمرار فيه.. غير مقبول لأن الشمس تغرب وأنا لا زلت خارج قبري!

حتى في الحداد يحللن ويحرمن..!

التاء ايضا تتحسر على انجاب طفلي.. ففي رأيها انجابه كان خطأ ارتكبه نصفي الثاني حيث لم يكن يعلم بأنه سيموت.. فلو كان يعلم بموته ما أنجبه!

وفي رأيها ايضا انا امرأة محظوظة بانجابي طفلا.. فلولاه لطُرِدْتُ بِثُمني وابتعدت!

واخيرا.. تقول بسخرية أن كل النساء الأرامل يعذبن ابناءهن امَُّا بالزواج وتشتيت الشمل او بالفساد واطعامهم لقمة حرام !
كل هذا وهي تستثني نفسها عن كل ما اجتره قلبها من قذارة!
أليست هي الملاك وغيرها شيطان..؟

هذا كل ما جنيته من زيارتها الميمونة!

ما أصعب أن يلخص المرء بتفكيره القاسي اجمل ايامك التي عشتها بحلوها ومرها مع انسان كان همه الوحيد ان يرى السعادة والابتسامة على وجهي.. لا بل أن يلخص عمق نظرتك للأمور في فكر أقل ما يمكن أن أقول عنه انه فكر رخيص ..لا يقدِّر معنى الحب والاعتراف بصدق المشاعر..هذه المرأة لخصت حياتي مع نصفي الثاني في ماديات الحياة التي لو خيرت بينها وبين التحاقي بالغالي لفضلت الرحيل وانعتاقي من نجاسة هذه العقول!

ذهبتْ الى حال سبيلها بعد ان اشبعتْ رغبتها بالتهكم علي في عقر داري.. وبكل ما أُوتيتُ من سكينة داخلية.. التقطت كتابا بعنوان “مهزلة العقل البشري” لصاحبه علي الوردي.. علَّه يجود على بسبب مقنع لتفشي مرض الغباء في مجتمعنا المسكين هذا.

يتبع…

اقرأ أيضا

جزائريون ومغاربة يتبرؤون من مخططات النظام الجزائري ويُشيدون بدور المغرب في تحرير الجزائر

أثنى متداخلون مغاربة وجزائريين على دور المقاومة المغربية في احتضان الثورة الجزائرية ودعمها بالمال والسلاح، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *