عبان رمضان، كريم بلقاسم، ومحمد بوضياف من ولماذا وكيف اغتيلوا؟
لقي المقاوم القبايلي، عبان رمضان، مصرعه شنقا يوم 26 ديسمبر 1957 على يد خمسة جزائريين، يتزعمهم عبد الحفيظ بوصوف بمزرعة صغيرة بضواحي تطوان المغربية، وذلك بعد أن استدرجته الشبكة الإستعلاماتية لهذا الأخير إلى منزل معزول حيث نفذت العملية، على حد تعبير أحد العناصر التي رافقت منفذو العملية ذاك الحين، التصريح تم بمناسبة الذكرى الخمسينية لاستشهاد المقاوم. (أنظر شاهد على اغتيال عبان رمضان).
من هو عبان رمضان؟
ولد عبان رمضان في 20 يونيو 1920 بقرية عزوزا التابعة إداريا لبلدية الاربعاء نأث إيراثن بولاية تيزي وزو بالجزائر، نشأ في أسرة أمازيغية ميسورة الحال، فطنته وشجاعته وحبه للعمل السبب الرئيسي في تفوقه في الدراسة فقد نال شهادة البكالوريا بثانوية البليدة عام 1941 واشتغل مباشرة ككاتب عام ببلدية شلغوم العيد، كان من المتتبعين للوضع الأمني السائد آنذاك، إذ جند إجباريا، في الحرب العالمية الثانية برتبة ضابط صف وبعده التحق مباشرة بصفوف حزب الشعب الجزائري الذي تأسس عام 1937 في فرنسا ويعتبر امتدادا لحزب نجم شمال افريقيا، كما كان عبان رمضان عضوا في المنظمة السرية ومسؤولا في العديد من الولايات الجزائرية، كسطيف ووهران وكان قد شارك في مظاهرات 8 ماي 1945، ألقي عليه القبض عام 1950 وحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات بفرنسا و500 ألف فرانك فرنسي كغرامة مالية بتهمة مساسه بأمن الدولة وكان عبان رمضان قد ذاق ويلات السجن، حيث سجن في كل من بجاية وبومرداس والحراش وفي عام 1952 تم طرده خارج الحدود ليدخل في إضراب عن الطعام لمدة 36 يوما عام بعد ذالك أي في 1953 تم نقله إلى فرنسا ولكنه عاد في 1954 إلى الجزائر والتحق مباشرة بالثورة بعد اتصاله مع العقيد “اعمر أوعمران” وكلف بتنظيم شبكة المناضليين بالعاصمة الجزائرية ولعب دورا أساسيا في إعداد وثائق مؤتمر الصومام وكان صاحب مقولة “أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري”، وكان عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ وأشرف على إنشاء جريدة المجاهد بالعاصمة وأول من فكر في إنشاء نشيد وطني، أغتيل عبان رمضان في 26 ديسمبر 1957 بتطوان المغربية ولا زالت ظروف استشهاده غامضة.
«لا معنى للثورة إن كانت تقدم السلاح على الفكر!» .. هي عبارة قالها عبان رمضان عندما التقى بقادة الثورة، الذين ساعدوه على الفرار عندما كان في الإقامة الجبرية في إحدى القرى الصغيرة بعد اندلاع الثورة الجزائرية، ثم انكب على إعداد دستور لجبهة التحرير الجزائرية ليطرحه على زعمائها ومناضليها في المؤتمر السري الذي انعقد في الجبال الوعرة أواسط الخمسينات، وسرعان ما ضمن هذا الدستور اعترافا دوليا لجبهة التحرير، وعند انتقال قيادة الثورة الجزائرية إلى تونس، اصطدم عبان رمضان مع أولئك الذين كانوا يرون أن السلاح هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة الجيش الفرنسي، حيث صرخ فيهم في أحد الاجتماعات ضاربا بيديه على الطاولة قائلا: «يجب أن يسبق الفكر السلاح وإلا فإن هذه الثورة ستعود علينا وعلى شعبنا بالوبال!» ولم يستمع رفاق الثورة إلى نصيحة عبان رمضان ولم يأخذوها بعين الإعتبار، في حين اعتبرها التيار القومي، مسا بعروبة البلد، واستقلالية تنظيمية قد تعصف بالمد القومي السلفي والبعثي على السواء، وحينها بدأت خطة اغتياله تدبر له في الخفاء، وتم استدراجه من طرف عناصر محسوبة على شبكة استخباراتية بإدارة من عبد الحفيظ بوصوف تلقت تكوينا في المجال الإستخباراتي، من طرف (كي، جي، بي)، إلى أن تم اغتياله شنقا بإحدى المزارع بتطوان المغربية.
من هو عبد الحفيظ بوصوف. وما هي حدود شبكته الإستعلاماتية؟
من مواليد مدينة ميلة بالشمال القسنطيني سنة 1926 وبها تلقى تعليمه الأول، إنتقل إلى قسنطينة قبل الحرب العالمية الثانية إنضم إلى حزب الشعب الجزائري بقسنطينة وتعرف على بوضياف وبن مهيدي وبن طوبال وغيرهم، ثم كان من أبرز عناصر المنظمة الخاصة، وبعد إكتشاف أمر هذه الأخيرة (1950)، إنتقل إلى السرية في نواحي وهران وأصبح مسؤولا عن دائرة تلمسان ضمن حركة إنتصار الحريات الديموقراطية، كما أصبح عضوا في اللجنة الثورية للوحدة والعمل وحضر إجتماع الإثنين والعشرين.
عند إندلاع الثورة عين نائبا لإبن مهيدي بالمنطقة الخامسة (وهران)، مكلفّا بناحية تلمسان. بعد مؤتمر الصومام أصبح عضوا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية وفي سبتمبر 1956 عيّن قائدا للولاية الخامسة خلفا لإبن مهيدي برتبة عقيد ساهم في وضع شبكة الإتصالات والإستخبارات في الولاية الخامسة ثم باقي الولايات، وفي سبتمبر 1957 أصبح عضوا في لجنة التنسيق والتنفيذ وفي سبتمبر 1958 عيّن وزيرا للعلاقات العامة والإتصالات في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. ولعب دورا هاما في إنشاء جهاز الاستعلامات والإتصالات وتكوين إطارات في هذا المجال حتى لقّب بأب المخابرات الجزائرية توفي في 31 ديسمبر 1979.
ومعلوم أن عبد الحفيظ بوصوف، لعب دورا بارزا في إنشاء جهاز الإستعلامات والإتصالات وتكوين الأطر في هذا المجال، حتى لقب بأب المخابرات الجزائرية، وتوسعت، شبكته، بدعم من (كي، جي، بي)، لتشمل عناصر من المغرب وتونس ومصر، وقد استطاع جمع 8 مليارات فرنك فرنسي، مقابل تجارته في الإستعلامات الدولية، حيث كان باع للإتحاد السوفياتي، الصين، اليابان واليونان… معلومات كانت تخص شؤونا دولية لهذه البلدان مصلحة فيها، ونسج علاقات مع شخصيات وازنة، من قبيل ميشال دوبروي، الذي كان رئيسا للوزراء في حكومة شارل ديكول، وإمبراطور شركات البترول “إنش إل هنت”، وأنانيس المليونير اليوناني، الذي كان عشيق ثم زوجا لأرملة الرئيس الأمريكي المغتال جون كينيدي، والذي كان يعد أحد المقربين من ليندون جونسون، نائب كينيدي، والتي تشير معلومات أنه من دبر عملية اغتيال رئيسه، ذي المواقف القوية في مواجهة السوفيات، خصوصا بعد عملية اغتيال “لي هارفي أوسوولد”، منفذ العملية.
ويكفي ذكر اغتيال جون كينيدي يوم 22 نونبر 1963، لتعود بنا الذاكرة إلى محتوى التصريحات الصحفية التي أدلت بها مادلين دونكان مادلين، عشيقة ليندون جونسون، نائب الرئيس، عام 2002، والتي تفيد أن هذا الأخير هو من خطط لاغتيال رئيسه، بتعاون مع أمبراطور شركات البترول “إنشي إل هنت”، بعدما طرحت فكرة اغتيال الرئيس في مؤتمر للحزب الدموقراطي الأمريكي عام 1960. وتعدد مادلين أسماء المسؤولين عن مقتل كينيدي، فتقول أنهم يمثلون جهات اجتماعية وسياسية مختلفة تحيط بجونسون وهنت ومنهم رجال أعمال فاحشو الثراء أمثال المليونير اليوناني أونانيس وقضاة ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي إدغار هوفر. وتقول مادلين أن هؤلاء قد التقوا في حفلة أقيمت بمدينة دالاس في الليلة التي سبقت اغتيال كينيدي وبضيافة رجل أعمال ألماني يدعى كيلنت مورشيسون. مضيفة أن أن هوفر اتفق ورجال أعمال محليون وزعماء للمافيا ومحررون في الصحف ومحطات التلفزيون وريتشارد ينكسون وجاك روبي على الإيعاز إلى “بي هارفي أوسوالد” ليطلق النار على كينيدي ويرديه قتيلا. وخلال يوم واحد تناهى إلى مسامع الأمريكيين خبر الإغتيال.
وتشير معلومات، أن عبد الحفيظ بوصوف من أعز الاصدقاء للمهدي بنبركة، وبفضل شبكته تمكن هذا الأخير من القيام بزيارات متتالية لمجموعة من الأقطار، والتقى حينها بمجموعة من الزعماء الدوليين.حيث قام بوصوف، صحبة الصحفية الأمريكية “مارفين هو”، مراسلة نيويورك تايمز بالرباط في السنوات الأولى من الإستقلال، بترتيبات خاصة بالزيارة التي قام بها رئيس المجلس الوطني الإستشاري إلى الولايات المتحدة، وقد التقى أثناءها بأعضاء بارزين في الحزب الديموقراطي الأمريكي، من بينهم ليندون جونسون، عام 1958 (عين محمد الخامس يوم 12 نونبر 1956، المهدي بنبركة رئيسا للمجلس، والذي كان يضم كل من التهامي عمار، الفقيه داود، أحمد المذكوري، الهاشمي بناني، احماد أولحاج أخنوش)، وفي يوليوز 1957، قام كل المهدي بنبركة صحبة بوصوف بترتيب تنظيم حفل ذكرى ثورة الضباط الأحرار بفندق حسان بالرباط، وهو الشهر ذاته الذي أطاح فيه الحبيب بورقيبة بمحمد الأمين باي تونس، وتم الإعلان عن الجمهورية في تونس، وهو الحدث الذي أثار أول أزمة في العلاقات المغربية التونسية، لكون الأوساط المحيطة بالقصر المغربي أعلنت عن استيائها لما حدث في تونس، رغم أن الأمر يتعلق بشأن داخلي تونسي، مما حدى بالنظام التونسي، الذي كان يضم بورقيبة رئيسا وفارس جلولي رئيسا للمجلس التأسيسي للجمهورية التونسية، إلى سحب سفيرها الطيب السحباني لدى الرباط، في وقت قام فيها المهدي بنبركة، بزيارة لتونس في يناير 1958، وكان دائما بوصوف بتنسيق مع فارس جلولي هو من أوحى بفكرة هذه الزيارة. وما بين 27 و29 أبريل استقبل قصر مارشان بطنجة أشغال مؤتمر الأقطار الثلاثة المغاربية، ضم هذا المؤتمر وفود كل من حزب الإستقلال عن المغرب، حزب الدستور الجديد عن تونس وجبهة التحرير عن الجزائر، وكانت هذه الوفود تحت رئاسة كل من المهدي بنبركة وفارس جلولي وعبد الحفيظ بوصوف، ومن بين ما أقره المشاركون في أشغال المؤتمر، الإسراع بتأسيس حكومة جزائرية مؤقتة، باستشارة كلا من القادة المغربيين والتونسيين، وهو ما تم في شتنبر 1958، حيث حصل فرحات عباس هو الآخر على نصيبه من الكعكة، بإعلانه رئيسا للحكومة المؤقتة الجزائرية، وهي الفترة التي أسقطت فيها حكومة البكاي بالمغرب، لتحل محلها حكومة أحمد بلافريج الإستقلالي. وكانت الشبكة الإستعلاماتية لعبد الحفيظ بوصوف هي من نفذت معظم العمليات التي استهدفت رجال المقاومة وجيش التحرير المغاربي أمثال عباس لمساعدي وصالح بنيوسف التونسي، يقول عضو سابق في الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، فضل عدم الكشف عن إسمه، مضيفا أن الميليشية الإستقلالية شكلتها عناصر موالية للمهدي بنبركة والفقيه البصري وشخص يدعى الكنفاوي، كانت عبارة عن فرع للشبكة الإستخباراتية التي أسسها أب المخابرات المغاربية، عبد الحفيظ بوصوف، حيث كانت تتوصل بمبالغ مالية مقابل مشاريع عمليات اغتيالات أو انقلابات أو جمع معلومات استعلاماتية. وعناصر الشبكة بالمغرب، هم من سيأسسون فيما بعد حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، مشيرا إلى أن هذه الشبكة كانت موالية لجهاز الإستخبارات السوفياتي “كي.جي.بي”.
ويكفي ذكر اسم الكنفاوي، لترجع بنا الذاكرة، إلى المقالة التي نشرتها مجلة “ليكسبريس” شهر يوليوز من العام الفائت، والتي كشف من خلالها الصحافي والمؤرخ التشيكي بيتر زيديك، كون زيدينيك ميك، وإسمه الحركي موتل عميل استخبارات تشيكوسلوفاكي، كان يتخفى خلف ستار ديبلوماسي، مع أحد عملائه الفرنسيين الذي كان يحمل اسم “كوكول”، قدم للعميل ذاته شخصا يدعى الكنفاوي، كان يتستر هو الآخر خلف مهمة بالسفارة المغربية في فرنسا. وحضر المهدي بنبركة هذا اللقاء الذي تم في منتصف شهر مارس 1960 في مقهى ومطعم لوفوكيتس في شارع الشون زيليزي بباريس، حيث تجدد موعد كلا من المهدي والكنفاوي مع العميل التشيكوسلوفاكي في عشاء نظمته السفارة التشيكية مساء 24 مارس 1960. تلتها زيارة المهدي بنبركة للتشيك. وقد كشف الصحافي بيتر زيديك على وثائق وأرشيفات استخباراتية، تفيد أن بنبركة “الشيخ” كان عميلا سريا للمعسكر الشرقي، وكان يتلقى تعويضات مالية مقابل المهمة التي كان يقدمها.
الخلفيات الإيديولوجية والسياسية لاغتيال عبان رمضان
وحول ما أورده بعض المؤرخين على أن عبان رمضان قتل، بسبب اعتباره من قام بهندسة مؤتمر الصومام، سنة بعد انعقاده، بحيث لم يتطرق أحد إلى هذه الاغتيالات إلا في السنوات الأخيرة حتى لا تفشل تواطؤات مرتكبيها، وبقيت في خانة السرية، وقد قام أحمد بن بلة وزملاءه على مؤتمر الصومام، موجهين اتهام الخيانة لمهندسه، فقد عبر بن بلة عن فرحته ورضاه بتصفية عبان رمضان وذهب إلى حد تمثيله ب”المكروب”، وهي نفس الأوصاف التي قالها في حق الزعيم القبايلي، كريم بلقاسم الذي أغتيل هو الآخر بإسبانيا، في حين ندد محمد بوضياف بمقتل عبان رمضان ولم تعجبه مثل هذه السلوكات العدوانية. ففي مذكراته يشير بن بلة “في هذه الأثناء كانت روح الفزع تعصف بالحكومة المؤقتة، التي أحست بأنها خسرت الجولة، فأذعنت، باستثناء إثنين من أعضائها هما بوضياف وكريم بلقاسم، اللذين حاولا بعث مقاومة مؤسسة على الجهوية القبايلية”، قبل أن يضيف “هذه الجهوية لا نكران لها، لكنها في نهاية كل حساب، ليست شيئا آخر غير إرث إستعماري، لأن الإدارة الفرنسية بذلت، على مدى الأزمان، قصارها لتؤلب القبائل على العرب، ولم تصل إلى إعطاء هذه الجهوية مضمونا سياسيا محددا، والدليل هو أنه عندما دقت ساعة العمل الثوري، انضم القبائل بحماس للحركة المسلحة ومدوا الثورة ببعض من أفضل عناصرهم. وأخفقت محاولة بوضياف وكريم بلقاسم بسرعة، ولكنها كانت تحتوي على بذور خطيرة في المستقبل”. وفي هامش خاص أوضح العفيف الأخضر، مترجم مذكرات بن بلة إلى العربية، الإنتماء الجغرافي للقبائل، معتبرا سكانها، من أكثر أبناء الشعب الجزائري فقرا وبؤسا، أما بخصوص الإنتماء العرقي لسكان منطقة القبائل، فهي شتى، حسب تعريف بن بلة دائما، “فبعضها تدعي أنهم أو بعضا منهم قبائل جرمانية تدفقت على أفريقيا في فترات تاريخية مختلفة. وتؤكد روايات تاريخية أخرى بأنهم قبائل عربية نزحت من اليمنز وقد أطلق العرب عليهم إسم البربر لكونهم ارتفعوا بإسمهم إلى”شام” من مازيغ و “بر” ويطلقون على أنفسهم “إيمزغن”.
وأشار آخرون إلى أن عبان رمضان لم يأت بفكرة عقد مؤتمر الصومام، لكنه قام بتنظيمه، أعطى بعدا للثورة، ورسم معالم الدولة الجزائرية، من خلال النصوص التي وضعها، فقام بإعادة هيكلة الثورة والمجتمع بكامله، من خلال إحداث تنظيمات عمالية وطلابية لها علاقة بالثورة، فقد أعطى برنامجا سياسيا، وهيكلة جديدة للمجتمع واحتوى الشخصيات التي انخرطت في تنظيمات تابعة للمستعمر، كما عمل عبان رمضان على التأسيس لحرية التعبير، ورسم معالم الدولة الحديثة، وفي نظره فإن نصوص مؤتمر الصومام كانت تحمل أهمية قانون، فكان حاملا لمشروع أعاد تنظيم مجتمع حر له تنظيماته، وأراد أن يمكن الأفراد من فرض خيارهم. ونفوا مزاعم بن بلة وزملاءه، بخصوص كل ما نسب لعبان رمضان، وبأنه حاول الإستيلاء على مقاليد الحكم داخل قيادة الثورة، من خلال الإنفراد بتنظيم مؤتمر الصومام اقتداء بمصالي الحاج في الأربعينات، موضحين أن مجموعة 22 التي قررت تفجير الثورة اتفقت على إعادة الإلتقاء بعد أشهر من انطلاق العمل المسلح لتقييم الوضع، وكان ذلك من خلال عقد مؤتمر الصومام.
شاهد على إغتيال عبان رمضان
”نزلنا من السيارة، وكنت أول من دخل المزرعة، عند باب إحدى الغرف وقف أربعة أشخاص اثنان بكل جانب، كانوا يحملون مسدسات بأحزمتهم، قدمت نفسي مصافحا، فإذا بوالصوف يتدخل ناهرا: ”ما كان لنا أن نعرّف بأنفسنا!”.
كان عبان يتبعني ببضعة أمتار، بينما كان بوالصوف وراءه، وبمجرد دخوله سمعت دفعا قويا خلفي.. التفت فرأيت عبان موثقا من قبل العناصر الأربعة الواقفين عند المدخل… صرخت: ”إنكم ستقتلونه! أطلقوه”!
التفت إلي بوالصوف قائلا: ”إنه هنا ليموت!”.. رددت عليه: ”لا أبدا! مطلقا! كريم لم يبلّغ بموقفنا إذن”؟!.. ”أطلقوه!”.
أمر بوالصوف جلاديه باقتياد عبان إلى غرفة مجاورة وربطه إلى كرسي ومنعه من الصراخ خاصة، ثم صعد إلى الطابق الأول متبوعا بعبد الجليل، وطلب مني وكريم أن نتبعه، وفي غرفة ضيقة توجه نحو كريم قائلا: هلا شرحت لي الأمر؟! أجاب شاحبا مرتجفا: ”بن طبال والشريف غير موافقين على إعدام عبان!”. انتفض بوالصوف حنقا، وهو يقول: ”عبان سيموت، وسيلحق به كل الخونة والمناهضين للثورة”!
وكان ردي: المفروض أن يحاكم بطريقة قانونية إذا كان خائنا أو مناهضا للثورة، وليس دورك أو دورنا جميعا أن نحاكمه. فأجاب مهددا: لا أعترف بالشرعية! قررت أن يموت وسيموت! ثم توجه إلى كريم قائلا: وأنت ما هو موقفك؟
بعد تردد قصير أجاب بعناء: ”ليكن فلننته منه!”. لم يأخذ كريم وبوالصوف اعتراضي بعين الاعتبار، ونزلا إلى الطابق الأرضي وأمضيا دقائق معدودة، قبل المرور إلى الغرفة التي كان بها عبان.
ولمحت في ثانية إعدام عبان خنقا بواسطة حزام صغير جذبه جلادان إلى الخلف بكل قوة.. اندفعت إلى الخارج مروعا بذلك المشهد، فرأيت كريم في غرفة صغيرة تبعد بضعة أمتار عن مكان الإعدام، وكان يبدو هادئا مطمئنا. دعانا بوالصوف إلى معاينة وفاة عبان، فرفضت قائلا: ”ليس لنا ما نعاين! ما رأيناه كان مقززا للغاية”، وكذلك فعل كريم بعد تردد…
في منتصف نهار 28 ديسمبر غادرنا طنجة باتجاه مدريد.. وبمجرد عودتي إلى تونس سارعت بإطلاع كل من بن طبال وأوعمران عما حدث لعبان، فكان رد هذا الأخير: لقد لقي جزاءه! بينما قال بن طبال: إن موته لا يهم بقدر ما تشغلنا العواقب التي تنجر عنه!
ويعتقد الشاهد أنه كان بدوره مبرمجا للتصفية باعتباره ”شاهدا مزعجا”! ومهما يكن فالمؤكد أنه عاش لحظات عصيبة، في ظل عملية ترهيب قاسية.
المصدر: محمد عباس 2007-12-27 www.djelfa.info/vb
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 1): من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 2):من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 3):من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 4):من هنا
يوميات مقاومة مغتالة لـ سعيد باجي (الحلقة 5):من هنا